بعد مرور عقد من الزمن على إطلاق حملات التوعية على يد الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، مازال ختان الإناث يمارس في موريتانيا، تارة بسبب التقاليد وتارة أخرى باسم الدين رغم أن معظم فقهاء هذا العصر ينكرون فرضيته. "كنت في السادسة من عمري ... مشهد لا يمكن أن أنساه أبدا. إنه مشهد تعرضي للختان بعنف شديد على يد أربع نسوة قمن بشدي بقوة ليفسحن المجال لإحداهن كي تقوم بالقطع بشفرة حادة، ثم غرزت إبرة فتدفقت دمائي كشلال قوي وصرخت على إثرها من شدة الألم". هذا ما عايشته السيدة الموريتانية يغر سوماري في طفولتها، وهو أمر عايشته نساء كثر في موريتانيا. تركت تلك التجربة أثرا فظيعا تحول إلى دافع عظيم يحثها على العمل للتصدي لظاهرة ختان الإناث وتوعية بنات جلدتها. سوماري، التي تنشط اليوم بمنصب الأمينة العامة لمنظمة "آكسيون" والناشطة في مجال محاربة ختان البنات، تنحدر من إحدى أكثر القوميات الإفريقية تمسكا بعادة ختان الإناث في موريتانيا وهي "السوننكي"، التى تنتشر خصوصا في ولايتي "غيدي ماغا" و"غورغول" جنوبموريتانيا. معاناة مزمنة معاناة سوماري لم تقتصر على فترة طفولتها، بل بقيت مستمرة حتى الآن، وتشرح ذلك في حوار مع DWعربية: "آثار تلك الحادثة البشعة سببت لي صعوبة كبيرة في الولادة مما اضطرني للسفر إلى فرنسا لإنقاذ حياتي وحياة ابني، لأني لو بقيت في مدينة نائية لكنت تعرضت للموت كما يحدث للكثيرات في مجتمعي، لكني وإن كنت لم أتعرض لمشاكل نفسية مزمنة عكس كثيرات، فإن منظر الشفرة الحادة بات يثير فزعي كما لو أنها كانت تنغرز في قلبي". ولعل ما يقافم من انتشار هذه الظاهرة هي نظرة المجتمع؛ فالنسوة اللاتي يخضعن للختان يتمتعن بتقدير كبير لدى المجتمع السوننكي الموريتاني، "على اعتبار أنهن يقدمن خدمة للمجتمع بتطهير البنت من النجس′′، كما تشرح سوماري. الإحصائيات التي تقدمها منظمة "أكسيون" تبدو صادمة جدا. في السنوات الأخيرة "وصلت نسبة انتشار ختان الإناث إلى 70 % خلال عام 2011 في ولاية غيدي ماغا عموما، لكن النسبة ترتفع في مجتمع السوننكي لتصل إلى 98 %، أما في ولاية غوركول حيث تتعايش قومية السوننكي مع قومية البولار وصلت النسبة إلى 97 %، مع تسجيل بعض الحالات في أوساط مجتمع البيضان (العرب)"، وفقا للناشطة يغر سوماري. نشاط منظمتها، الذي قامت به على مستوى 11 بلدية بالتنسيق مع بعض النساء ورجال الدين، أدى إلى تراجع طفيف في انتشار الظاهرة ولكنه تراجع غير كافٍ أبدا. "ضرورة تطهير البنت" وإذا كان الجهل يقف بشكل قوي خلف استمرار ظاهرة ختان البنات في موريتانيا فإنه يتداخل مع المعتقدات الدينية والعادات المتأصلة في نفوس المواطنين، وهي مسائل تصعب مواجهتها في مجتمع يتحكم الدين في ممارساته بشكل قوي جدا. ولهذا تلخص سوماري تلك الأسباب في النقاط التالية "أولها اعتقاد الناس أن الدين الاسلامي يوصي بختان البنت قبل عمر 6 سنوات لتطهيرها حتى تكون مؤهلة لممارسة الشعائر الإسلامية كالصوم والصلاة. والسبب الثاني هو اعتقادهم في قدرة الختان على وقاية البنت من العقم وبقية الأمراض الخطيرة. وأخيرا تأهيلها للزواج، فالختان، باعتقادهم، يحد من الشهوة الجنسية، ما يساعد على حصانتها إذا غاب زوجها لفترة طويلة". ولعل اللافت أن معظم الإناث المنحدرات من قومية السوننكي يتعرضن للختان، حتى وإن كانت أسرهن مقيمة في الدول الأوروبية كفرنسا مثلا، رغم تعرض ذوي الفتاة لعقوبات رادعة في حال إخضاعها للختان. ممارسات أخرى خطيرة نشطاء ومنظمات اجتماعية تحذر من ممارسات أخرى تتداخل مع ختان الإناث، مثل عادة "القفل". وهي طريقة تلجأ إليها بعض الأسر لسد فتحة الجهاز التناسلي والبولي للبنت في مرحلة مبكرة من العمر وترك منفذ ضيق لمجرى البول فقط، حسب ما تشرح الخبيرة الاجتماعية زينب منت الطالب موسى، رئيسة الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل. وتقول منت الطالب موسى لDW إن هذه العادة توجد "في مختلف جهات موريتانيا رغم غياب إحصائيات دقيقة حول وجودها". وترى أن "عادتي ختان البنت واستخدام القفل لا ترتبطان بالضرورة بالأمية، بل إن من يمارسونها يعتقدون أنها مطلب شرعي تقتضيه المصلحة الاجتماعية والأخلاقية وهذا هو السبب في عدم استجابة البعض لحملات التوعية التي تقوم بها الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما بات يستدعي من الأطباء ورجال الدين التحرك أكثر لتبيان مخاطر الظاهرة على صحة الفتيات". ونبهت الخبيرة الاجتماعية إلى أن الخطاب الديني المناهض للظاهرة لم يشمل حتى الآن كل الأوساط الاجتماعية وهذا بات "أمرا ضروريا كمقدمة لفرض تطبيق القوانين الرادعة لاحقا". الفقه يسير على خطى الطب لكن الفقيه حدمين ولد السالك، أحد أبرز رجال الدين الإسلامي الذين أصدروا فتوى ضد الختان قبل سنوات قليلة، يؤكد بأن تلك العادة لا تجوز في العصر الحالي من وجهة النظر الشرعية استنادا الى نتائج العديد من المؤتمرات العالمية التي نظمتها منظمة الصحة العالمية بحضور العديد من علماء الدين والأطباء، رغم أن المنظمة تحفظت على تجريم من كان يمارس تلك العادة في السابق. "الجانب الديني يتبع لرأي الجانب الطبي عادة وبالتالي فإن كل ما يؤكد الطب ضرره على صحة الإنسان يلتزم الفقه بتحريمه، لأن الله يكرم الإنسان ولا يوجب عليه ما يضره في حياته"، كما يقول ولد السالك لDWعربية. ولذا فظاهرة الختان التي "ثبت تسببها في الكثير من حالات الوفيات والإعاقة تعتبر من هذا المنظور محرمة". وأشار الفقيه ولد السالك إلى أن الختان الذي كان يمارس على نطاق واسع لدى الأمم بما في ذلك في تاريخ الإسلام "لم يكن إجباريا على الإطلاق، مما يعنى أن تركه لم يكن يستوجب العقوبة في الشريعة الإسلامية".