شدت عصا غليظة طولها قرابة المتر، كان يحملها رئيس جمهورية غامبيا الذي زار السعودية طوال الأسبوع الماضي قبل أن يغادرها السبت، أنظار السعوديين إليها، حيث لم تغب عنه في كل لقاءاته الرسمية مع المسؤولين السعوديين وجولاته في بعض مدن البلاد. وتبدو العصا المصنوعة من خشب طبيعي، جاذبة للأنظار ولا سيما أنها لا تفارق يدي الرئيس الغامبي البروفسور الحاج يحيى عبد العزيز جامي في كل الزيارة الرسمية التي عقد فيها لقاء مع الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، وبحثا أوجه التعاون بين البلدين وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية. شملت زيارة الرئيس الغامبي والوفد المرافق له المتحف الوطني بمركز الملك عبد العزيز التاريخي في الرياض، ولقاء الأمير الوليد بن طلال رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة، كما التقى قطاع الأعمال عبر زيارة للغرفة التجارية الصناعية بالرياض. وبعد زيارته للعاصمة السعودية الرياض، اتجه الرئيس الغامبي لزيارة المسجد النبوي الشريف للصلاة فيه والتشرف بالسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى صحابييه - رضوان الله عليهما. وربما كانت المرة الوحيدة التي فارقت «عصا القيادة» يد الرئيس الغامبي هي حينما توجه إلى الحرم المكي الشريف لأداء العمرة، إذ لم يصطحب العصا خلال أدائه مناسك العمرة والصلاة في المسجد الحرام. «الشرق الأوسط» استقصت أسرار هذه العصا، إذ أوضح عمر جبريل سالا سفير غامبيا لدى السعودية أن العصا تمثل «رمز القيادة» للأسرة التي ينتمي إليها الرئيس جامي، حيث إنه يعود إلى أسرة حاكمة لها تقاليد بينها حمل العصا (السوط) وهي دلالة على القوة والصلاحية والنفوذ والإرشاد والتوجيه. وقال سالا إن قوانين الأسرة تلزم القائد بحمل العصا طوال الوقت طلبا للنجاح والتوفيق وتجنبا للمشكلات، وفقا لمعتقدات قديمة، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لا بد أن يصاحب العصا أمران مهمان هما القرآن الكريم الذي يمثل الإيمان المطلق بالله تعالى ويعطي القوة الداخلية المطلوبة، كما لا بد أن يحيط بالعصا مجموعة من السبح مكتوب عليها أسماء الله ال99 كاملة. وأضاف سالا أن وجود المصحف والسبح يضفي دلالة النقاء والنظافة والطهر والإيمان بالله، مشددا في الوقت ذاته أن حمل العصا لا يعني معتقدا دينيا على الإطلاق وإنما يعني رمزية تقليدية بحتة. ويمثل الرئيس الغامبي ثاني رؤساء غامبيا في العصر الحديث، إذ أعقب الرئيس السابق الذي حكم لما يفوق ثلاثة عقود، ليأتي هو برؤية جديدة تعتمد على الانفتاح للعالم وربط بلاده بعلاقات مشتركة مع الجميع، بعد أن شهدت البلاد تطورات على صعيد التشريعات السياسية لديها باعتمادها على نظام الحكم الديمقراطي. الرئيس الغامبي البروفسور الحاج يحيى عبد العزيز جامي، يحمل درجة الدكتوراه، حازها من جامعة سانت ميريز في هاليفاكس من كندا بمجال القانون المدني، بينما يبرز في سيرة جامي حصوله على العديد من الجوائز والأوسمة المختلفة على المستوى الإقليمي والإسلامي والدولي. ويعد جامي القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث جاء رئيسا للجمهورية بالانتخاب، بينما شكل حزبه الخاص تحت اسم «التحالف الوطني لإعادة التوجيه والبناء»، حيث نجح في إحراز الأغلبية ليعاد انتخابه بنسبة فوز 53 في المائة في انتخابات وصفت ب«النزيهة» لخمس سنوات، وفي عام 2006 رشح جامي نفسه في الانتخابات الرئاسية للبلاد، إذ كانت مقررة أن تبدأ في شهر سبتمبر (أيلول) لكن جرى تأجيلها لشهر أكتوبر (تشرين الأول)، لتعارضها مع رمضان المبارك، وحاز خلالها على أغلبية الأصوات، كما نجح مجددا للمرة الثالثة في الانتخابات بنسبة 67.3 في المائة، ومنذ ذلك الوقت ولا يزال رئيسا للبلاد. ويبرز في سيرة الرئيس الغامبي أيضا اهتماماته غير السياسية حيث يمتلك جامي كما هائلا من المهارات والمعرفة الواسعة في التداوي بالأعشاب خاصة ما يخص معالجة الربو والصرع، بينما تضم قائمة هواياته عشق لعب كرة القدم والتنس والصيد في الغابات والمراسلة وقيادة الدراجة ومشاهدة التلفزيون وتربية الحيوانات ومتابعة الأحداث الدولية. الدكتور جامي مولود في 25 مايو (أيار) عام 1965 في قرية تدعى «كانيليا» بمنطقة فوني كانسالا في الضفة الغربية من غامبيا، وهو متزوج من السيدة زينب يحيى جامي، وله منها ولد وبنت. وتعد جمهورية غامبيا، إحدى أصغر الدول ليس على مستوى الغرب الأفريقي فقط، بل حتى على مستوى العالم، فهي أصغر دولة في البر الرئيس لقارة أفريقيا ويحدها من الشمال والشرق والجنوب السنغال، ويخترقها نهر غامبيا الذي يصب في المحيط الأطلسي الذي يحد البلاد من الغرب، بينما تمتد حدودها عشرة كيلومترات على جانبي نهر غامبيا الذي يقسم البلاد إلى خمسة أقسام ومدينة واحدة، حيث أنشئت هذه الأقسام بواسطة اللجنة الانتخابية المستقلة وفقا للمادة 192 من الدستور الوطني.