في يونيو (حزيران)، انتخب حسن روحاني رئيسا لجمهورية إيران الإسلامية. خاض روحاني الانتخابات كمرشح إصلاحي، وفسر كثيرون فوزه بأنه يبشر بإمكانية تحرير أو عقلنة السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية. ولكن الشخص السائد في السياسة الإيرانية ليس الرئيس بل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي حيث يمنح الدستور الإيراني المرشد الأعلى سلطة هائلة على جميع مؤسسات الدولة الرئيسة، ويجد خامنئي الذي تولى منصبه منذ عام 1989 وسائل أخرى كثيرة لتوسعة نفوذه. تعمل كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في الحكومة، رسميا أو غير ذلك، تحت السيادة المطلقة للقائد الأعلى. وهكذا، يصبح خامنئي هو رئيس دولة إيران وقائدها الأعلى ومنظرها الرئيس. أفكاره هي ما تشكل السياسة الإيرانية لذلك تجدر دراستها بالتفصيل. ولد خامنئي في مدينة مشهد شمال شرقي إيران عام 1939. كان والده عالم دين متواضع الدخل. سار خامنئي، وهو الثاني بين ثمانية أبناء، على نهج والده والتحق بالمدرسة الدينية (كما أن له شقيقين من رجال الدين أيضا). درس خامنئي في قم من عام 1958 إلى 1964، وعندما كان هناك التحق بحركة المعارضة الدينية التي قادها آية الله الخميني في عام 1962. أدى خامنئي دورا مهما في الثورة الإيرانية عام 1979 وأصبح رئيسا لإيران من عام 1981 إلى 1989، ثم خلف الخميني في منصب المرشد الأعلى. كان خامنئي على اتصال دائم بعالم المثقفين الإيرانيين، وقد تشكل الإطار الأساسي لفكره أثناء شبابه وبدايات سن الرشد، في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. كانت إيران في ذلك الوقت تحت الحكم الملكي وحليفة للولايات المتحدة. ووفقا للمعارضة الإيرانية في ذلك الوقت، لم يكن الشاه سوى دمية أميركية. وعلى عكس كثير من الإسلاميين الآخرين، كان خامنئي على اتصال مع أهم مثقفي المعارضة العلمانيين واستوعب خطابهم في مرحلة ما قبل الثورة. ولكنه كان أيضا طالبا في المعهد الديني الذي ينصب تركيزه الأساسي على تعليم الشريعة الإسلامية، فتعرف على منظري الإخوان المسلمين وتأثر بأعمال سيد قطب، التي ترجم خامنئي ذاته بعضا منها إلى الفارسية. عندما كان شابا، شهد خامنئي الخلاف بين الغرب والعالم الثالث، وتصلبت هذه الرؤى أثناء تعامله مع الولاياتالمتحدة بعد الثورة الإيرانية. وتوصل إلى أن واشنطن عازمة على الإطاحة بالجمهورية الإسلامية وأن جميع القضايا الأخرى التي يثيرها المسؤولون الأميركيون لا تتجاوز كونها ستارا دخانيا. وحتى اليوم، يعتقد خامنئي أن الحكومة الأميركية مصرة على تغيير النظام في إيران، سواء عن طريق إسقاطه من الداخل أو اندلاع ثورة ديمقراطية أو ممارسة ضغوط اقتصادية أو شن غزو عسكري. * لمحة عن المرشد الأعلى * كان خامنئي يبلغ من العمر 40 عاما عندما قامت الثورة؛ وقبل ذلك كان طالب علم ورجل دين، ولكنه متفاعل مع العالم الواسع بالإضافة إلى الأوساط الدينية الضيقة. أدت علاقات خامنئي الواسعة مع المثقفين العلمانيين في إيران إلى تطرف آرائه بشأن الولاياتالمتحدة، نظرا لأن هذه الأوساط كانت معارضة للولايات المتحدة بشدة بعد انقلاب عام 1953، وبعد تأييد الولاياتالمتحدة للشاه وقمعه التالي للمعارضين. وكما