ودعت الأسرة الفنية المغربية، اليوم الخميس، نجمة من النجوم التي أضاءت الساحة المسرحية والتلفزيونية والإذاعية منذ الخمسينيات من القرن الماضي، في فترة كان من الصعب فيها أن تنحت ممثلة شابة، مفعمة بالحماس والطموح، مكانا لها تحت الشمس، حيث كان المجتمع المغربي لايتقبل بسهولة دخول واحدة من بناته لمضمار الفن. فقد رحلت إلى دار البقاء، الممثلة المغربية حبيبة المذكوري، بعد مسيرة طويلة في عالم الفن، إثر معاناة مع المرض، واجهته بقوة وشجاعة حسب المقربين من أسرتها. ورغم أنها مثلت للمسرح والتلفزيون، فإن إسمها اقترن أكثر بالإذاعة المغربية من خلال مسلسلات إذاعية حلقت بها في عالم الشهرة، وكانت نبرات صوتها معروفة جدا، ويكتشفها المستمع بسهولة وسط أصوات زملائها وزميلاتها، امثال أمينة رشيد، وفاطمة بنمزيان، وأمينة البصري،وحمادي التونسي، والمرحوم العربي الدغمي، وسواهم من سادة وسيدات الميكروفون في الزمن الذهبي للراديو. ويبقى إسهامها في مسلسل " الأزلية" الإذاعي إلى جانب الممثل والمؤلف محمد حسن الجندي، من أشهر الأدوار التي قامت بها على الإطلاق، وارتبطت بإسمها، وكان المستمعون ينتظرون سماع صوتها بفارغ الصبر، نظرا لإندماجها في الأداء بكل إحساس. خاضت غمار العمل الإذاعي في سنة 1952، في سن مبكرة من حياتها، مدفوعة بحبها وعشقها للفن الذي كانت دائما مستعدة من اجلها بصحتها ووقتها، في ظروف لم تكن مشجعة على احتراف الفن في تلك الفترة، ولاسيما بالنسبة للعنصر النسوي. كل ذلك لم يزدها سوى إصرارا على متابعة مسارها الفني، رغم كل الإكراهات والتحديات،التي كانت تنتصب في وجهها في البداية كأي موهبة صاعدة،مسكونة بحب التمثيل. ففي تلك المرحلة من تاريخ المغرب، كانت البلاد ترزح تحت نير الاحتلال الفرنسي، وكان الفن بالنسبة لحبيبة أداة من أدوات مواجهته بالكلمة، من خلال بث رسائل فنية معينة تحمل بين طياتها، عبر أمواج الأثير،صوت الوطن التواق إلى الحرية والانعتاق. وكانت تحمد الله أن هداها إلى تسخير الفن في أداء الواجب نحو الوطن بكل تضحية وحب ومسؤولية، وهذا ماكانت تعبر عنه دائما في كل لقاءاتها واحاديثها. ولم تبخل حبيبة يوما على الشباب بالنصح والإرشاد،مسخرة تجربتها الفنية الطويلة في خدمة كل صاحب موهبة، ورغم تقدمها في السن، لم تتخلى يوما عن مواكبة الحركة الفنية في البلاد، نفس الحماس الذي كان يغمرها في البداية، وكانت تؤكد دائما ان الفن لايعترف بسن التقاعد، وكلما كبر الفنان ازداد نضجا. ولذلك لم تتردد حين نادى عليها يوما الفنان أنور الجندي لتشتغل ضمن فرقة فرقة مسرح الفنون، حيث وقفت برصيدها الفني، بجانب مختلف الفئات العمرية، من الممثلين والممثلات،بمنتهى التواضع والبساطة، وكأنها واحدة منهم، رغم تاريخها الفني الطويل. عاشت حبيبة المذكوري طيلة حياتها الفنية، فنانة محترمة،و إنسانة قنوعة, لا تركض وراء الماديات، بل كان هدفها الأساسي هو خدمة بلدها عن طريق الفن، وهو الأمر الذي نذرت له نفسها منذ أول خطوة لها في زنقة البريهي بمدينة الرباط حيث تنتصب بناية الإذاعة والتلفزة المغربية. رحمها الله واسكنها فسيح جنانه وألهم أفراد أسرتها الصغيرة والكبيرة الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.