يقر معارض ليبي بارز عاد أخيرا من بنغازي بأن حالة الأمن سيئة في المدينة. ويقول عائدون من القاهرة إن الأمن سريع العطب بعد العاشرة ليلا. ويروي زوار تونس أن ثمة فوضى محسوسة وشعورا بالخوف من الخارجين على القانون. وأسوأ مظاهر هذه الحالات، أعمال الانتقام من بعض رجال الأنظمة القديمة. وتتحدث وكالة الصحافة الفرنسية عن جثث يعثر عليها في الشوارع لرجال النظام. ذكرت مرة هنا أنه لا يكتفى فقط بمعاقبة الذين يصدرون أوامر الهمجيات؛ بل أيضا أولئك الذين يقومون بتنفيذها، أي الجلادين الصغار الذين لا حياة لهم إلا في تعذيب الآخرين وقتلهم. لكن العقاب يحكم به أهل القانون، ويصدر عن المحاكم. وأي رجل يأخذ القانون بيديه، من دون صفة أو تكليف، هو مجرم وخارج على القانون. المحاكمة حق المجرم والبريء. ومهنة القاضي المخول إصدار الأحكام وإدانة المرتكبين وتبرئة الأبرياء والأخذ بالأسباب التخفيفية، تتطلب علما وخبرة وتأهيلا، وهذه لا يمكن أن تسلم إلى فرد ثائر أو إلى زمرة غاضبة. وفي هذا لا يعود هناك فرق بين الذين نفذوا مجزرة سجن أبو سليم في بنغازي وبين الذين ينتقمون الآن من أصحاب الأقبية الجهنمية في الجماهيرية العظمى. ليس هناك أكثر من مفهوم واحد للأمن أو لغيابه، وللقانون أو لغيابه. كان لافتا دعوة الدكتور عمرو موسى إلى تأجيل الانتخابات التشريعية في مصر. وهناك دعوات مماثلة في تونس. وهذا يعني أن النظام قد انتهى، لكن الدولة لم تقم بعد، كما يعني أن القرار الموحد غير موجود. ومن المبالغة مطالبة الجيش بالحزم واتهامه بالتسلط. وواضح حتى الآن أن الجيش، بكل طيبة خاطر، يتلقى الأوامر في معظم الحالات ولا يصدرها؛ لا في مصر ولا في تونس. وفي مثل هذه الحالات من الفوضى والضياع، تقوم مناخات السيب، ويتلحف بالثورة الثوار الحقيقيون والدخلاء والمتربصون والجدعان والهلافيت. وكلما طالت هذه الحال، تعمق الضرر، وازداد تبرير العودة إلى حكم القبضة. ولا أعتقد أن هذا ما يحلم به الناس بعد عقود من حياة الخوف والرعب والتقية حيال النظام. غياب الحكومة لا يعفي الفرد من مسؤوليته الأخلاقية، وليس للجريمة وجهان أو مفهومان.. قتل المرتزقة الأفارقة في شوارع اجدابيا ومصراتة كان جريمتين: القتل نفسه والقتل دون إدانة. وعلى الثورات أن تثبت أنها تمثل القانون، بعكس أولئك الذين أطاحتهم.