وصلت الأزمة السياسية في ليبيا إلى ذروتها، أمس، وكشف مصدر ليبي رفيع المستوى ل«الشرق الأوسط» النقاب عن أن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) رفض أمس مناقشة طلب رسمي تقدم به علي زيدان، رئيس الحكومة الانتقالية، لإجراء تعديل وزاري على حكومته التي تشكلت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في حين شن الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني هجوما حادا على حكومة زيدان واتهمها بالفساد، مهددا بإجراء تحقيق رسمي في مخالفات، وتقديم نتائجه للشعب. وقال المصدر، وهو وزير في حكومة زيدان طلب حجب تعريفه، إن المؤتمر الذي انعقد أمس، للمرة الأولى عقب المظاهرات الحاشدة التي شهدتها عدة مدن ليبية يوم الجمعة الماضي لرفض قرار المؤتمر تمديد ولايته القانونية التي انتهت في السابع من الشهر الحالي، رفض من حيث المبدأ مناقشة الاقتراح الذي تقدم به زيدان لإجراء تعديل وزاري يشمل ثماني وزارات، بينها الداخلية والإعلام والمالية والمرافق والنفط. ويري مراقبون أن هذا الرفض يعكس تأزم العلاقات بين زيدان والمؤتمر الذي يسعى بعض أعضائه للإطاحة برئيس الوزراء من منصبه، بسبب اعتراضهم على أداء حكومته طيلة الفترة الماضية. وأكد المصدر رفيع المستوى، أن «هذه ليست حكومة زيدان، إنها الحكومة التي حظيت بثقة المؤتمر الوطني. وهو وحده صاحب الحق في تعديلها أو إقالة أي مسؤول فيها، بما في ذلك زيدان نفسه رئيس الوزراء». وتابع: «الآن العلاقات بين الحكومة والمؤتمر الوطني باتت متأزمة بالفعل، ويمكن القول إنها دخلت مرحلة تكسير العظام.. فعدد كبير من أعضاء المؤتمر لن يسمحوا لزيدان بإجراء أي تعديل وزاري ولن يصوتوا لصالح تمرير أي طلب يتقدم به أو وزراء يرشحهم». وتقدم زيدان بطلب رسمي أمس إلى المؤتمر، الذي يعد أعلى سلطة سياسية ودستورية في البلاد، باعتماد بعض التعديلات حكومته وتعيين وزراء جدد، هم مراجع غيث للمالية، ومحمود عجاج للمرافق، وفتحي العبار للنفط، والعميد صالح مازق للداخلية، ومحمود عجاج للإسكان، وإبراهيم شركس للشباب والرياضة، ومحمد نوح للاقتصاد، ومحمد البشير للحكم المحلي. وذلك إضافة إلى ضم وزارة الإعلام للثقافة التي يتولاها الحبيب الأمين. ويرى محللون، أن «زيدان كان يحاول من خلال هذا التعديل تعويض النقص الذي تعاني منه حكومته بعدما سحب حزب العدالة والبناء (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) وزراءه في الحكومة»، فيما يعده مراقبون بمثابة طلاق رسمي بين حكومة زيدان وجماعة الإخوان. ونجا زيدان من عدة محاولات لإقالته من منصبه خلال الشهور الماضية بسبب عدم قدرة معارضيه على توفير 120 عضوا يمثلون طبقا للائحة عمل المؤتمر النصاب القانوني المطلوب لإقالة أو عزل رئيس الحكومة. ولجأ المؤتمر الوطني في سلوك نادر إلى مناشدة أعضائه عبر موقعه الإلكتروني الالتزام بالحضور والمشاركة في جلسة أمس، لكنه لم يوضح مبررات لجوئه إلى هذا الطلب بشكل علني على هذا النحو. في المقابل، قال المصدر الوزاري الرفيع، إن «هناك تحركا جيدا لإقالة زيدان»، مشيرا إلى أن المساعي ما زالت قائمة لحجب الثقة عنه تمهيدا للإطاحة به من منصبه. وأضاف أن «المسألة مسألة وقت فقط، المؤتمر الوطني عليه أن يتماسك خلال اليومين المقبلين في مواجهة عاصفة الاحتجاجات الشعبية ضد قرار تمديد ولايته، إذا نجح في ذلك فسيجري التوافق على إقالة زيدان في أقرب وقت ممكن». وكشف الوزير النقاب عن وجود مشكلات وصفها بأنها «ضخمة وكبيرة» في حكومة زيدان، الذي اتهمه بأنه «يتخذ القرارات بنفسه نيابة عن وزراء حكومته، ولا يستشيرهم في معظم قراراته». وأضاف أن «هناك وزيرا أو اثنين فقط يحظيان باهتمام زيدان.. أما البقية فهم مهمشون تماما من دون أي سبب حقيقي أو معلن». وقال الوزير ل«الشرق الأوسط»، إن «هذه معركة مفتوحة من سيصمد فيها سيفوز في نهاية المطاف. مع الأسف الطريق إلى