يثير "الانقلاب التلفزيوني" للواء خليفة حفتر في ليبيا تساؤلات عدة حول مستقبل الوضع السياسي في بلد تحكمه الميليشيات وسط سخط شعبي كبير على أداء المؤتمر الوطني (أعلى سلطة في البلاد) الذي فشل حتى الآن بوضع خارطة طريق واضحة تقود البلاد نحو الاستقرار والديمقراطية. ويرى بعض المراقبين أن خطوة حفتر تعتبر رد فعل طبيعي على الفراغ السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد، مشيرا إلى أن هذا الأمر قد يفتح الباب أمام انقلابات عسكرية حقيقية شبيهة بانقلاب معمر القذافي الذي قوض حكم الملكية في أيلول/سبتمبر عام 1969. وكان اللواء خليفة حفتر (القائد السابق للقوات البرية الليبية) أعلن في بيان تلفزيوني قبل أيام تجميد عمل المؤتمر الوطني والحكومة الليبية والإعلان الدستوري، لكن رئيس الوزراء الليبي علي زيدان نفى وقوع انقلاب في البلاد، وأكد أن الحكومة والمؤتمر الوطني يواصلان عملهما بشكل طبيعي، مشيرا إلى أنه أصدر أوامر لوزارة الدفاع بملاحقة حفتر. وترى الباحثة فدوى صالح بويصير أن حفتر لم يحاول القيام بانقلاب، بل أراد أن يأخذ ‘تفويضا من الشعب لمواجهة الارهابين الذى يغتالون الجيش والشرطة والنشطاء والاعلاميين'، مستغربة الخلاف الحاصل بينه وبين زيدان ‘رغم أنهما كانا معا في جبهة الإنقاذ (التي تأسست في 1980 من قبل معارضين لحكم القذافي)'. وتضيف ل'القدس العربي': ‘ليبيا الآن تتخبط في دوامة كبيرة، ولا اعتقد ان القضاء على الاغتيالات الحالية ممكن ان يتم بالسياسة، بل لابد من قوة عسكرية تحمى الناس وتنهى مسلسل الاغتيالات وتعيد الأمن للبلاد, لكن بالمقابل هناك من يخشى من استبدال الديكتاتورية الدينية الحالية بديكتاتورية عسكرية (جديدة)'. وكان رئيس المؤتمر الوطني (البرلمان) الليبي نوري ابو سهمين أكد الاثنين أنه سيدعو للانتخابات ‘في أسرع وقت'، في محاولة لتهدئة المواطنين الليبيين الغاضبين من حالة الفوضى السياسية التي تعيشها البلاد بعد حوالى ثلاث سنوات من سقوط حكم معمر القذافي. وأضاف في كلمة بثها التلفزيون في الذكرى الثالثة للانتفاضة التي أطاحت بالقذافي أنه سيتم إقرار قانون الانتخابات بحلول نهاية مارس/ آذار، لكنه لم يقدم جدولا زمنيا محددا. وتأتي تصريحات أبو سهمين بعد قرار البرلمان العدول عن تمديد ولايته (التي كان يفترض ان تنتهي في السابع من شباط/فبراير الحالي) تحت ضغط شعبي كبير يرى أن الصراعات الداخلية في المؤتمر الوطني هي المسؤولة عن عدم إحراز تقدم في عملية الانتقال الديمقراطي بعد الإطاحة بالقذافي عام 2011. ويرى الباحث عبدالله مليطان أن تجربة حكم القذافي لن تتكرر في ليبيا، مشيرا إلى أن ‘الشعب الليبي أصبح يدرك ألاعيب العسكر وتسترهم خلف البيانات والخطب الرنانة'. ويضيف: ‘زمن العسكر انتهى في ليبيا، ولن يجرؤ أحد على محاولة القيام بانقلاب جديد لأن الجيش الليبي لن يكون ولاؤه إلا للوطن والدستور ولن يأتمر بأمر فرد مهما كانت رتبته أو مركزه أو موقعه إلا حين يكون هناك اعتداء على الوطن'. وكان رئيس المؤتمر الوطني العام أكد قبل أيام ان ليبيا ستنتخب في 20 شباط/ فبرايرجمعية تأسيسية لوضع مسودة دستور لدفع البلاد نحو الديمقراطية التي تأخر نضوجها في البلاد. ويعتقد السياسيون الليبيون أن كتابة دستور للبلاد يمكن أن تخفف من حدة التدهور الامني في ظل وجود ميليشيات لا تعترف أساسا بالسلطة الحاكمة، فيما يرى بعض المتفائلين أن الفوضى الأمنية الحالية مؤقتة، مشيرين إلى أن بناء دولة المؤسسات والقانون سيتم في النهاية ‘وإن تأخر لعدة سنوات'. وتقول بويصير ‘اذا خرج لدينا (في ليبيا) افضل دستور في العالم وليس لديك الالية الملزمة لتطبيقه، سيصبح لا معنى له'، مشيرة إلى أنه لا يمكن مقارنة الوضع في ليبيا بجيرانها ‘فالمؤسسة العسكرية القوية بمصر دعمت رغبة الشعب، أما الشعب التونسي الواعي فنجح في منع التدخل الخارجي وصياغة دستور وطني توافقي'. ويبدو مليطان متفائلا بالوضع الليبي الحالي، حيث يرى أنه ‘من الطبيعي أن تعيش الثورات الكبيرة التي بحجم ثورة فبراير حالة من التوتر لبضع سنين'. ويضيف ‘ثق أن العالم سيُذهل حين يرى ليبيا الجديدة وقد اسدلت الستار نهائيا عن الحقب العجاف لترتدي حلتها الجديدة وترتاد فضاءات البناء والاعمار بدستور جديد يؤسس لدولة القانون والمؤسسات'. يذكر أن بعض وسائل الإعلام تداول معلومات غير مؤكدة عن هروب اللواء خليفة حفتر إلى تونس خشية ملاحقته قانونيا ومحاولة اعتقاله من قبل السلطات الليبية، وامتنعت الحكومة التونسية عن التعليق على الأمر، فيما أكدت وزارة الدفاع التونسية أن الأوضاع مستقرة على الحدود مع جارتها، مشيرة إلى أن قوات الأمن منتشرة هناك تلافيا لأية اضطرابات محتملة.