سجل التقرير الذي حمل عنوان "العصا السحرية للقيادة" عدة اختلالات تواجه الجزائر، ما نتج عنه عدم رضا واسع في وسط المستجوبين لعملية سبر الآراء التي استندت إليها الدراسة والتي ركزت على جملة من العناصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتقاطع في مسألة جوهرية هي فقدان ثقة شريحة كبيرة من الجزائريين في حكومتهم وقياداتهم وانتقاد أدائهم، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة. وعلى ضوء هذه المؤشرات، نجد أن حوالي 70 في المائة من المستجوبين لا يثقون في أي مسار انتخابي في الجزائر، مقابل 30 في المائة فقط يعتقدون بأنها نزيهة ما بين 2008 و2009 و2001 و2012، وشمل تقرير "غالوب" أربعة بلدان إلى جانب المملكة المتحدة هي الجزائر ومصر والمغرب وتونس. في نفس السياق، تبدو الآفاق سيئة بالنسبة للجزائر في العديد من المجالات، على خلفية الاحتجاجات والتغيرات التي عرفتها المنطقة العربية والتي لم تحقق الآمال والتطلعات المنتظرة من قبل الشعوب. وجاءت نتائج الجزائر والمغرب الأسوأ بالنسبة لتقدير العديد من المجالات، إذ يرى حوالي 40 في المائة من المستجوبين بأن الآفاق الاقتصادية ستكون أسوأ و25 في المائة يتوقعون أن تسوء قضايا الفساد والرشوة، وقرابة 45 في المائة يعتقدون أن عدم الاستقرار وغياب الرفاهية سيكون أسوأ أيضا. ويبقى الفساد والرشوة من بين أكبر الاهتمامات، فبخصوص سؤال طرح حول اتساع رقعة وامتدادات الفساد عبر الحكومة جاءت النتيجة بالنسبة للجزائر ب70 في المائة، مع ملاحظة أن النسبة تراجعت ما بين 2009 و2010.ثم عرفت ارتفاعا محسوسا ما بين 2011 و2012، ونفس الأمر تقريبا على مستوى الأعمال والاقتصاد، مع تأكيد حوالي 70 في المائة بالإيجاب بخصوص اتساع نطاق الفساد في الدائرة الاقتصادية في الجزائر. بالمقابل، سجل التقرير نسبة قبول بنسبة 60 في المائة لعمل القيادة.على صعيد متصل، اعتبر 50 في المائة من المستجوبين أن وضعية المرأة حسنة على العموم وسجلت الجزائر أدنى نسبة مع مصر مقارنة بدول الجوار بالنسبة لعام 2012. ومن بين أهم المؤشرات التي تم التركيز عليها أيضا في تقرير "غالوب" تحديد المناطق أو الأماكن التي تعتبر الأفضل للتعايش بين الأجناس والأقليات، حيث اعتبر أقل من 30 في المائة بأن الجزائر في 2012 و2013 يمكن أن تعتبر كمنطقة مثالية للتعايش وعرفت النسبة تراجعا محسوسا مقارنة ب2009، حيث بلغت النسبة الإيجابية أكثر من 40 في المائة . وبخصوص مستوى المعيشة تباينت التقديرات، حيث اعتبر 52 في المائة من النساء و49 في المائة من الرجال بأنها أفضل، مقابل 51 في المائة من الرجال و48 في المائة من النساء ترى عكس ذلك. وسجل التقرير تراجع مستوى التواصل والتماسك الاجتماعي، من خلال تراجع نسبة التكافل والدعم ومساعدة الغير بنسبة 40 في المائة فقط بالنسبة للجزائر وغياب شبه كلي للعمل التطوعي الذي لم يتجاوز 8 في المائة بالنسبة للجزائريين، كما يبقى الجزائريون غير راضين بالأغلبية عن وضعهم الاجتماعي والمساعي الهادفة إلى محاربة الفقر، حيث عبّر أقل من 40 في المائة فقط عن رضاهم. ويبقى الجزائري لا يشعر بالأمن والأمان في بلاده، فقد عبّر 65 في المائة من النساء بأنه لا يمكنهم الخروج ليلا مقابل 40 في المائة من الرجال. وسجلت الجزائر أعلى النسب في المنطقة على الإطلاق، رغم تحسن الوضع الأمني، مقابل ارتفاع مستوى اللاأمن في المدن. أما بالنسبة للتشغيل، فقد كانت مستويات الرضا تقارب نسبة عدم الرضا بقرابة 50 في المائة لكل طرف، مع نسبة أعلى للشروع في المشاريع الجديدة، بينما يظل الجزائريون يعانون كثيرا للحصول على التمويل والقروض، حيث عبّر حوالي 25 في المائة فقط عن رضاهم بإمكانية الاستفادة بسهولة من القروض البنكية والتمويل. نواب البرلمان يتحفظون على التقرير الأمريكي أبدى نواب من المجلس الشعبي الوطني الذين استمعوا إلى العرض خلال الملتقى تحفظا شديدا على نتائج دراسة المعهد، بوصفها بغير الدقيقة كما قالت النائب كريمة أعراب عن كتلة الحركة الشعبية الجزائرية بالبرلمان "لم تكن الدراسة دقيقة وقدمت مغالطات لاسيما فيما يخص النتائج المتعقلة بالجانب الأكاديمي في الجزائر". وبالنسبة للنائب عن كتلة الحركة