منعت السلطات المغربية مظاهرة كان يعتزم عدد من القضاة تنظيمها أمس أمام مقر وزارة العدل والحريات في العاصمة الرباط، مرتدين بدلهم المهنية. وأغلقت عناصر الأمن جميع المنافذ المؤدية إلى الوزارة. واستندت السلطات الإدارية المحلية في إصدار هذا القرار على بيان لوزارة العدل والحريات يقضي بمنع تظاهر القضاة ببدل الجلسات لكونها مخالفة للقانون. في غضون ذلك، أعلنت جمعية نادي قضاة المغرب التي دعت إلى هذه الوقفة الاحتجاجية للضغط من أجل تنفيذ عدد من مطالبها، أنها تعتزم إخبار مختلف الهيئات الحقوقية الدولية والاتحاد العالمي للقضاة بهذا المنع غير القانوني، الذي لا يخدم مصلحة المغرب، من وجهة نظرها. ونظم أعضاء الجمعية أمس وقفة احتجاج رمزية داخل المركب الاجتماعي للقضاة في الرباط. وكان مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات المغربي، قد استبق المظاهرة التي قرر أعضاء جمعية نادي القضاة تنظيمها أمام مقر وزارته، ووجه انتقادات لاذعة لهم. وقال في لقاء صحافي إن تظاهر القضاة ببدلهم المهنية في الشارع يعد «إهانة للقضاء ومسا بهيبته ووقاره»، مؤكدا أن الوزارة لم تغلق باب الحوار، بيد أن أعضاء الجمعية يرفضون الحوار، ويفضلون اللجوء إلى الشارع و«كأنهم فئة ضعيفة في حين أنهم يمثلون سلطة مستقلة ورئيسهم هو الملك محمد السادس» باعتباره رئيس المجلس الأعلى للقضاء. ونددت جمعية القضاة بهذا المنع وعدَّته «غير قانوني ولا دستوري»، بل «انتكاسة حقيقية لممارسة الحريات الأساسية للقضاة وفق ما تضمنه مختلف المواثيق والإعلانات الدولية». وطالبت الجمعية «جميع هيئات المجتمع المدني والحقوقي والبرلمان والمجلس الأعلى للقضاء بتحمل مسؤولياتهم التاريخية لضمان حق القضاة في ممارسة حقوقهم الدستورية، وتأسيس سلطة قضائية مستقلة وقوية ونزيهة قادرة على حماية حقوق المواطنين وحرياتهم». وقال عبد اللطيف طهار، عضو المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب، ورئيس لجنة الأخلاقيات والقيم القضائية، ل«الشرق الأوسط» إن القضاة أولى باحترام القانون، لذلك امتثلوا لقرار منع مظاهرتهم رغم أنها غير دستورية، ولم يبلغوا بالقرار إلا صباح أمس، مشيرا إلى أن نحو ألف قاض شاركوا في الوقفة الرمزية. وأضاف طهار أن وزير العدل استند على مبررات واهية لمنع المظاهرة، وهي أن القانون يمنع القضاة ارتداء بدلهم المهنية خارج الجلسات، في حين أنه لا يوجد نص قانوني يشير إلى ذلك، بل ما هو منصوص عليه بهذا الشأن هو أنه يمنع على القاضي حضور الجلسات من دون بدلة. وأوضح طهار أن الوقفة الاحتجاجية جاءت في إطار الفصل 111 من الدستور الذي خول للقضاة الحق في التعبير، وهي تأتي أيضا في إطار الدفاع عن استقلال السلطة القضائية التي هي «ليست امتيازا للقاضي بل حق من حقوق المواطن»، وقال إن النادي سيلجأ إلى القضاء للحسم فيما إذا كان قرار المنع دستوريا أم لا. وتطالب جمعية نادي القضاة ب«إقرار قوانين تنظيمية ضامنة لاستقلال حقيقي وفعلي للسلطة القضائية»، في إشارة القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والنظام الأساسي للقضاة، اللذين أعدتهما الحكومة ولم تجر المصادقة عليهما بعد، كما تطالب بتخصيص تعويضات ومنافع منصفة وملائمة لمكانة القضاة، مع النص على ضرورة مراجعتها دوريا، بالإضافة إلى إيقاف البت في جميع المتابعات التأديبية، إلى حين تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتكريس حرية القضاة في التعبير، ورفع كل القيود عنها. من جهته، يرى وزير العدل المغربي أن الزيادات التي تقررت أخيرا في رواتب القضاة لم «تحدث في التاريخ من قبل»، وهي في مستوى الرواتب التي يتقاضاها القضاة في عدد من الدول الأوروبية، بيد أن نادي القضاة استبخسها ويطالب بنظام رواتب استثنائي يتنافى مع نظام الرواتب المطبق في البلاد. وفي السياق ذاته، أعلنت جمعية هيئات المحامين بالمغرب والنقابة الديمقراطية للعدل تضامنهما مع نادي القضاة «من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة المادية منها والمعنوية، وفي مقدمتها تحقيق استقلال فعلي وحقيقي للسلطة القضائية».