قال صديق خامنئي الشاعر مهدي إخوان ثالث، في أحد الأبيات: «لن أنسى أننا كنا شعلة، وهم أطفأونا بالماء». تحدث خامنئي عن دور الولاياتالمتحدة في انقلاب عام 1953 عدة مرات، وتستمر الذكرى تتردد لديه حتى الآن. صرح خامنئي في العام الماضي في لقاء مع طلاب الجامعات في طهران قائلا: «من المثير للاهتمام أن ندرك أن أميركا أطاحت بحكومة مصدق حتى على الرغم من أنه لم يظهر عداء تجاهها. لقد تصدى للبريطانيين ووثق في الأميركان. كان يرجو أن يساعده الأميركان، وكانت له علاقات ودية معهم، وأعرب عن اهتمامه بهم، لعله أبدى لهم خضوعا. (ولكن) أطاح الأميركيون بهذه الحكومة. لم تكن الحكومة القائمة في طهران حينها معارضة لأميركا، لا، بل كانت صديقة لها. ولكن مصالح الغطرسة (وهو المصطلح الذي يستخدمه خامنئي غالبا ليرمز إلى الولاياتالمتحدة) استلزمت تحالف الأميركيين مع البريطانيين. جمعوا الأموال وجلبوها إلى هنا وقاموا بمهمتهم. ثم عندما تحقق انقلابهم وأعادوا الشاه الذي كان قد هرب، تمكنوا من السيطرة على البلاد». * خامنئي والبؤساء * في شبابه، كان خامنئي يحب الروايات. قرأ لكتاب إيرانيين مثل محمد علي جمال زاده وصادق شوباك وصادق هدايت، ولكنه شعر بأنهم يتوارون أمام الكتاب الكلاسيكيين الغربيين من فرنسا وروسيا وبريطانيا. وأثنى خامنئي على ليو تولستوي وميخائيل شولوخوف وأمثال أونوريه دي بلزاك وميشال زيفاغو، ولكنه يعتبر فيكتور هوغو الأفضل. وفي تصريحات لبعض مسؤولي شبكة التلفزيون الحكومية الإيرانية عام 2004، قال خامنئي: «في رأيي، إن رواية (البؤساء) لفيكتور هوغو أفضل رواية كتبت في التاريخ. طبعا لم أقرأ جميع الروايات المكتوبة في التاريخ، ولكني قرأت العديد من الروايات المتعلقة بأحداث قرون مختلفة». شعر خامنئي بأن الروايات تمنحه بصيرة نافذة إلى الواقع العميق في حياة الغرب، حتى إنه نصح جمهورا من الكُتاب والفنانين في عام 1996 قائلا: «اقرأوا روايات بعض الكتاب ذوي الاتجاهات اليسارية، مثل هوارد فاست. اقرأوا (عناقيد الغضب) الشهيرة التي ألفها جون ستيانبيك.. وانظروا كيف تتحدث عن موقف اليسار وكيف تعامل معهم الرأسماليون في مركز الديمقراطية». * الإسلامي الناشئ * رغم تردد خامنئي على الأوساط الثقافية العلمانية قبل الثورة، وكونه طالبا للثقافة الغربية بصورة عامة، فإنه كان أولا وقبل كل شيء عالم دين يكرس ذاته لتحقيق تغيير اجتماعي بما يتفق مع تعاليم الدين. وفي هذا الصدد، كان سيد قطب، المفكر والناشط المصري والمنظر الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين، هو من استولى على قلب خامنئي في شبابه. كتب خامنئي في مقدمة ترجمته لكتاب سيد قطب «المستقبل لهذا الدين» في عام 1967: «حاول هذا الكاتب العظيم عبر فصول هذا الكتاب.. تقديم روح الدين كما هي، ثم توضيح أنه منهج للحياة.. (وأكد) بعباراته البليغة ومنظوره العالمي الخاص أن حكم العالم في النهاية سوف يكون في يد مدرستنا وأن (المستقبل سيكون للإسلام)». * بعد الثورة * في الأيام الأولى من الثورة الإيرانية، بعد أن أعلنت واشنطن أنها سوف تسمح للشاه المريض بدخول الولاياتالمتحدة لتلقي العلاج، استولت مجموعة من الطلاب الإيرانيين المتطرفين على السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا