أغلقت السلطات الأمنية الموريتانية أمس جمعيات خيرية ومراكز صحية وتعليمية محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا. وأغلقت المصالح الأمنية الخاصة أمس جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم وهي جمعية خيرية ذات إمكانيات واسعة، يرأسها الشيخ محمد الحسن ولد الددو الأب الروحي لإسلاميي موريتانيا، كما أغلق الأمن مركز النور الصحي ومركز بوحديده لتعليم النساء. وتدوولت أمس معلومات شبه مؤكدة مفادها أن الحكومة الموريتانية بدأت تنفيذ مقاربة أمنية من حلقات عدة ، تستهدف تصفية جماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا ذات القوة التنظيمية الكبيرة وذات الحضور السياسي القوي الذي يشمل ستة عشر نائبا في البرلمان و500 مستشار بلدي وعدد كبير من العمد بينهم عمدتان لبلديتين في المجموعة الحضرية للعاصمة نواكشوط. وتؤكد المصادر ‘أن المقاربة الأمنية التي مهد لها وزراء في مؤتمرات صحافية، ستشمل عما قريب حل حزب التجمع الوطني للإصلاح ‘تواصل'، وهو الحزب الذي ينتظم فيه الإخوان، كما قد تشمل مجموعة من قيادييهم لتحميلهم المسؤولية عن الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في الأيام الأخيرة في موريتانيا، إثر حادثة تمزيق نسخ من المصحف الشريف، وهي الاحتجاجات التي أحرجت السلطات بما أسفرت عنه من إصابات وتدمير للممتلكات العامة والخاصة. ويتوقع المراقبون سحب الترخيص الممنوح لقناة ‘المرابطون' المحسوبة على الإخوان والتي اتهمت بالتحريض الإعلامي وتهديد الأمن خلال التظاهرات الأخيرة. وكانت وزارة الداخلية الموريتانية قد رفضت الترخيص لمهرجان كان حزب التجمع الوطني للإصلاح ‘تواصل' (الإسلاميون) ينوي تنظيمه مساء الخميس للتنديد بحادثة تمزيق المصحف. ووجهت أوساط مقربة من الحكومة أصابع الاتهام لإسلاميي موريتانيا ‘باستغلال التظاهرات واتخاذها مطية لتحقيق مآربهم والمساس بأمن البلاد وسكينتها واستقرارها'. ووجهت لإسلاميي موريتانيا انتقادات شديدة ضمنية، غير مباشرة، لكنها مفهومة من أوساط مقربة من السلطة بينها علماء وإعلاميون وسياسيون، وذلك في برامج بثها التلفزيون العمومي، حمل فيها المشاركون تنظيم الإخوان المسؤولية عن ركوب موجة الاحتجاجات الأخيرة. ونفى محمد جميل منصور رئيس حزب التجمع هذه التهم جملة وتفصيلا في مقابلة مع قناة ‘المرابطون' المقربة من الإخوان والتي نظمت أمام مقرها ظهر الخميس وقفة احتجاج على ما قيل إنه ‘تغطيتها التحريضية للاحتجاجات'. ومما استخدمه خصوم الإسلاميين في هذه التطورات، إعلان ولد منصور أن الشاب الذي توفي في التظاهرات ينتمي هو ووسطه العائلي لحزب التجمع. وضمن ردود الفعل شن نائب رئيس حزب ‘تواصل' محمد غلام ولد الحاج الشيخ هجوما قويا على نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، محذرا من الاستمرار، فيما سماه، ‘استهداف التيار الإسلامي بموريتانيا'. وقال ولد الحاج الشيخ في تجمع جماهيري لحزبهالجمعة'إن فقهاء السلطة ينقضون مبدأ الدولة الحديثة بقولهم إن دم كل من يخرج للتظاهر، دم مهدور'. وخاطب ولد الحاج الشيخ الحكومة الموريتانية قائلا ‘ابحثوا عما يخطط