الحوار بات ملغما بين الحكومة والمؤتمر، ولا بد أن يرحل أحدهما». وفى تطور يعكس حجم الأزمة بين المؤتمر والحكومة الانتقالية، اتهم عمر حميدان، الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني، حكومة زيدان بالفساد وبخلق ما وصفه ب«الفزاعات». وقال حميدان في تصريحات غير معتادة له عقب الجلسة الصباحية للمؤتمر، إن «الشعب مغيب عما تعمله الحكومة، فهناك فساد كبير، ولتغطية هذا الفساد خلقت هذه الفزاعات»، لافتا إلى أن لجنة الداخلية بالمؤتمر ستقدم تقريرا في هذا الشأن، وسيجري التحقيق فيه لإظهار الحقائق وسيرى الشعب هذه الحقائق. وقال حميدان، إن «المؤتمر سيناقش ويدرس التعديل الذي طلبه زيدان مع الكتل بالمؤتمر»، مشيرا إلى أن المؤتمر ناقش واستعرض الحراك السياسي السلمي في الشارع الليبي، وعدد من الموضوعات منها استقالات بعض الأعضاء. من جانبه، قال إبراهيم أبو عالة، رئيس لجنة الداخلية بالمؤتمر: «لسنا حريصين على البقاء في المؤتمر، ولكننا حريصون على أن يتسلم منا جسما شرعيا ليخرج البلاد من النفق الذي نحن فيه، نحن فعلا لم نكمل الاستحقاقات، ولكن الآن مقبلون على انتخاب لجنة الستين. والأمور على ما يرام. ونوضح للشعب الليبي أنه إذا توصلنا إلى جسم شرعي ليتسلم منا، نحن على استعداد تام ولسنا متشبثين بالكراسي». من جهته، دافع نورى أبو سهمين، رئيس المؤتمر الوطني، عن زيارته الأخيرة إلى تونس في نفس اليوم الذي تظاهر فيه آلاف الليبيين في عدة مدن ليبية لإعلان رفضهم لتمديد المؤتمر لفترة ولايته الرسمية حتى نهاية العام الحالي. وقال أبو سهمين، في تصريح بثه الموقع الإلكتروني للمؤتمر: «رأيت أنه من باب الكرم، والجميل أن أحضر هذه المناسبة (الاحتفال بالدستور التونسي)، وفي نفس الوقت نعطي رسالة بأننا في أمن وأمان، رغم الحراك السياسي الذي نرتضيه ونقتنع بأنه وجهة نظر تمثل شريحة أو شرائح من المجتمع الليبي. فحتى لا تبقى النظرة مشوشة لدى الغير، رأيت أن أكون موجودا هناك لكي أوضح هذه الملامح». وتعليقا على ما تردد عن استقالة عدد من أعضاء المؤتمر تأييدا للمظاهرات الرافضة لتمديد ولايته، أوضح أبو سهمين، أن «آلية الاستقالة حددها النظام الداخلي للمؤتمر.. ومنذ أن تقدم الاستقالة لرئاسة المؤتمر نحاول أن نعرف الأسباب، لقد تكون وليدة ضغط نفسي أو غضب أو سوء تقدير، فنحاول مع الأعضاء أن نتناول موضوع الاستقالة بهدوء. فإذا رأينا ملامح الجدية لدى العضو وإصراره على الاستقالة، فتقدم داخل قاعة جلسة المؤتمر وتجري تلاوة هذه الاستقالة، وبمجرد تلاوتها تعد مقبولة ولا تحتاج إلى تصويت». من جهة أخرى، أدان المجلس الأعلى للقضاء ما سماه «الانتهاكات الجسيمة الصارخة» التي تستهدف تعطيل مرفق العدالة، من خلال تعريض أعضاء السلطة القضائية للقتل والاغتيالات من بعض الأفراد والتشكيلات المسلحة. وردا على ما وصفه بتزايد حلقات مسلسل الاغتيالات لأعضاء الهيئات القضائية في عدة مناطق، وآخرها اغتيال عبد العزيز عبد الحميد الحصادي المستشار بالمحكمة العليا والنائب العام السابق أمام منزله بمسقط رأسه في مدينة درنة، أكد المجلس على المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وحماية أعضاء السلطة القضائية وموظفيها ومقارها وأحكامها وأوامرها وتدابيرها. وحث المجلس في بيان بثته وكالة الأنباء المحلية، النائب العام على موافاته بما اتخذ بشأن الاعتداءات السابقة، والشروع في اتخاذ إجراءات تحريك الدعوى العمومية ضد السلطتين التشريعية والتنفيذية، عن شبهة الإهمال والتقصير في أداء العمل. كما أعرب المجلس عن تصميم الهيئات القضائية على الاضطلاع بمهامها، مشيرا إلى أنه سبق وأن أصدر عدة بيانات تضمنت استيائه وإدانته للاعتداءات التي طالت أعضاء الهيئات القضائية وموظفيها ومقارها وأحكامها وأوامرها وتدابيرها، دونما اهتمام من الجهات المعنية بتوفير الحماية اللازمة المطلوبة لسير العملية القضائية.