من فيها كرهائن، مما تسبب في خلق أزمة جديدة في العلاقات الأميركية الإيرانية. لم يكن جميع أفراد النخبة الحاكمة الجديدة يعرفون بشأن الخطة أو يوافقون عليها. ووفقا للرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر رفسنجاني، لم يؤيد هو أو خامنئي هذه الخطوة: «كان آية الله خامنئي وأنا في مكة عندما سمعنا أخبار الاستيلاء على السفارة الأميركية عبر الإذاعة ليلا، عندما كنا في مكان إقامتنا نستعد للنوم. أصبنا بالصدمة، لأننا لم نكن نتوقع مثل هذا الحدث. ليست هذه سياستنا. حتى في بداية انتصار الثورة، عندما كانت الجماعات السياسية تهتف بشعارات متطرفة ضد أميركا، ساعد المسؤولون الأميركيون الموجودون في إيران على العودة إلى بلادهم سالمين، بل وحمل كثير منهم ممتلكاتهم معهم. وبمجرد أن هاجمت مجموعة مسلحة السفارة الأميركية واحتلتها، جاء ممثل عن الحكومة المؤقتة وأنهى المشكلة. لذلك من الواضح أن المجلس الثوري والحكومة المؤقتة لا يميلان إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات». ولكن بعد أن خرج الخميني مؤيدا للاستيلاء على السفارة، سار حكام آخرون في الجمهورية الإسلامية على نهجه. طوال فترته كمرشد أعلى، دائما ما يدافع خامنئي عن الاستيلاء على السفارة. ويدفع بأنه أحيانا ما تحتفظ الأنظمة الثورية بعلاقاتها مع القوى الاستعمارية السابقة وتعاني نتيجة لذلك. وفي الحالة الإيرانية، ساعد الاستيلاء على السفارة على جعل ذلك مستحيلا، وقد أشار في خطاب له عام 1993 إلى ذلك قائلا: «قطعت قضية وكر الجواسيس (وهو المصطلح الذي يستخدمه الثوار للإشارة إلى السفارة الأميركية) آخر خيط يمكن أن يصل بين الثورة وأميركا». وأضاف أن احتلال السفارة «كان خدمة عظيمة وجليلة لصالح ثورتنا». * ممثل الخميني في مجلس الدفاع الأعلى * عين الخميني خامنئي عضوا في مجلس الثورة الإسلامية، وقبل أن يصبح رئيسا للجمهورية في عام 1981، عمل نائبا لوزير الدفاع، والقائم بأعمال رئيس الحرس الثوري الإسلامي، وممثل الخميني في مجلس الدفاع الأعلى. وضعه عمله في القضايا الأمنية في مواجهة السياسة الواقعية الباردة التي انتهجتها واشنطن. وفي أغسطس (آب) عام 1980، شن صدام حسين هجوما عسكريا على إيران في محاولة للاستفادة من الفوضى الموجودة مع النظام الجديد. كانت إيران تعاني آثار سقوط الشاه واستمرار أزمة الرهائن، ورفضت الولاياتالمتحدة انتقاد أفعال العراق، ثم قدمت له الحماية من العقاب في الأممالمتحدة وبعد ذلك دعمت بالفعل الحرب العراقية ضد إيران. وفي نهاية الثمانينات، كان الجيش الأميركي يواجه إيران مباشرة من خلال مهاجمة منصات النفط الإيرانية في الخليج عام 1987، وإسقاط طائرة ركاب إيرانية في عام 1988. * رحلة خامنئي إلى الولاياتالمتحدة * في عام 1987، ذهب خامنئي في رحلته الوحيدة حتى الآن إلى الولاياتالمتحدة من أجل المشاركة بصفته رئيس دولة إيران في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي خطابه، تحدث عن العلاقة بين إيرانوالولاياتالمتحدة. وفي خطاب جماهيري في العام التالي، تحدث عما مر به أثناء إقامته في نيويورك قائلا: «جاء مسؤول رفيع المستوى في دولة أوروبية لمقابلتي وقال لي (يجب أن تحل مشكلتك مع