لماذا تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في المغرب؟ الجواب بكل بساطة لأن الأوضاع الراهنة في البلاد تتطلب تشكيل حكومة قوية بصلاحيات واسعة، هي نفسها التي جسّدها الإصلاح الدستوري الذي صدّق عليه المغاربة. لا يعني ذلك أن الحكومات المتعاقبة، وتحديدا منذ تجربة التناوب عام 1998، لم تكن قوية أو غير منسجمة. لكن طبيعة تركيبتها التي حتمت قيام تحالفات بين ما لا يقل عن سبعة أو خمسة أحزاب، لضمان حيازة الغالبية النيابية، فرضت تنازلات وفاقية بين الشركاء السياسيين. وربما كان مصدر العلة في هذه التجارب أن مقاعد المعارضة ظلت فارغة إلا من اللاعب الإسلامي الذي يمثله حزب «العدالة والتنمية»، فيما أن أحزاب اليسار واليمين والوسط اصطفت جميعاً أمام عنوان الحكومة. ثمة من يرى أن أحزاب المعارضة السابقة، وتحديداً الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، كانت محقة في الانتقال من ضفة إلى أخرى بعد طول بقائها في المعارضة، غير أن التحاق أحزاب أخرى مارست الحكم، حتى في فترات التوتر السياسي، بالكوكبة الجديدة لم يكن اختياراً ضرورياً، إلا عند مقاربته بمقتضيات لعبة الغالبية والأقلية. وما من قناعة تسود هذه الأيام بأن في الإمكان تجاوز هذه المقتضيات، طالما أن أي حزب أو تكتل سياسي يستبعد حيازة غالبية مريحة في استحقاقات انتخابات تشرين الاول (أكتوبر) المقبل. تغيرت الصورة على أكثر من صعيد، ومن ذلك أن رئيس الحكومة الذي سيعين من الحزب الذي يحتل صدارة الانتخابات أصبح نفوذه السياسي والإداري يمتد في كل الاتجاهات، ولم يعد مقبولاً الجهر بالشكوى من تضارب الاختصاصات أو تكبيل القرارات أو تباين مراكز النفوذ. فالأهم في الدستور الجديد أنه أطلق يد الجهاز التنفيذي في المسائل ذات الاختصاص. كما أنه جعل المؤسسة الاشتراعية وحدها مصدر القوانين. إلى جانب هذه المعطيات، في الإمكان التأكيد أن نزوع البلاد نحو دخول نادي النظام الجهوي الذي يقترب كثيراً من تشكيل الحكومات المحلية الصغيرة، حرّر السلطة المركزية من أعباء كثيرة. فثمة قضايا وملفات تصح معالجتها بنجاعة على الصعيد المحلي، بدل انتظار التفاتة المركز، وفي مقدمها إشكالات البطالة والفقر وهشاشة البنيات الاقتصادية. هذه ليست فرضيات يمكن ربطها بتوفير الموارد فقط، ولكن تجارب دول متقدمة مثل إسبانيا وإيطاليا وألمانيا في الخيار الجهوي أبانت عن فعالية كبيرة. وربما كان المشكل قائماً في حوار المغاربة ونظرائهم الأوروبيين أن البعد المحلي في مجالات التعاون كان غائباً. فالمغرب كان يفكر بعقلية مركزية فيما أن شركاءه الأساسيين يحيلونه الى حوار من نوع آخر، إذ لم تعد روما أو مدريد أو برلين وحدها مصدر القرار. يضاف إلى هذه المعادلة أن منح المغرب وضعاً متقدماً في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، قد يخفف من أعباء كثيرة. مثل التضييق على صادراته الزراعية ومنتوجاته من الأسماك، مع إفادة المهاجرين المغاربة في الديار الأوروبية من متطلبات الارتقاء الى وضع متقدم، يزيد عن الشراكة، لكنه لا يبلغ حد الانضمام الكامل. الحكومة المقبلة بصرف النظر عن تشكيلتها ستواجه إكراهات حادة، ليس أقلها استمرار الاحتجاجات الشبابية والتظاهرات القطاعية، وهي من دون شك لا تملك عصا سحرية لتغيير الأوضاع بوتيرة أكبر. غير أن في إمكانها أن تحدد استراتيجية شاملة للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل مصدر التوتر، وهي أكثر تحرراً من القيود التي كانت تحد من نفوذ الحكومات المتعاقبة. الشارع المغربي مثل غيره في دول عربية عدة استهوته فكرة المطالبة بالرحيل، وسيكون أجدى أمام أي حكومة أن تضع في الاعتبار ترحيل مظاهر الفساد والاحتقان، لتكون ألصق بهموم الشارع الغاضب. ومن هذا المنطلق بالذات تبدو الانتخابات المقبلة مغايرة لما سبقها، كونها الفرصة الأقرب لاستيعاب موجات الغضب. لكن البداية يجب أن تصدر عن الفاعليات الحزبية في تقديم المثل. إذ ليس هناك من بديل غير تجديد النخب والأفكار، بصرف النظر عن تباين المواقع في الموالاة أو المعارضة على حد سواء.