الشعبية الجزائرية بالبرلمان، فإن الأرقام المقدمة "لا تتناسب مع الجزائر" وأضافت أنها إحصاءات غير دقيقة، على حد قولها، فيها أرقام "وهمية ومتناقضة"، وأوضحت "كيف يتحدث عن أن نسبة الفساد في الجزائر أعلى من دولة ليبيا التي تتخبط في الفساد بكل أنوعه بعد موجة الربيع التي ضربتها". وأشارت النائب إلى أن "هناك تناقض نلمسه أيضا بالنسبة للأرقام المتعقلة بنسبة البطالة والرضا العام لدى الشباب الجزائري"، معتبرا أن هذه الدراسة تهدف حسبها إلى "إثارة الفوضى والفتنة في البلاد". وأكدت النائب البرلمانية كريمة عدمان من حزب تجمع أمل الجزائر أن التقرير الأمريكي ركز على الجانب البيروقراطي الذي يقف حجر عثرة دائمة أمام الاستثمار في الجزائر ولكنه أهمل التعليق على المناخ القانوني الجديد، كما تقول العضو في لجنة الاقتصاد والإحصاء والصناعة بالبرلمان ل"الخبر": "تعديل قانون المناجم الذي هو قيد الدراسة وقانون المحروقات السنة الماضية قدم أطرا جديدة جيدة أهملها التقرير، رغم ما توفره من مناخ استثماري جديد أعطى آفاقا أحسن للاستثمار الأجنبي في الجزائر". وأضافت في معرض تعليقها على الجانب التعليمي وحقوق المرأة التي استعرضها التقرير بمفهوم أنها تتعرض "للاضطهاد والقمع"، فقد أوضحت النائب عن كتلة "تاج" بأن تلك الأرقام غير صحيحة وتساءلت: "كيف يقول التقرير إن مستوى التعليم في الجزائر جيد ويحقق رضى الطلاب في الجزائر أكثر من بريطانيا؟". وأضافت: "حتى بالنسبة للأمن في الجزائر وحقوق المرأة فقد قدم العكس تماما". وأرجعت النائب البرلمانية حديث التقرير عن عدم خروج النساء في الجزائر ليلا للتنزه مثلا إلى الثقافة الاجتماعية العامة في الجزائر ونقص المرافق العمومية وليس إلى غياب الأمن كما تحدث التقرير الأمريكي. وبشكل عام، فقد رأت النائب عن حزب تجمع أمل الجزائر أن إشارة التقرير إلى الفساد المالي في الجزائر تفسره الملفات الاقتصادية العالقة أمام القضاء كقضية سوناطراك واحد واثنين، وهي قضايا "تتطلب إجراءات قضائية كبيرة ومعقدة تحتاج إلى فترة زمانية طويلة نظرا لتشعب خيوطها على المستوى الداخلي والدولي". للإشارة، فإن التقرير تم استعراضه أمام ثمانين قائد رأي من شمال أفريقا وبريطانيا، ينتمون إلى منظمات دولية تشمل المجتمع المدني وجامعات عالمية ومراكز صنع القرار في أوروبا. ما هو معهد غالوب؟ معهد غالوب منظمة تقدم الاستشارات الإدارية والموارد البشرية والبحوث الإحصائية. تمتلك منظمة غالوب ما يقرب من أربعين مكتبا عبر دول العالم ويقع مقرها الرئيسي في العاصمة واشنطن ويقع مقر العمليات في أوماها بولاية نبراسكا الأمريكية. الرئيس التنفيذي لها في الوقت الحالي هو جيم كليفت. تأسست المنظمة في عام 1958 على يد الباحث الأمريكي جورج غالوب. يقوم هذا المركز اليوم بعمله على أساس تقديم قياس الرأي العام والاستطلاعات الواقعية والدلائل لخدمة المصالح السياسية وصناع القرار. من الملاحظ الآن أن غالوب أوروبا تقوم بتزويد المفوضية الأوروبية بأحد مشاريع قياس الرأي العام القائم عبر الاستطلاع الهاتفي. ممثل معهد "غالوب" ل" الخبر": الدراسة ميدانية ولم نتمكن من العمل في الجزائر سنة 2013 أكد محمد يونس الباحث بمعهد "غالوب" الأمريكي الذي استعرض الدراسة، في تصريح ل"الخبر" على هامش فعاليات "ملتقى تحديات قادة الرأي" الذي نظمه المجلس الثقافي البريطاني بمدينة الحمامات بتونس من الفترة الممتدة ما بين 13 إلى 16 نوفمبر 2013، أن الدراسة كانت ميدانية وأجريت على"ألف مواطن جزائري" من مختلف الولايات، من خلال المقابلة المباشرة. وأوضح الباحث بمعهد "غالوب" "إننا نواجه مشاكل لإجراء دراسة هذا العام"، مضيفا "هناك إجراءات معقّدة مع الإدارة الجزائرية جعلتنا نفشل في القيام بالدراسة الميدانية هذا العام"، مضيفا أن الهيئة اضطرت إلى مقارنة ما توصلت إليه عام 2012 في الجزائر بنتائج عام 2013 في كل من مصر وتونس وليبيا والمغرب وبريطانيا. وشدد الباحث على أن الدراسة ليست استخباراتية وإنما تهدف إلى إثراء مشاريع المؤسسات المختلفة بنتائج الأبحاث الميدانية التي يقوم بها المعهد في المجالات السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية ل48 دولة عبر العالم.