"المنعطف" الرباط: بوشعيب الضبار كثيرون من زملاء وأصدقاء الصحافي المغربي،المختار الزياني، الذي رحل إلى دار البقاء، السبت الماضي، مخلفا حزنا بليغا في نفوسهم، لم يكونوا يدركون أن له كتابات وانشغالات أدبية، وأنه يمارسها في غفلة عنهم، إلى أن طرح ذات يوم ربيعي من سنة 2009باكورة انتاجه المعنونة ب"مراتب الغربة"،الصادرة عن منشورات وزارة الثقافة، ضمن سلسلة الكتاب الأول. ومن بين هؤلاء الكاتب والقاص المعروف إدريس الخوري الذي كتب مقدمة المجموعة القصصية،مؤكدا هو الأخر أنه لم يكن يعرف أن الزياني"يسرق"وقته المتسارع، في زحمة الأخبار والإشاعات السياسية ليخلو بنفسه، ويترك العنان لمتخيلته وذاكرته أن تأتيا إليه،مشيرا إلى أن "الاتحاد الاشتراكي"،الجريدة اليومية التي يعمل فيها تأكل وقته الضيق. وعندما قرأ الخوري هذه المجموعة القصصية بدا له أن الزياني يملك إمكانيات الحكي، متوقفا عند الفضاءات الجغرافية والبشرية التي يستلهم منها شخوصه ومواضيعه:ثمة مدينة أصيلة مسقط رأس الكاتب، وثمة المرأة والرجل،العشيق والمعشوقة، الجنس في بعده الجمالي الإيروتيكي،الهجرة السرية، الحب المستحيل االذي يغتاله المال والجاه،الطفولة الشقية، فلسطين ،النضال الطلابي السياسي. وفي هذه المجموعة القصصية،التي فاجأت الوسطين الأدبي والصحافي معا، تتوالى القصص واحدة وراء الأخرى،مثل موجة تركض وراء موجة،كل ذلك بأسلوب مكثف وغني بالدلالات والصور والإيحاءات المتدفقة بنبض الحياة اليومي. عشر قصص قصيرة وموحية،تعطي الإحساس للقارئ بأن أبطالها قريبون منه،صادفهم ذات مرة في زحمة الأيام،أو على الشاطئ ،أو في مكان ما بين تلافيف الذاكرة،أو ذات رحلة في قطار لاهث. أحيانا يصف الزياني شخصا من شخوص قصصه،فيبدو كأنه يرسم ملامح نفسه وصورته.مثال ذلك عندما تمازح إحداهن رفيقها بالقول:"إنك لاتبدو شماليا.قد تكون صحراويا أو هنديا".وهي نفس الصفات التي تنطبق عليه تماما،ولذلك فليس من المستبعد أن يكون لتجارب الذات حضور قوي في تجربته مع السرد. ولأنه من مواليد مدينة أصيلة الراقدة في شمال المغرب على شاطئ المحيط الأطلسي،فقد كان من الطبيعي أن تلتمع مفرداته بالشوق الملتهب إلى أجواء البحر وضفافه،ومينائه القديم،وأماسيه الغارقة وسط همسات العشاق عند شط الغروب،أو حسرات الصيادين،أو حشرجات الشباب الحالمين بالإبحار نحو الضفة الأخرى،سعيا وراء سراب اسمه الفردوس المنشود. إن للزياني قدرة على التقاط المفارقات اليومية،بعين ذكية،كأنها عدسة خفية متربصة باللقطة،ثم يصوغ كل ذلك،بكثير من التفاصيل، بصيغة يسودها حس الدعابة،مثل مشهد الشرطي المكلف بمراقبة السياج،وسط العاصمة،في انتظار مرور موكب رسمي نحو البرلمان،والذي يطبق "التعليمات" وفق هواه،يسمح لفتاة رشيقة مستعجلة باجتياز الطريق،حتى لايفوتها موعد السفر، ويشيعها بنظراته،مشفقا على حالها جراء التنقل اليومي بالقطار بين الرباط والبيضاء،ثم يوصد السياج في وجه رجل طلب المرور إلى مكتبه الكائن في الزقاق المقابل. وقبل رحيله المبكر والصادم معا، كان الفقيد المختار الزياني يتأهب لنشر عمل أدبي جديد، قال لي عنه ،ذات لقاء عابر في الشارع، إنه يحمل عنوان " في الطريق إلى لقاء شاكيرا"، استوحى نصه من مشاركتها الأخيرة في مهرجان " موازين"، بمدينة الرباط، وفيه يحاول البطل أن يصل إلى السهرة، لكن تحدث مفاجآت مفعمة بالتشويق تحول بينه وبين لقائها. ويبقى الأمل كبيرا في أن تبادر بعض الجهات أو المؤسسات الثقافية أو الإعلامية إلى نشر هذا العمل الأدبي، وإخراجه إلى حيز الوجود، تكريما لروح مبدعه الفقيد المختار الزياني ، رحمة الله عليه، فقد كان نعم الزميل والصديق..والإنسان.