في العشرين من شهر تشرين الاول/أُكتوبر 2011، وبعد معارك شرسة وقتال عنيف، ضد كتائب القذافي في آخر موقع إرتدت إليه وتحصنت فيه، فلول هذه الكتائب، في مواجهة ثوار السابع عشر من شباط/فبراير، أُلقي القبض على معمر القذافي جريحاً داخل إحدى انابيب المجارير في المنطقة الثانية في مدينة سرت، ونقلت جميع وسائل الأعلام العالمية، صور ومشاهد للقذافي في أيدي الثوار، كان أخرها جثة في ثلاجة لحوم في مدينة مصراتة التي عانت من وحشية عدوان كتائبه ومرتزقته شهوراً عصيبة، تميزت بصمود أُسطوري ودفاع بطولي لأهل مصراتة وغيرها من المدن والقرى الليبية، توج بنصرٍلليبيا الحرة سوف يبقي ترانيم ملحمة تروى على مر العصور. وبقيت جثة القذافي عدة أيام يمر بها الليبيون رجالاً ونساءً، شيباً وشباناً، شيوخاً واطفالاً، يلقون عليها نظرة تختزل معاناة وعذابات وآلام السنين التي سببها القذافي لكل منهم، وتُزِيل من قلوبهم خوفاً ورعباً زرعه النظام الدموي البغيض طوال أربعة عقود، مستيقنين بأن الطاغية قد أمسى جثة هامدة ولن يعود، وأن الطغيان قد زال، مستذكرين قوله تعالى 'قَاتِلُوهُم يُعَذّبِهُمُ أللهُ بأَيْدِيكُمْ وَيُخِزهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤمِنِينَ '، فبعضهم أعدم القذافي وقتل وإغتال وسجن وعذب أعز الناس إليهم، وبعضهم تعرض بنفسه للسجن والتعذيب وألأمتهان، وبعضهم سلب القذافي أعمارهم وقتل أحلامهم ودمر مستقبلهم، وبعضهم إغتصب أُمهاتهم وبناتهم وأخواتهم لا، بل إغتصب أبائهم وابنائهم، لقد إغتصب القذافي ليبيا وإنتهك حرماتها، وأذل أبنائها في سياسة ممنهجة على إمتداد أربعة عقود، وكانت الأيام المجيدة لثورة السابع عشر من شباط/فبراير، شاهدة بكل لحظاتها على مدى وحشية ودموية وشراسة نظام القذافي في مواجهة الشعب الليبي الذي بدأ ثورته بشكل سلمي مطالباً بالحرية والكرامة، ثم حمل السلاح مكرهاً ومضطراً للدفاع عن النفس والعرض وألأرض وأثابه الله نصراً من لدنه وفتحاً مبينا. لقد كان مقتل القذافي، لحظة فارقة حاسمة في تاريخ ليبيا الحديثة، أنهت حكم طاغية مستبد، إرتكب بحق الشعب الليبي أبشع الجرائم، سفك الدماء غزيرة، وعاث في الأرض فساداً، فعل الموبقات جميعها وكان شيطاناً تآله، وكان العالم أجمع شاهداً على ذلك، لقد إرتكب القذافي ونظامه بأمر وتحريض منه ومن إبنه سيف ورئيس مخابراتة عبدالله السنوسي، جرائم الأبادة وجرائم ضد الأنسانية وجرائم الحرب التي تحتاج في تدوينها إلى مجلدات، ويحتاج مجرد الأشارة إلى نماذج منها إلى صفحات وصفحات يضيق بها هذا المقال، ويكفي أن نشير هنا، إلى ان بعضاً من هذه الجرائم كان كافياً لصدور مذكرات جلب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بحق هؤلاء المجرميين. العالم أجمع يعرف لماذا قُتل القذافي، ويعرف أن في مقتله إلتقت عدالة السماء وعدالة الأرض، وأن لحظة مقتله كانت لحظة توقف فيها القتل والدمار، إنهارت كتائبه وفرت مرتزقته، وصمتت مدافعه، وأنقذ مقتلهُ مئات إنْ لم يكن ألآف ألأرواح، لم يكن القذافي إنساناً تَرِقُ لمقتله قلوب القائمين على منظمات حقوق الأنسان، وتنسى او تتناسى عشرات الالآف من ضحاياه الذين قضوا قتلاً وإعداًماً، ودُفنوا وحُرّقوا أحياءاً، وشُرِدوا وعُذبوا وأُغتصبوا، ليس فقط خلال هذه الشهورالثمان الماضية بل على إمتداد 42 عاماً من حكمه البغيض. لم يكن القذافي في هذه الحرب التي أشعلها حسب قوله 'ناراً حمراء'ضد الشعب الليبي، مجرد إنسان يجب أن يتمتع بحقوق الأنسان المنصوص عنها في الأسلام وفي مواثيق حقوق الأنسان الدولية، بل كان