إذا أردت أن تعرف كيف تسيّر السلطة في الجزائر فما عليك إلا مشاهدة أفلام هيتشكوك أو قراءة أعمال كافكا، وإذا أردت أن تفتح سجلا تجاريا تعيش به في الصحف الوطنية وبرامج التلفزيون فما عليك إلا بإنشاء حزب سياسي أو جمعية وطنية؟ وإذا أردت أن تعرف من سيكون رئيسا في أفريل القادم فما عليك إلا أن تسأل نفسك من الرئيس الذي تريده لتدرك أن في رأس كل واحد منا رئيسا؟ عهدة العهدات؟ لكن ما علاقة كل ذلك ب"أصحاب القرار"؟ ومن هم الذين يعينون الرئيس؟ وهل لفرنساوأمريكا دور في ذلك؟ وهل تستطيع المؤسسة العسكرية أن يكون لها مرشح ينافس رئيس قصر الرئاسة؟ إنها أسئلة قد تتبادر إلى ذهنك وأنت ترى من كان يطمع في منصب ديبلوماسي في الخارج يصير وزيرا أولا، ومن كان يأمل في أن يصبح مدير مدرسة صار وزيرا، ومن كانوا ينادون ب "عهدة رابعة" للرئيس بوتفليقة باتوا يتمنون ألا يرشح نفسه ويرشحهم، والذين حاولوا الانقلاب عليه ب" محاصرته" خارج قصر الرئاسة ما يزالون مقتنعين بأنهم أولى من غيرهم بالمرادية، وأصحاب "الحق الإلهي" على حد تعبير أحد الكتاب فقدوا سلطة القرار بعد أن أصبحت البلاد "تدار" من خارج المرادية. السلطة في الجزائر منذ 1962 لغاية 2012 كانت لدى المؤسسة العسكرية، لكنها بعد انتقال الرئيس إلى (فال دوغراس) صارت في أيدي المقربين إليه ومن يحتفظون بملفه الطبي فصار من الصعب أن يتخذ القرار في (تاغارا) ما لم تكن هناك تأشيرة من المرادية، والعكس صحيح، فكيف تكون رئاسيات أفريل 2014؟ يعتقد الكثير من المحللين إن إلتزام بوتفليقة الصمت حتى الآن قد يفقد أمل المرشحين المحتملين لخلافته أمثال مولود حمروش وعبد العزيز بلخادم وأحمد أويحيى باعتبار أن قرار "مرشح السلطة" تتحكم فيه المؤسسة العسكرية والرئيس، ومن دخل سباق الانتخابات ظنا منه أن جناحا في المؤسسة العسكرية يدعمه سيضيع هده الفرصة هو الآخر، ومن يتقرب من أمريكا أو فرنسا ليدخل المرادية دون تأشيرة حزبي السلطة (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي) هو مخطئ أيضا وحتى جناح الوزير الأول فقد الأمل هو الآخر بعد تعيين المالك سلال على رأس لجنة تحضير الانتخابات، ولم يبق سوى من يتصارعون حول منصب "نائب رئيس" في حال ترشح عبد العزيز بوتفليقة، أما الجناح المعارض في جبهة التحرير لعمار سعداني فإن الجهة التي تقف وراءه هي الجهة نفسها التي تقف وراء أحداث غرداية في سياق الصراع حول من يخلف الرئيس أو ينوبه. إن القرار المتعلق بالرئيس القادم لا تستطيع المؤسسة العسكرية أن تكون وراءه دون موافقة المقربين من الرئيس، والمقربون من الرئيس لا يستطيعون فرض مرشحهم دون موافقة المؤسسة العسكرية، أما الذين يقومون بإدارة الانتخابات فهما حزبا السلطة والمهمو الأساسية للجميع هي استمرارية الحكم الحالي بأي ثمن كان. والحقيقة التي يتجاهلها الجميع هي أن من يفكر في حل لغز "العلبة السوداء" للعهدة الرابعة دون الاطلاع على الملف الصحي للرئيس في" فال دوغراس" هو مخطئ، ففرنسا هي التي تعطي تأشيرة الترشح الرسمي للرئيس بوتفليقة أما إذا لم تعطه هذه التأشيرة الطبية فإن هناك "رؤوسا كبيرة" سيطاح بها على مستوى الرئاسة والمؤسسة العسكرية؟. ولا يستبعد المراقبون أن يحدث التغيير المطلوب شعبيا في حال عدم ترشح الرئيس لأن المنافسة ستكون مفتوحة بين من يمثلون الجهات الجزائرية الأربعة (غرب ، شرق، جنوب، شمال) والمرشح الأوفر حظا هو ذلك الذي يقتنع الشعب ببرنامجه السياسي ويقف وراءه تيار حقيقي وليس "تيار المساندة والولاء"، إذا كان من الصعب التكهن بمن يخلف الرئيس فإنه من السهل التكهن بما يحدث بعد العهدة الرابعة. في رئاسيات (1995 - 1999 - 2004 - 2009) أدت الأجهزة الأمنية دورها بامتياز في جمع التوقيعات لبعض المرشحين ليكونوا "فرسانا وأرانب" إلى جانب مرشح المؤسسة العسكرية حتى تعطي شرعية للانتخابات، أما اليوم فمن الصعب القيام بالدور نفسه بعد إبعاد اصحابها عن صناعة القرار ولهذا سيجد محترفوا الترشح في الرئاسيات السابقة الدخول إلى حلبة المنافسة ما لم يكن وراءهم من يريدون تبييض أموالهم، أما ما يسمى عندنا بالمعارضة فهو حديث صحافة لأن الرئيس حين عدّل دستور 2008 ليترشح لعهدة ثالثة لم يعترض عليه أحد أو يحتج شعبيا على ذلك، وحتى ما يسمى بمرشح" الإجماع أو التوافق" هو مجرد ذر الرماد في العيون مادامت الوحدة بين التيار الاسلامي مفقودة وبين التيار الوطني مغيبة وبين التيار الديمقراطي مفككة؟ "الشروق" الجزائرية