لا يبدو أن الشاشة الفضية أو قاعات السينما في الجزائر "على قلتها" قادرة على مواكبة أمواج السينما العالمية التي باتت لا تعرف حدود المحظور، حيث يجمع المهتمون بالسينما في الجزائر على استحالة أن تكون هناك أفلام جزائرية متحررة من قيود الرقابة الذاتية والسياسية التي يفرضها مؤخرا احتكار وزارة الثقافة لتمويل الأفلام في الجزائر، وقد أضحت السينما الجزائرية في نظر العديد من المهتمين بالسينما في الجزائر متأخرة سنوات عن سينما المغرب التي تأسست السينما فيها سنة 1970، وأضحت مشاهدها تتباهي مؤخرا حرية الصورة والتعبير. من فيلم "دليس بالوما" لنذير مخناش، إنتاج 2007، وقبلها أفلام المخرج الراحل هاشمي شريف التي تعرّضت إلى مقص الرقيب سنوات الستينيات، ظلت عملية الرقابة تهدد مستقبل السينما في الجزائر يوما بعد يوم. وفي آخر محطاتها نلاحظ كيف أن مقص الرقيب في الجزائر رفض تمويل فيلم "قبل الأيام" للمخرج الشاب كريم موساوي الذي حقق نجاحا كبيرا رغم أن أجهزة الدولة تحفظت على محتواه، والشيء نفسه بالنسبة لفيلم "التائب" لمرازق علواش، الذي رفضت وزارة الثقافة تمويله بحكم ما يتضمنه من مشاهد تتعارض مع سياسة "عين الرقيب" في الجزائر. ويؤكد الفاعلون في مجال السينما في الجزائر على أن العديد من المواضيع التي تصنع عالمية الأفلام تعتبر من المحرمات في السينما الجزائرية وخطا أحمر لا يستطيع أي مخرج القفز فوقه، على غرار انتقاد الدين أو انتقاد الدولة ونظام الحكم، سيما وأن الدولة أضحت المنتج الرئيسي للأفلام، وبالتالي فإن انتقاد الأفلام للنظام السياسي شيء محرم، كما أن اللغة من الأشياء التي يستهدفها مقص الرقيب في الجزائر، رغم أن "لغة الشارع" ساهمت بشكل أساسي في تتويج الفيلم المغربي "زيرو"، للمخرج نور الدين مخمالي، بجائزة أحسن سيناريو في المهرجان السينمائي المغاربي الأول في الجزائر. ومن الخطوط الحمراء التي يرصدها السينمائيون الجزائريون نجد شخصية الرئيس، لهذا فلا نسمع للجزائر فيلما عن "هواري بومدين" أو فيلما عن عملية "اغتيال بوضياف" أو اغتيال "عبان رمضان"، مثل أفلام عبد الناصر والسادات، فحتى التطرق إلى سنوات العشرية السوداء في الجزائر له حدود. ومن آخر أنواع الرقابة التي مورست على الأفلام الجزائريةالجديدة تعرّض فيلم "كريم بلقاسم"، للمخرج أحمد راشدي، إلى مقص الرقيب فيما يخص مشاهد الاغتيال. فيلم "معركة الجزائر" لم يسلم من المقص جعلت الرقابة بشقيها من الأفلام الجزائرية رهن المحلية، كما يقول المخرج والمنتج بشير درايس ل«الخبر": "أصبحت الأفلام الجزائرية لا تقدر على المنافسة الخارجية، في ظل عدم وجود قاعات سينما أو قنوات جزائرية لديها القدرة على بث الأفلام، بينما التلفزيون الجزائري يمارس أبشع أنواع الرقابة"، وذلك على غرار فيلم "معركة الجزائر" الذي تم بثه في الجزائر بحذف 15 دقيقة من النسخة العالمية التي أنتجت في إيطاليا، وأيضا أفلام "سبيكتور" الطاهر التي باتت تتعرض إلى مقص الرقيب في التلفزيون الجزائري، بعدما كانت تعرض سنوات الثمانينيات والتسعينيات بشكل كامل، ويضيف بشير: "إنها ضحية العقلية الإسلامية المتحفظة". بالنسبة لدرايس فإن التعرض إلى الأفلام بهذه الطريقة يعتبر "اعتداء" على الذاكرة والحقيقة التي يريد الشعب الجزائري معرفتها، فقد انقلبت الآية بعدما كانت الأفلام تواجه عائق التمويل وأضحت المشكلة في الأفكار الجيدة والعالمية، ففي الماضي كان أحسن الأفلام لا يمكنه أن يتحصل على مبلغ 10 ملايين دينار جزائري، واليوم أصبح هناك تمويل من وزارة الثقافة للأفلام "الفاشلة" يصل إلى عشرات مليارات الدولار، كما يوضح منتج فيلم "رحلة إلى الجزائر"، الذي عانى كثيرا قبل أن يتم عرضه في الجزائر: "نحن بحاجة إلى نهضة حقيقية في حرية التعبير في الجزائر، من خلال المصداقية والشفافية في لجان القراءة الخاصة بالنصوص". من جهته، يضرب مدير "الكاستينج"، عمار سنيقري، الذي عمل في عدة أعمال جزائرية منها فيلم "البير" للمخرج لطفي بوشوشي، المثال بتجربة الممثل الجزائري محمد الشهير ب«سعد القط" الذي اضطر إلى الهجرة والاستقرار في فرنسا، بعد أن حامت به المشاكل، ومنها مشاكل مشاركته في بعض المشاهد الجنسية في فيلم فرنسي قامت بتصويره إحدى الشركة الفرنسية خلسة في ولاية بسكرة. وحسب مدير "الكاستينج"، فإنه لا توجد أرضية واحدة يقف عليها الممثل الجزائري في اختيار الأدوار، وإنما يرجع ذلك إلى قناعاتهم الشخصية والمحيط الأسري الذي ينحدر منه، وليس بالنظر إلى السيناريو. بينما يعتقد الممثل مجيد أولبصير أن مشكلة الأفلام الجزائرية في العرض، حيث تمر فقط عبر المهرجانات ولا تصل إلى الجمهور. وهنا يتحدث الممثل الشاب نجيب أولبصير عن تجربته مع فيلم "نورمال" للمخرج مرزاق علواش، الذي هوجم كثيرا، رغم ما حققه من إنجازات عربية وعالمية: "الجمهور الجزائري بحاجة إلى الواقعية"، ويضيف، في معرض حديثه عن تجسيد الأدوار التي تصنف جزائريا تحت الخط الأحمر: "من الغباء في الجزائر أنه يمكن مشاهدة مناظر القتل والعنف في السينما ونرفض مشاهد القبلات". وأمام طريق التحرر الذي بدأت تتخذه الأفلام العالمية، يبقى السؤال مطروحا بخصوص وعد وزارة الثقافة الذي أطلقته السنة الماضية بقاعة ابن زيدون، خلال عرض فيلم "ذي أرتيست" الحائز على الأوسكار، وكيف سيتحقق وعد جلب الأفلام المتوجة بالجوائز العالمية إلى الجزائر، بعد فوز المخرج التونسي عبد اللطيف كشيش، مؤخرا، بالسعفة الذهبية للدورة ال66 لمهرجان "كان" السينمائي، عن فيلمه "حياة أديل" الذي يعزف لمدة 3 ساعات على مشاهد جنسية ساخنة.