أعلن في العاصمة تونس عن إعادة فتح التسجيل للتدريس بجامع الزيتونة، أحد ابرز منارات الدين الإسلامي المعتدل في شمال إفريقيا في السابق بعد إغلاق استمر عقودا، سعيا لمواجهة التشدد الديني الذي تقوده تيارات سلفية منذ اندلاع ثورة تونس العام الماضي. ومنذ اندلاع الثورة في 14 يناير الماضي، برزت جماعات سلفية متشددة دعت إلى إقامة دولة إسلامية، وهاجمت دور سينما ومثقفين قبل أن تشهد تونس مواجهة نادرة بين قوات الأمن وعناصر سلفيين قتل خلالها عنصران، وفق وكالة رويترز التي أوردت الخبر. ووسط حضور أهالي مدينة العتيقة تم فتح الأقفال الموضوعة على أبواب الهيئة العلمية للجامع بإذن قضائي أنهى إغلاق هذه المؤسسة الذي استمر في حكم الرئيسين السابقين لتونس الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. وجامع الزيتونة أول جامعة في العالم الإسلامي بدأت دروسها قبل 1300 سنة. ولم يكن المعمار وجماليته الاستثناء الوحيد الذي تمتع به جامع الزيتونة بل شكل دوره الحضاري والعلمي الريادة في العالم العربي والإسلامي إذ اتخذ مفهوم الجامعة الإسلامية منذ تأسيسه وتثبيت مكانته كمركز للتدريس. وقد لعب الجامع دورا طليعيا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب العربي. ومن ابرز رموز الزيتونة الشيخ الطاهر بن عاشور والطاهر الحداد وعبد الرحمن ابن خلدون وكلهم أصحاب أفكار متحررة تدعو إلى التسامح ونبذ العنف وإعطاء المرأة مكانا رياديا في المجتمع. وفي أول أيام التسجيل بجامعة الزيتونة تدفق عشرات الشبان والفتيات للفوز بمقاعد في جامع الزيتونة الذي سيتم خلاله اعتماد عديد من المواد مثل العقيدة والأخلاق والمنطق والسيرة النبوية. وعلى مكتب صغير وضعت مئات الأوراق المملؤة من قبل طلاب يريدون متابعة أول دروس دينية ستنطلق الشهر المقبل على الأرجح. واصطف شبان وشابات محجبات في نفس الصف للتسجيل وكانوا يتبادلون الحديث عن ضرورة إعادة الدين المعتدل إلى تونس بينما كان متطوعون ينظفون بيوتا كبيرة في المسجد ويخرجون أثاثا قديما متآكلا كان محتجزا في بيوت الجامع المزركشة بألوان كثيرة. وقال شاب اسمه محمد ياسين بن علي يهتم بتسجيل الطلبة لرويترز «مثلما تشاهدون، هناك إقبال كبير على الاستفادة من الدروس التي ستقدم من جديد في الزيتونة بعد سنوات كثيرة من إغلاق هذا الرمز الديني والعلمي المتنور». وأضاف بينما كان مشغولا بتوزيع الاستمارات على الطلبة « عديد من المواد ستدرس مثل الأخلاق والعقيدة والسيرة والمنطق .الدروس ستكون للذكور والإناث معا». وبدت علامات الفرح واضحة على وجوه عشرات الحاضرين أثناء فتح أبواب الهيئة العلمية التي تقع في قلب المدينة العربية بتونس المكتظ بالسياح الغربيين الذي يتجولون في محلات التحف التقليدية. وقال رجل كان ضمن الأهالي المتابعين لفتح الأقفال «هذا هو الدواء الوحيد لمجابهة الجرذان المتطرفين إعادة الاعتبار للدين التونسي المعتدل». وقال فتحي الخميري الكاتب العام لجمعية أحباء جامع الزيتونة لرويترز «إرجاع هذه المنارة العلمية والدينية أمر بالغ الأهمية في ظل تزايد الغلو والتطرف الديني الذي نعيشه حاليا..الهدف إرجاع الدور العلمي والديني للزيتونة في تونس و شمال إفريقيا لنشر قيم الدين المعتدل». وأضاف أن الهدف هو استعادة الدور التاريخي علميا ودينيا للزيتونة بعد أن تمت مصادرته خلال حكم بورقيبة وبن علي، مضيفا انه يجري إعداد هيكلة الهيئة العلمية لجامع الزيتونة منتصف الشهر الحالي، قبل الإعلان عن البرنامج الرسمي للتدريس، مرجحا أن يكون الجامع تابعا لوزارة التعليم العالي، وان يتم اعتماده ضمن خيارات التوجيه الجامعي في المستقبل. وجمعية أحباء جامع الزيتونة هي التي رفعت دعوى قضائية لإعادة التدريس بالزيتونة. وعلى درجات جامع الزيتونة تجمعت نسوة بعضهن محجبات، والأخريات سافرات، يتحدثن مع شيخ حول تاريخ الزيتونة. وقالت امرأة محجبة كانت تصطحب ابنتها للتسجيل في الزيتونة « جئنا إلى هنا حتى أحصن بنتي من الأفكار الظلامية الرائجة وحتى تعرف أن الإسلام يحمي حقوق المرأة ولا يسلبها حريتها مثلما يحاول بعض المتطرفين إقناعنا به». وأضافت بينما كانت ابنتها تملا استمارة « خبر عودة التدريس بالزيتونة مفرح لأنه سيعيد نشر التفتح والاعتدال والتسامح في نفوس الشبان وهو مفتاح لإبعادهم عن أي تطرف قد يقودهم إلى جماعات جهادية ترفع السلاح بدعوى الانتصار للإسلام». وبينما كنا نتحدث معها قاطعنا شاب اسمه شمس الدين العشي، وعمره ستة وعشرين عام قائلا « الزيتونة فكر ومنهج متفتح بعيد كل البعد عن الفكر الوهابي السلفي ..هنا في الزيتونة تواضع العلماء وأخلاقهم العالية هو اكبر حصن ضد التطرف».