عاد وجه وصوت المطرب اللبناني الراحل وديع الصافي ليطل اليوم على جمهوره المغربي المصدوم في رحيله، من خلال بعض القنوات التلفزيونية، التي أبت إلا أن تسترجع لحظات من ذكرياته وحضوره في العديد من المهرجانات، مثل " الموسيقى الروحية بفاس"، والبرامج الفنية مثل " مسار" في " الدوزيم". الوجه مبتسم دوما، والصوت القوي متدفق كعادته مثل ينبوع غزير لايكل عن العطاء. هكذا كان الصافي، الذي عشق المغرب كثيرا، وعبر عن ذلك في أكثر من مناسبة، بكلمات تلقائية وعفوية نابعة من أعماق قلبه. ولعل الكثيرين لايعرفون أنه غنى من الحان الفنان المغربي محمد بن عبد السلام، شافاه الله،أغنية بالقصيد العربي الفصيح، في أحد أعياد العرش، ليكون ثاني صوت عربي ينشد لحنا من توقيع مبدع أغنية " عطشانة"، بعد المطربة عليا التونسية، التي أشتهرت بأدائها لقصيدة " أنا من أنا"؟ وكانت من شعر ايليا أبو ماضي، وتلحين بنعبد السلام. ولوديع علاقات وطيدة مع عدد من شعراء المغرب ومبدعيه وفنانيه، وقد سبق لشاعر أغنية " القمر الأحمر"، عبد الرفيع الجواهري، أن حكى قصة لقب " الصافي" الفني الذي كان يحمله المطرب الراحل، في برنامج تلفزيوني مغربي أعد خصيصا للاحتفاء ب" صوت الجبل"، فقال إن اللجنة التي اختبرت المطرب الراحل وديع ، في إطار مباراة نظمتها الإذاعة اللبنانية، هي التي أطلقت عليه هذا اللقب، إيمانا منه بقوة و"صفاء" صوته. ويحكي عنه الملحن والمطرب المغربي الشاب نعمان لحلو، حين كان يشتغل في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أن مغني " الليل ياليلى يعاتبني"، كان يأتي إلى بلاد العم سام، في جولات فنية، ويستقبله محبوه بسيارات فارهة في المطار، لكنه كان يفضل الركوب في سيارة لحلو الصغيرة والمتواضعة. وكثيرا مارافقه في جلسات وسهرات فنية كان العود هو سيدها، والنغم الرفيع قطبها، ووديع هو نجمها الذي لاينافسها أحد في قوة صوته، وهو يؤدي المواويل و" الميجانا والعتابا"، التي تحمل الحاضرين على أجنحتها إلى لبنان، الذي وصفه في إحدى أشهر أغانيه، بأنه " قطعة سماء". ظل وديع، كغيره من المطربين الكبار، شامخا فعلا مثل شجر أرز لبنان، منتصبا بصمود مثل جبله. لاأحد بمقدوره من عشاق الطرب في الزمن الغنائي الجميل، أن ينسى وقفته على خشبة المسرح في مهرجانات " ليالي بعلبك" إلى جانب سفيرة لبنان إلى النجوم، فيروز، وهو يحاورها في " سهرة الحب"، التي تعتبر من أشهر الأعمال الفنية التي جمعتهما معا، علاوة على روائع أخرى. وديع الصافي، بصوته وحضوره القوي، لن ينمحي من الذاكرة الموسيقية العربية أبدا، فروائعه شاهدة على إبداعه،مثل " الله يرضى عليك يا ابني" و" عندك بحرية ياريس"، و" ولو"، وغيرها من الأغاني التي رددتها الأجيال، ولازالت حية وكأنها سجلت بالأمس القريب فقط. سيبقى اسمه منقوشا في سجل الخالدين مثل كل المبدعين الذين أثروا الأغنية العربية، وأعطوها شحنة كبيرة من التجدد،والانفتاح على التجارب الفنية الحديثة، مع الحرص على هويتها، وإيقاعها العربي الأصيل.