آلة حرب ومشعل نارها، والدليل القاطع على ذلك، أن ألحرب إنتهت وجرائم القتل توقفت، بمجرد إعلان مقتله، وتصوروا لو بقي القذافي حراً طليقاً، او حتى حياً أسيراً، لكان الدمار والقتل مازال مستمراً، من قبل أتباعه وزبانيتة ومرتزقته ولكانت الأرواح البرئية ما زالت تُزْهَق حتى الأن، ولما كان الشعب الليبي قادراً على الأنتقال إلى مرحلة بناء الدولة، ولما إستطاع مجلس الأمن الدولي ان ينهي التفويض الممنوح للناتو لحماية المدنيين الليبيين من آلة الحرب الجهنمية والوحشية التي شنها القذافي ضدهم. نحن إنطلاقاً من إنتمائنا الأنساني والأسلامي. وخاصة في منطقة الربيع العربي، أكدنا وما زلنا نؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، فعلاً لا قولاً، أننا نُقدِسُ حقوق الأنسان، لأننا نُسجنُ ونُعذبُ ونشردُ ونُقتلُ ونقاتل من أجل الحصول على حقوق الأنسان وإستعادتها، من أنظمة دكتاتورية مستبدة حرمتنا من هذه الحقوق ردحاً طويلاًمن الزمن، وهناك دول ومنظمات إنسانية، نشعر نحوها بالأمتنان لأنها تدافع عن حقوق الأنسان إيماناً بها وإحتراماً لها، بينما هناك أيضاً من يتعامل مع حقوق الأنسان إنتقاءً حيناً وسلاحاً ضد ألأخريين حيناً أخر، وهناك من يعتبرها مهنة يترزق بها، وفي حربنا الطويلة المريرة مع القذافي على إمتداد 42 عاما وخلال ثورة السابع عشر من شباط/فبراير، حيث لم يتوقف لحظة عن إنتهاك جميع حقوق الأنسان الليبي، وإرتكاب أبشع الجرائم المدانة بكافة المواثيق الدولية. أصبحت لنا تجربة واسعة في معرفة مدى صدق ونزاه وحسن نية المدافعين عن حقوق الأنسان. ...... إن ثوارنا ومقاتلينا في حربنا المقدسة ضد القذافي وكتائبه ومرتزقته، كانوا يقاتلون من أجل حقوق ألأنسان ودفاعاً عنها، وهم ملتزمون دوماً بمبادىء حقوق الأنسان، فلم يقتلوا أعزلاً أو أسيراً أو جريحاً، وشاهدنا جميعاً وشاهد العالم أجمع من خلال وسائل الأعلام العالمية والتي رافق مراسلوها الثوار في ميادين القتال، كيف كان الثوار ملتزمين بالدين الحنيف ومكارم الأخلاق والمواثيق الدولية، وإذا ما حصل هناك أي إنتهاك لحقوق الأنسان، وهومتوقع في مثل هذه الظروف، فهو سيكون أعمالاً فردية إستثنائية مدانة. أما مقتل القذافي فقد كان من أجل حماية حقوق الأنسان الليبي والدفاع عنها، تصوروا لو بقى القذافي حياً، كم من الدماء كانت ستسيل وكم من الدمار كان سيحل، وكم من جرائم القتل والأغتصاب كانت سترتكب في هذه الفترة، وبأكتشاف موقعين لتخزين الأسلحة الكيماوية والتي كان القذافي حتماً سيستعملها في لحظة اليأس، تصوروا حجم الكارثة البشرية والبيئية التي كانت ستحل في ليبيا والمنطقة وبالتالي الا ترون معي، أن مقتل القذافي قد أوقف الرصاص والقتل والدمار، وأزال كابوساً من الرعب جثم على صدور اليبيين أكثر من أربعة عقود، وأنهى مرحلة مظلمة من الطغيان وألأستبداد والقهر، وأعاد لليبيين الشعور المشترك بألألفة والمودة والأنتماء. وبمقتلهِ أُعلن التحرير وأكتمل الأنتصار وحل السلام، وإلتقت وتحققت عدالة ألأرض وعدالة السماء، في قوله عز وجل (إنَّمَا جَزَآؤُا اْلَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَونَ في ألأَرضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوآ أَو يُصَلَّبُوآ أَوتُقَطَّعَ أَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم مِّن خِلافٍ أَو يُنفَواْ مِنَ ألأرضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ في اْلدُّنْيَا وَلَهُمْ في اْلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) صدق الله العظيم.