سموها "مزحة سامجة" و"نكتة لاذعة" و"تهكما ساخرا" و"دعابة سياسية" و"خطأ بروتكوليا" و"انحرافا لفظيا" و"هفوة ..أو زلة لسان"، وتعددت الأوصاف والتسميات لتصريحات الرئيس فرانسوا هولاند المتعلقة بعودة وزير الداخلية الفرنسي سالما، واشتد الجدل في الأوساط السياسية الفرنسية والجزائرية ولكن السلطتين في البلدين اتفقتا على طي الملف فلصالح من سيكون؟ وجهان لنكتة واحدة؟ عندما يترشح ثلاثة فرنسيين وسويسري من أصل جزائري لرئاسيات الجزائر لعام 2014م أو ليست هذه نكتة أخطر مما قال الرئيس الفرنسي؟ وحين تساند الأحزاب الموسومة ب"الثقيلة" مرشحا افتراضيا أو ليست هذه سبة للجزائريين؟ أعتقد أن ما قاله هولاند لا يحتاج إلى تأويلات أو قراءات أو شروح أو تفسيرات، فهولاند يعرف جيدا الوضع الصحي للرئيس وما إذا كان سيترشح لعهدة رابعة أم لا، وهو يعرف مسبقا من سيخلفه. وأصحاب الألسنة الطويلة يقولون إن هناك شبه اتفاق بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية على المرشح المحتمل ويرجحون اسم عبد القادر بن صالح بديلا عن الوزير الأول في حال عدم تعديل الدستور. وما قاله الرئيس الفرنسي لا يخلو من الصحة، فالأمن بالمفهوم الشامل (الصحي والغذائي والثقافي وغيره) مفقود في الجزائر أو على وشك التراجع، فكل شخص يعبر عما يحس به، فعبد المالك سلال باعتباره ينتمي الى منطقة القبائل قال للاعب مجيد بوقرة أن اسمه هو الحرب (القيرة) ولو سألت أي قبائلي لقال لك المعنى نفسه. طي الملف لا يعني تمزيقه حين قال جان بول سارتر: "إن الأفعى الشيوعية قد نجحت في ابتلاع بيكاسو ولكنها غصت به فلا هي ابتلعته ولا هي تقيأته"، فهمت الكثير من الأطراف بأنه يقصد الشيوعيين الفرنسيين والجزائريين الذين لم يساندوا الشعب الجزائري في كفاحه ضد فرنسا بالرغم من دفاعهم عن الحرية. المعروف تاريخيا أن النظام الديمقراطي في فرنسا هو ألدّ أعداء النظام الجزائري والنظام اليميني بالرغم من أنه أقرب إلى النظام الجزائري إلاّ أنه أكبر أعداء الجالية الجزائرية في فرنسا؟ ومن يتحدث إلى الكفاءات الجزائرية قبل توليها السلطة يجدها تنتقد الموجودين فيها ولكن بمجرد أن يصلوا إليها يصبحون أكثر احتكارا لها ممن سبقوهم إليها. ولهذا قال بطرس غالي بعد خروجه من رئاسة الأممالمتحدة "إذا تقلد المرء منصبا فقد نصف عقله وإذا أقيل منه فقد نصفه الثاني"، فلنتحدث من هذا المنطلق بصراحة عن العلاقات الجزائرية الفرنسية في عهد بوتفليقة وعلينا أن نفكر بصوت مرتفع بعيدا عن التشنج، فالجزائر لم تنزع يوما من الأيام "الرداء الفرنسي"، وأذكر أن جاك شيراك حين خرج من المستشفى عام 1992م وأحرج بالأسئلة أجاب "إن الرؤساء لا يمارسون سلطتهم بنصفهم الأسفل" وهي حقيقة ذات وجهين، فالفرنسيون عندما اندلعت ثورة أول نوفمبر 1954م أطلقوا عليها اسم "عيد القسيسين" وحرض بعض البرلمانيين السلطات الفرنسية على محاربة ما يهدد الأمن المسيحي الغربي المتمثل في التيار الوطني والديني والتقدمي وطالبوها بدعم ما يمس جوهر الاسلام والوطنية وتعميق النفاق الدبلوماسي مع الأقطار العربية وتشجيع الرشوة والتزوير(18 - 09 - 1956) Comba وتاريخ العلاقات الفرنسية الجزائرية يدرس في فرنسا على مستوى التعليم المتوسط كالتالي: "كان يحكم مدينة الجزائر قائد تركي مسلم شبه مستقل يسمى الداي حسين وهو صاحب مزاج انفعالي وفي يوم من الأيام أثناء محادثته مع قنصل فرنسا لطم ذراعه بالمروحة عدة لطمات وصار من الضروري القيام بحملة ضد مدينة الجزائر (الثورة الجزائرية، شارل اونري فافرود، ص13). أهدى الرئيس الراحل هواري بومدين حصانا الى الرئيس الفرنسي جيسكارديستان عام 1975م كان يسميه "الوصال"، وأهدى الرئيس بوتفليقة حصانا اسمه "الخير" الى نيكولا ساركوزي وأعطى حصانا وفرسا للرئيس فرانسوا هولاند، فلا حدث وصال حقيقي بين البلدين ولا أثمرت خيرا العلاقات بينهما ولا أنجب الحصان والفرس مهرا يغير مجرى التاريخ، وبالمقابل تسلم بوتفليقة من جاك شيراك عام 2003 ختم الداي حسين الذي وقع به وثيقة تسليم الجزائرلفرنسا، كما تسلم كتابا من هولاند بعنوان "تارخ موجز للكنيسة في إفريقيا عامة وتلمسان خاصة" نشرت بعض وسائل الاعلام مضمونه ملخصا في: "إن المستوطنين كانوا في مهمة حضارية للجزائر حيث بقيت شعلة الإنجيل أكثر من 600 سنة انقرضت تماما عن طريق تعصّب المسلمين وآخر بالسيف من أنصار النبي الكذاب"؟ كان هدف ساركوزي تحويل الجزائر الى قاطرة الاتحاد الأورو متوسط ، وصارت في عهد هولاند جسرا للتدخل الفرنسي في إفريقيا، فلمن يعتذر هولاند؟ وعن ماذا يعتذر؟ هل يعتذر للرئيس أم لمن جاؤوا به أم للأحزاب التي تزكيه أم للشعب الذي ما يزال يبحث عن رئيس يستطيع أن يقوده مثلما قاده بومدين في السبعينات؟. "الشروق" الجزائرية