لنا ولكم من جهات مجهولة وتوقفوا عن استهداف الإسلاميين، نحن في ‘تواصل' لسنا ممن يشتغل تحت الطاولة أو ممن يعبث بالأمن والسكينة'. وحذر ولد الحاج الشيخ من سماهم ‘سفهاء السلطة المتحدثون في وسائل الإعلام'، ‘من الاستمرار في توجيه التهم للإسلاميين من دون أدلة'. وحول تطورات التحقيق في حادثة التمزيق، أكد سيدي محمد ولد محم وزير الاتصال الموريتاني على ‘أن السلطات العمومية لا تملك أى دليل على وجود قصد جنائي بتمزيق المصحف الشريف'، مبرزا ‘أن الرواية المتداولة بحضور أشخاص يستقلون سيارة ذات دفع رباعي ودخولهم المسجد وتمزيق المصحف، مروية عن صبى لم يتجاوز السابعة من العمر'. وأوضح الوزير الموريتاني في تعليقه الأسبوعي على اجتماع مجلس الوزراء ‘أن التحقيق القضائي لا يزال جاريا لاستيضاح الصورة' ،مشيرا فى هذا الصدد الى ‘أن الحكومة لن تقبل المساس بأمن المواطن وأن الأمن مقدم على الحرية في حال تعارضهما'. واتهم الوزير ‘بعض الأطراف السياسية باستخدام وسائل إعلامها للترويج لأساليب غريبة على المجتمع الموريتاني'. وأضاف ‘أن هذه الأطراف مرت بأساليب عديدة كدعوات الترحيل وتجارب الخيبات فى المسار السياسي وستفشل فى هذه المحاولة لأن الرئيس دشن فى اليوم السابق للأحداث الإخيرة، قناة المحظرة التي هي النسخة المرئية من إذاعة القرآن وقام بالعديد من الانجازات لخدمة القرآن والدين الحنيف'. ونفى الوزير الموريتاني أن تكون الأجهزة الأمنية الموريتانية استخدمت الرصاص ضد المشاركين في التظاهرات الأخيرة'، مؤكدا أن ‘الأجهزة الأمنية لم تزد على استخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، وهذه القنابل تستخدم في مواجهة الاحتجاجات في كل مكان من العالم'. ذكر أن حركة الإخوان المسلمين المؤسسة على فكر العالم المصري سيد قطب، دخلت إلى موريتانيا منتصف سبعينيات القرن الماضي على يد طلاب درسوا في مصر وفي العربية السعودية.. والتزم تنظيم الإخوان في موريتانيا العمل السري منذ 1975 إلى 1991 حيث خرج نشطاؤه للعلن مع بدء دخول نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في تعددية سياسية وخروجه من النظام العسكري. وحاول الإخوان عام 1994، تأسيس حزب سياسي سموه تاريخئذ ‘حزب الأمة' غير أن نظام العقيد ولد الطايع وقف دون ذلك فاضطر الإخوان لممارسة العمل السياسي من داخل الأحزاب المعترف بها.. ثم أسسوا عام 2001 مجموعة الإصلاحيين الوسطيين التي قدمت نفسها للرأي العام على أنها ‘مجموعة معتدلة في فكرها وسطية في رؤاها بعيدة عن العنف مؤمنة بالديموقراطية'، ولم يشفع كل ذلك لها. وجددت الجماعة مساعي الحصول على الاعتراف بحزبها بعد سقوط نظام ولد الطايع في انقلاب عام 2005، غير أن المجلس العسكري الذي حكم بعده رفض ذلك. وحصلت الجماعة عام 2007 في ظل حكم الرئيس الأسبق سيدي ولد الشيخ عبد الله على الاعتراف السياسي بحزبها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية. وحقق هذا الحزب قفزات نوعية في التمدد على الساحة الموريتانية كما أثبت ذلك مؤتمره الثاني المنعقد عام 2012 وكما أكدته نتائج الانتخابات البلدية والنيابية التي نظمت أواخر السنة الماضية.