أميركا)! اعتقدوا أنني بمجيئي إلى نيويورك ووجودي في أميركا قد يستطيعون استغلال الموقف. ولكني قلت (مستحيل. قضية الأممالمتحدة شأن آخر. مجيئي إلى الأممالمتحدة للحديث مع شخصيات من العالم وهذا ليس له علاقة بأميركا. قضية أميركا لها شأن آخر)». * من الخميني إلى خامنئي * منذ أن أصبح المرشد الأعلى لإيران في عام 1989، أصبحت آراء خامنئي حيال سياسة الولاياتالمتحدة الأميركية أكثر حدة. وفي الوقت الحالي، موقفه واضح وبسيط: ترغب الحكومات الغربية، بقيادة واشنطن، في الإطاحة بالجمهورية الإسلامية وتدمير الثورة الإسلامية، تمامًا مثلما حدث مع الاتحاد السوفياتي. يعتقد خامنئي أن هناك العديد من التدابير التي بإمكانها ضمان أن الجمهورية الإسلامية لن تلق المصير ذاته الذي حل بالاتحاد السوفياتي. أولا، ينبغي تحديد المتمردين السياسيين المحتملين - النسخ الإيرانية المحلية من بوريس يلتسن - ومعرفتهم. ثانيا، ينبغي الإعلان بوضوح عن خطط إصلاح منطقية، وبالتالي لن يكون من الممكن إساءة فهمها أو تحريفها. ووفقًا لوصفه، فإن التدابير الإصلاحية ينبغي أن «يقودها مركز قوي وصارم، بحيث لا تخرج عن السيطرة». ثالثا، لا ينبغي السماح لوسائل الإعلام بعرقلة عمل الحكومة. ورابعا، ينبغي منع أية تدخلات من قبل أي قوى خارجية، مثل الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيل. * تراجع الغرب والأزمة الاقتصادية * لا ينكر خامنئي التقدم الكبير الذي شهده الغرب على مدار القرن الماضي. فكما صرح في أحد خطاباته في شهر يونيو عام 2004، «بالولاياتالمتحدة الأميركية، تستطيع أن تلحظ ذروة نهضة الحضارة المادية من ناحية العلم والثروة والسلطة العسكرية، والجهود السياسية والدبلوماسية. فالولاياتالمتحدة الأميركية تتمتع بثروة أسطورية وقوة عسكرية هائلة، علاوة على الحراك السياسي الاستثنائي». يتقبل خامنئي العلم والتكنولوجيا اللذين يتمتع بهما الغرب، فيما أنه يرثي حقيقة أن الأنظمة الاستبدادية التي تعاني منها إيران ودول أخرى بالعالم النامي هي المسؤولة عن التخلف السائد في هذه البلدان. ويصرح خامنئي بإعجابه ببعض الجوانب التي تتسم بها المجتمعات الغربية. وأشار خامنئي إلى أن الأزمة المالية التي بدأت في عام 2008 تُعد دليلا داعما لوجهة نظره المتشائمة حول توقعاته للغرب. فقد رأى أن حركة الاحتجاجات التي تدعو إلى احتلال وول ستريت تُعد بمثابة بداية لأزمة ضخمة في الرأسمالية. بالنسبة لخامنئي، فإن تاريخ العالم «يتجه نحو الأفضل» وسوف يبدأ «عصر جديد في العالم بأسره». فقد فقدت العقائد الماركسية والليبرالية والقومية جاذبيتها، ولكن الإسلام لا يزال يتمتع بجاذبيته. فالربيع العربي - أو «الصحوة الإسلامية»، كما يُطلق عليه - يُعد بمثابة بداية لانتفاضة في جميع أنحاء العالم ضد الولاياتالمتحدة الأميركية والصهيونية العالمية. في شهر أغسطس (آب) عام 1989، أي بعد مرور شهرين على انتخابه مرشدا أعلى، صرح خامنئي للولايات المتحدة بأنه «لم يجر أي شخص في الجمهورية الإسلامية أية مفاوضات في وقت مضى مع الولاياتالمتحدة الأميركية مطلقا، ولن يحدث ذلك.. وما دامت السياسة الأميركية تقوم على الأكاذيب والخداع والنفاق وتدعم الأنظمة الفاسدة مثل إسرائيل، وتديم حالة الظلم ضد