لو ترك محمد أبورار يواجه مصيره وحيداً لما كان في مستطاعه أن يستعيد حياته ويقبض على زمام مستقبله من جديد، كي يعود للعيش في البلد الذي طرده من فوق ترابه، ورحّله نحو بلده الأصلي نهاية شهر كانون الثاني (يناير) الماضي. لكن هذا الشاب المغربي الذي كان يتابع دراسته في السنة الأولى من الباكالوريا المهني. مقيم مع أسرته في العاصمة الفرنسية باريس قبل خمس سنوات بدا أوفر حظاً من مواطنيه الأخوين، محمد وعبدالله الوادي اللذين صدر في حق أحدهما قرار بالطرد والترحيل، على رغم صفة «مساعد أسرة» القانونية الممنوحة له من قبل السلطات الفرنسية كونه يرعى أحد أفراد أسرته المريض بمرض عضال. (انظر ملحق شباب بتاريخ 25 كانون الثاني /يناير 2010). وبعد شهر واحد من ترحيله على متن طائرة في رحلة ذات اتجاه واحد في 23 كانون الثاني، استقبل مطار شارل ديغول في باريس مساء يوم السبت 27 فبراير (شباط) الماضي عشرات الأشخاص الذين قادوا حملة شاملة ضد عملية طرد محمد، وتعريضه للانقطاع عن الدراسة في منتصف الموسم الدراسي. وجد محمد في استقباله في المطار أقارب له وبعض أساتذته وموظفي الثانوية حيث يدرس، وزملاء الفصل ومنتخبين وحقوقيين. تعبئة مكثفة أعادت الشاب مجدداً إلى فرنسا في أقل من شهر من ترحيله، وهذه المرة بتأشيرة طويلة الأمد من المقرر أن تنتهي بمنحه الإقامة الدائمة فوق التراب الفرنسي. محمد أبورار (18 سنة)، المشهود له في ثانوية «فالمي دو كولومب» في ضواحي باريس وبين معارفه وأترابه بالانضباط والاجتهاد والتفوق في الدراسة، اعتقلته في 17 كانون الثاني دورية أمن كانت تقوم بمهمة التحقق من الهوية. ووضع تحت الحراسة النظرية، قبل أن يحال على مركز اعتقال خاص بالمهاجرين غير الشرعيين، ثم على المحكمة الإدارية التي نطقت بقرار الترحيل في 21 من الشهر نفسه. تمت الإجراءات القضائية وعملية الترحيل في «ظرف قياسي»، تعلق إحدى المدرّسات في الثانوية على ازدواجية أداء الإدارة الفرنسية، لافتة إلى أن ملف تسوية الوضعية القانونية لمحمد موضوع لدى سلطات الهجرة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، لكن الإدارة لم تعالجه بعد. «ولو فعلت طيلة الأشهر السابقة، لوفرت على الطالب محمد المحنة التي قادته إلى الاعتقال كمجرم، والطرد كشخص غير مرغوب فيه» حسبما قالت. واستنكرت شبكة «التعليم بلا حدود» التي ساندت بقوة محمد في بيان لها سياسة الهجرة الحالية التي طردت في عامين نحو 29 ألف مهاجر غير قانوني. وقالت الجمعية في بيان لها "كيف لنا أن نتصور أن الدولة الفرنسية رمت خارج حدودها شاباً منخرطاً في مسار دراسي ناجح... هل هي سياسة الأرقام تضرب مجدداً لتنجز عملية ترحيل إضافية؟". ستة أيام لم تسمح لمحمد وذويه ومدرسيه وأصدقائه باستيعاب ما حصل، لكنهم سرعان ما قرروا عمل شيء «مطالبة الدولة الفرنسية بالاعتراف بارتكابها خطأ في التقدير، وبالتالي، تصحيح الخطأ بإرجاع الطالب المرحل إلى فرنسا في أقرب الآجال ليعيش حيث اختار أن يبني حياته». وقفات احتجاجية أمام مقر عمادة المدينة، وبرنامج يضم تعليق صورة مكبرة قرب واجهة المقر وفي الشوارع الرئيسة وطلب لقاء مسؤولي وزارة الهجرة والهوية الفرنسية انتهت بقبول طلب الوفد الممثل لقضية محمد، وإعادة النظر في ملفه، ثم أخيراً الإعلان عن السماح له بالعودة إلى فرنسا لاستعادة حياته. وقاد تجمع الدفاع عن محمد والمدافعون عن حقوق الشباب الذي يدرس في وضع غير قانوني والمتحدر من أسر مهاجرة حملات مماثلة كي يستعيد طلاب آخرون، تم ترحيلهم في السنتين الأخيرتين، حق العودة إلى فرنسا ومتابعة دراستهم وحياتهم، كلل عدد منها بالنجاح. في هذا الوقت لا يزال الأخوان الوادي يقاومان قرار الترحيل، بعدما وجه محمد رسالة قوية للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يطالبه فيها بإنصاف أسرته، مهدداً بتمزيق وثيقة هويته الفرنسية (ID) أمام الملأ الشهر المقبل وخوض إضراب عن الطعام برفقة أخيه الوحيد الأكبر منه (28 سنة)، أمام قصر الإليزيه، كيلا يضطر للانقطاع عن دراسته الجامعية للتكفل بوالديه العاجزين في حال طرد أخيه، وتتعرض الأسرة لمصير محزن.