بعد أن أدى صلاة العشاء غادر شاب ذو لحية كثيفة يرتدي جلبابا ابيض المسجد ليبدأ في مناقشة مواضيع مع بعض جيرانه حول مستقبل تونس. بدا وليد ذو اللحية الكثيفة هادئا وهو يحاول إقناع شبان آخرين بان الحكومة تحارب الإسلام لكن هدوءه سرعان ما تحول الى غضب حين طلب منه احد الشبان الا يتحدث باسم الدين. لم ينس وليد ان يطلب من الشبان المشاركة في مظاهرة ضد الحكومة بعد صلاة الجمعة احتجاجا على منع ارتداء النقاب بالجامعات. ويقول وليد وهو سلفي عمره 30 عاما "دفعنا فاتورة الثورة غاليا وزهقت أرواح أصدقائنا لذلك لسنا مستعدين لان نجعل أتباع الصهاينة ومن يدعون العلمانية ان يتحكموا في مصيرنا.. الدين ستكون له الكلمة العليا." ويضيف لرويترز "نحن نريد ان يحترم ديننا وان تطبق الشريعة الإسلامية في بلادنا. نريد مدارس إسلامية في كل أنحاء البلاد. لا نريد ان نمنع من ان تلبس نساؤنا الحجاب والنقاب. نحن نرغب في رؤية بلادنا بلدا إسلاميا لا يسمح فيه بكل المدنسات مثل الخمر." تونس التي ظلت لعقود قلعة من قلاع العلمانية في المنطقة العربية أصبحت اليوم بعد الثورة في مفترق الطرقات مشدودة بين تيار علماني تقليدي وتيار إسلامي قوي ينتظر ان يفوز في أول انتخابات حرة في تاريخ البلاد ستجري في 23 أكتوبر الحالي لصياغة دستور جديد. ولا يخفي العلمانيون خشيتهم من ان قيمهم أصبحت مهددة بسبب المد الإسلامي الذي بدا واضحا منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي الذي قمع الحركة الإسلامية. وألهمت تونس التي انطلقت منها شرارة الثورة عند الإطاحة ببن علي في يناير كانون الثاني الماضي شعوبا عربية في المنطقة منها شعوب مصر وليبيا وسوريا واليمن. ويراقب المسؤولون في الغرب والعالم العربي باهتمام كبير انتخابات تونس لإمكانية ان تسمح هذه الثورات بوصول حكام إسلاميين الى السلطة. وزادت المخاوف من ان يهيمن التيار المتشدد على البلاد بعد الانتخابات عقب احتجاجات عنيفة من جانب مئات من الشبان السلفيين على بث قناة تلفزيونية فيلما إيرانيا. وأطلقت قوات الأمن يوم الجمعة الماضي الغاز المسيل للدموع لتفريق ألاف المحتجين الإسلاميين الذين حاولوا الوصول الى ساحة القصبة حيث مكتب رئيس الوزراء التونسي. وتقول امرأة تدعى سعاد العيوني لرويترز "ستكون كارثة لو فاز الإسلاميون في الانتخابات. هم لم يتقبلوا بث فيلم.. نتوقع ان يمنعوا المهرجانات ويغلقوا النزل." ويقول محللون ان التيار الديني المتشدد يسعى للاستفادة من الحرية التي أتاحتها الثورة لفرض رؤيتهم ولعودتهم للساحة السياسية بعد عقود من الحظر. ويرى مراقبون ان الانتخابات ستظهر هل ان تونس قادرة على المضي في نمطها العلماني أم أن الإسلاميين سيفرضون تصوراتهم على المجتمع. وقال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في مقابلة مع رويترز ان النهضة معتدلة وملتزمة بالنهج الحداثي وانها تحترم حرية الملبس وحقوق المرأة كاملة. ولم يحصل حزب التحرير وهو الحركة الوحيدة التي تدعو الى إعادة الخلافة الإسلامية على الترخيص. والفصل الأول من الدستور محل جدل كبير بين الفئة العلمانية والإسلامية.. فبينما يصر العلمانيون على التنصيص على ان الدولة ديمقراطية علمانية يصر الإسلاميون على ان تونس دولة الإسلام دينها والعربية لغتها. ويقول المحلل السياسي الشاذلي بن رحومة ان مسألة هوية تونس في المستقبل هي ابرز ملف مطروح على النقاش خلال الفترة الحالية والمقبلة أيضا. وأضاف "الخلاف أصبح كبيرا وهناك خشية كبيرة من ان يتحول هذا الخلاف الى عنف في الشارع اذا استمر هذا التشنج بين التيارين." ورغم اعترافه بقوة التيار الإسلامي فإنه استبعد إمكانية ان يفرض التيار الإسلامي المتشدد رؤيته على ارض الواقع معتبرا ان الطبقة العلمانية لديها حضور تقليدي. وتدور الحرب بين العلمانيين والإسلاميين في الاجتماعات السياسية للأحزاب ضمن الحملات الانتخابية وكذلك على صفحات الفيسبوك. وقال احد العلمانيين على موقع التواصل الاجتماعي ان تونس ستكون أشبه بأفغانستان ولن يحتفل شعبها بأعياد مثل عيد الميلادفي حال فاز الإسلاميون. من جهة أخرى يسخر مؤيدو الحركات الإسلامية من العلمانيين وقال شاب اسمه كمال "اذا سيطر العلمانيون نخشى ان يذهب رجل للتلفزيون ليشتكي ابنته التي عمرها 15 عاما ولاتزال عذراء." ويأمل الشق الواسع من التونسيين في ان يحافظ المجتمع التونسي على انفتاحه لكن دون التضييق على الحريات الدينية. تقول هدى وهي شابة محجبة تصنف نفسها على أنها من الفئة المعتدلة "انا لبست الحجاب في شهر فبراير الماضي. كان ذلك غير ممكن مع بن علي لكن الآن أصبح بإمكاننا احترام تعاليم ديننا." وتضيف هدى التي تعمل بمركز للاتصالات الدولية لرويترز "هذا لا يمنعني من ان أعيش حياتي بنفس النمط. نريد ان نخرج مثل قبل الى المقاهي والسينما مع الأصدقاء بحرية. انا ضد الإسلام الراديكالي. تونس يجب ان تتسع للجميع."