الشعوب الضعيفة والفقيرة، وما دامت الجرائم والتجاوزات التي يرتكبها الحكام الأميركيون، مثل إسقاط طائرة الركاب واحتجاز (الملكية الإيرانية)، لا تزال حاضرة في ذاكرة أمتنا، فليس هناك أية احتمالية لدينا لعقد مفاوضات مع الحكومة الأميركية أو إقامة علاقات دبلوماسية معها. فنحن نرفض تمامًا إقامة أية علاقات بيننا وبينهم». وبعد مرور سبعة عشر عامًا، تناول خامنئي الموضوع ذاته خلال اجتماعه مع طلاب بوسط مدينة يزد خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) لعام 2007، ليذكر أن: «إحدى سياساتنا الأساسية تتمثل في قطع العلاقات مع الولاياتالمتحدة. ولكننا لم نقل يوما إننا سوف نقطع هذه العلاقات إلى الأبد. لا، ليس هناك أية أسباب لقطع العلاقات مع أية دولة إلى الأبد.. (ولكن) العلاقات مع الولاياتالمتحدة تمثل ضررا بالنسبة لنا. أولا، إقامة علاقات مع الولاياتالمتحدة لن يقلل من الخطر الذي تمثله علينا. فقد قامت الولاياتالمتحدة بغزو العراق في حين أنه كانت لديها علاقات دبلوماسية معه.. ثانيا، وجود علاقات مع الأميركيين يعد طريقة بالنسبة لهم لزيادة نفوذهم داخل طبقات معينة.. داخل إيران». وفي شهر أغسطس عام 2010، خلال لقائه مع مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى في ظل ولاية الرئيس محمود أحمدي نجاد، قدم خامنئي تفسيره لعبارة «حالتان من المفاوضات مع الولاياتالمتحدة الأميركية مؤخرا، إحداهما كانت تتعلق بالقضايا العراقية». وكان ذلك حينما صرح أحمدي نجاد بأنه على استعداد لإجراء مفاوضات مع الولاياتالمتحدة. ووصف خامنئي فهمه لأسلوب التفاوض مع الولاياتالمتحدة كما يلي: «عندما لا تكون لدى الأميركيين حجج قوية، وعندما لا يكون بإمكانهم تقديم حجة مقبولة ومنطقية، فإنهم يلجأون إلى أسلوب الضغط. وحيث إن أسلوب الضغط ذلك ليس له أي تأثير على الجمهورية الإسلامية، فإنهم سوف يعلنون نهاية المفاوضات من جانب واحد! حسنا، ما هو نوع تلك المفاوضات؟ وتلك هي تجربتنا في كلتا الحالتين. لذلك، عندما يقول الأشخاص مثل السيد الرئيس (أحمدي نجاد) إننا على استعداد للتفاوض، فحينها سوف أقول نعم، نحن مستعدون للتفاوض، ولكن ليس مع الولاياتالمتحدة. وخلال شهر فبراير (شباط) لعام 2013، صرح جوزيف بايدن نائب الرئيس الأميركي، خلال حضوره أحد المؤتمرات الأمنية بميونيخ، بأن الولاياتالمتحدة الأميركية قد فرضت «أقسى العقوبات في التاريخ» على إيران، وذلك ضمن جهودها الرامية إلى منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وأن قادة إيران يعاقبون شعبهم من خلال الحرمان الاقتصادي والعزلة الدولية. وأشار بايدن إلى أن الخيار الدبلوماسي لا يزال متاحا، ولكن لن تكون هناك محادثات مباشرة إلا «عندما تكون القيادة الإيرانية والقائد الأعلى جادين في الأمر». ورد خامنئي سريعا وعلى نحو مباشر. ففي كلمته أمام قادة سلاح الجو الإيراني، صرح خامنئي بأنه منذ انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2008، كان قد أعلن أن القيادة الإيرانية سوف تنظر إلى سلوك الحكومة الجديدة بنظرة غير متحيزة، ومن ثم سوف تتخذ قرارها. ولكن ماذا كانت نتائج الفترة الأولى من ولاية أوباما؟ دعمت واشنطن «التمرد الداخلي» (الحركة الخضراء)؛ وفرضت عقوبات معوقة، على حد زعمه. ومن ثم، تناول دعوة بايدن لإجراء محادثات قائلا: «من هؤلاء الذين تريدون إعاقتهم (بتلك العقوبات)؟ هل أردتم أن تصيبوا الشعب الإيراني بحالة من الشلل؟ هل يوجد أية نية حسنة في ذلك؟ أنا لست دبلوماسيا. إنني شخص ثوري وأتحدث بطريقة واضحة وصريحة.. يقول الدبلوماسيون شيئا ما، ويعنون به شيئا آخر». * البرنامج النووي * ويرفض خامنئي فكرة تمركز الخلافات بين إيرانوالولاياتالمتحدة الأميركية حول البرنامج النووي. وخلال حضوره لاجتماع علني مع وفد من العلماء وأسر الشهداء من منطقة أذربيجان الإيرانية خلال شهر فبراير الماضي، ذكر خامنئي قائلا: «إذا أردنا تصنيع أسلحة نووية، كيف ستمنعوننا من ذلك؟ إذا كانت إيران مصرة على امتلاك أسلحة نووية، فلن تستطيع الولاياتالمتحدة منعها بأي شكل من الأشكال. نحن لا نرغب في تصنيع أسلحة نووية. ليس لأن أميركا مستاءة حيال ذلك، ولكن الأمر يتعلق بمعتقداتنا الخاصة. فنحن نعتقد أن الأسلحة النووية تمثل جريمة ضد الإنسانية ويجب أن لا يتم تصنيعها، كما يجب القضاء على تلك الأسلحة النووية الموجودة بالفعل في العالم بأسره. ذلك هو اعتقادنا. فهو لا يتعلق بالولاياتالمتحدة على الإطلاق. إذا لم يكن لدينا هذا الاعتقاد، وقررنا حينها تصنيع أسلحة نووية، فلم تكن لتتمكن أية قوة من منعنا، تماما مثلما أنها لم تكن قادرة على منع ذلك في بلدان أخرى - فهي لم تتمكن من منع تصنيع الأسلحة النووية في الهند وباكستان وكوريا الشمالية». * خطاب مشهد السنوي * وفي كل عام، يلقي خامنئي خطابه الأكثر أهمية بمدينة مشهد الإيرانية في اليوم الأول من فصل الربيع، بداية السنة الإيرانيةالجديدة. وعلى الرغم من ذلك، فقد كان الخطاب الذي ألقاه في العام الحالي لافتا للأنظار، حيث من الواضح أن خامنئي قد خفف من حدة موقفه حيال المحادثات. وللمرة الأولى، حتى في الوقت الذي أعرب فيه عن تراجع تفاؤله حيال المفاوضات المباشرة مع الولاياتالمتحدة، صرح خامنئي قائلا: «ولكني لا أعترض عليها». وأثناء إشارته إلى أنه على ما يبدو أن واشنطن ليس لديها أية رغبة في إكمال المفاوضات النووية والتوصل إلى حل لهذه المشكلة، ذكر خامنئي على الرغم من ذلك أن حل ذلك النزاع «قريب للغاية وبسيط أيضا». * ماذا بعد ذلك؟ * وفي ظل تحكم خامنئي في السياسة الإيرانية وشكه العميق في نوايا الولاياتالمتحدة الأميركية تجاه الجمهورية الإسلامية، فإن تحسين العلاقات بين إيرانوالولاياتالمتحدة سيكون أمرا صعبا، وخاصة في حالة ثبات سياسات الولاياتالمتحدة الأميركية التي تتبعها منذ زمن بعيد، مثل التصعيد المستمر للعقوبات، دون تغيير. ولكن تحسين العلاقات لا يُعد أمرا مستحيلا، وذلك لأنه من الممكن بالفعل توافق أهم المصالح الخاصة بكل من طهرانوواشنطن في ذات الوقت. وأظهر انتخاب روحاني باعتباره الرئيس الإيراني الجديد رغبة الشعب الإيراني في وضع نهاية حاسمة لعصر أحمدي نجاد، وأنه قد أوجد فرصة لكل من إيران والمجتمع الدولي للمضي قدما نحو المزيد من العلاقات البناءة. فتلك الفرصة إما أن يتم استغلالها أو تجاهلها. * أكبر جانجي: صحافي إيراني منشق. تعرض للسجن في طهران من عام 2000 حتى عام 2006، وفي الوقت الحالي تمنع كتاباته في إيران. (ترجمة الشرق الأوسط)