في بداية الثورة الليبية رفع الثوار العلم الملكي القديم، علم الاستقلال. لم يتزعم إدريس السنوسي الحركة الاستقلالية فقط، بل حقق إحدى أهم الوحدات في أفريقيا والعالم العربي. وعندما يعلن بعض أهل «برقة» الآن أنهم يعودون إلى الدستور الفيدرالي الأول، فهذا قبل أي شيء طعن في إنجاز إدريس السنوسي، الذي نقل ليبيا من دولة فيدرالية اتحادية إلى دولة موحدة. العودة إلى ولاية برقة ضمن الفيدرالية الأولى، هي إعلان انفصال مبطن. والدعاوى التي رفعت في مؤتمر بنغازي يوم الثلاثاء، هي حجج واهية لفصل المقاطعة النفطية في البلاد والعودة بليبيا إلى ما قبل الاستقلال. وهي خطوة أولى، لا يعرف أحد إلى أين تؤدي. وهو قرار من جانب واحد لا نعرف بعد ما هو رد الآخرين عليه، سواء في طرابلس أو في فزان أو في بنغازي نفسها. يسجل «فيدراليو» ليبيا سابقة شديدة الخطورة في عالم الثورات العربية. فمعظم البلدان التي عرفت الثورة تعاني من نزعات انفصالية كامنة أو معلنة. ويعطي ذلك حجة لحديث الرئيس السوري عن مخاوف التقسيم. ويزيد من الكلام الذي بدا أسطوريا وخرافيا وجزءا من شغف العرب بنظرية المؤامرة وما يشاع عن مخطط لتفتيت المنطقة وإعادة رسم «الشرق الأوسط الجديد». «برقة» خطوة غير محمودة إطلاقا في الظروف الحالية. وفي غيرها أيضا. ولا يمكن الدفاع عنها بموجب أي مبرر. يحدث ذلك فيما حالة من الفوضى تعم ليبيا. وقد قال صحافي ليبي في وصف ما يجري «إن هؤلاء لم يعودوا ثوارا، بل هم أشبه باللجان الثورية». ومن نيويورك تحدث الدكتور عبد الرحمن شلقم إلى «العربية» عن نهب الأموال والتسابق على السرقات. فهل من أجل كل ذلك هب الليبيون أخيرا للتخلص من أحد أسوأ وأعتى أشكال الحكم في العالم؟ وجه التشاطر في إعلان برقة القول إنها سوف تبقى ضمن الفيدرالية، أي إنه ليس انفصالا كاملا يتطلب اعترافات دولية. وبالتالي نحن لا نعرف ما هو موقف أميركا وأوروبا اللتين خلعتا النظام المسخ بالقوة العسكرية وحاملات الطائرات والقاذفات الآتية من مطارات بريطانيا كي تقصف وتعود. الفيدرالية التي تحدث عنها أهل «برقة» تحتاج إلى فريقين، أو شريكين، وإلى توافق مسبق. فهذا نظام جديد تماما وليس نظام 1951 الذي مضى عليه نصف قرن. وعندما وُضع كان مقدمة لتسهيل الوحدة وليس جسرا إلى الانفصال.