وهبي يؤكد التزام المغرب بحماية حقوق الإنسان ومواجهة تحديات القضايا الناشئة    جلالة الملك يواسي ماكرون إثر مرور إعصار تشيدو على أرخبيل مايوت    المغرب / ألمانيا.. اتفاقية بقيمة 50 مليون أورو لتمويل برنامج التزويد بالماء الشروب المتكيف مع المناخ    "هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جريمة ضد الإنسانية بحرمان الفلسطينيين من الماء في غزة    حكيمي ضمن أفضل 100 لاعب لسنة 2024    أعضاء المجلس الإداري لأكاديمية سوس ماسة يُصادقون بالإجماع على برنامج العمل وميزانية سنة 2025    مديرية الأمن تطلق البوابة الرقمية E-POLICE وخدمة الطلب الإلكتروني لبطاقة السوابق    كأس الرابطة الانجليزية: ليفربول يواصل الدفاع عن لقبه ويتأهل لنصف النهاية    بطولة فرنسا: ديمبيليه يقود باريس سان جرمان للفوز على موناكو والابتعاد في الصدارة    "البيجيدي" يدق ناقوس الخطر بشأن صفقة تحلية مياه البحر وشبهات تنازع المصالح    بوساطة من الملك محمد السادس.. إطلاق سراح أربعة مواطنين فرنسيين كانوا محتجزين بواغادوغو منذ دجنبر 2023    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    بعد التراجع 25 عاما إلى الوراء في مستوى تحصيل تلامذتنا في العلوم، هل تحدث الصدمة التربوية؟    رسمياً.. الأمن الوطني يقدم جميع خدماته الإدارية للمواطنين عبر موقع إلكتروني    ريال مدريد يتوج بكأس القارات للأندية لكرة القدم    الأندية المشاركة في بطولة القسم الممتاز لكرة القدم النسوية تعلن استنكارها لقرار العصبة الوطنية وتأثيره السلبي على مسار البطولة    فريق مستقبل المرسى ينتزع فوزًا ثمينًا على حساب فريق شباب الجنوب بوجدور        الولايات المتحدة.. الاحتياطي الفدرالي يخفض سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة خلال 2024    ما هي التحديات الكبرى التي تواجه القيادة السورية الجديدة؟    الملك يعزي الرئيس ماكرون في ضحايا إعصار تشيدو بأرخبيل مايوت    حجز آلاف الأدوية المهربة في مراكش    وزير الخارجية الشيلي: العلاقة الشيلية المغربية توفر إمكانيات كبيرة للتعاون    الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يخضع للرقابة بسوار إلكتروني لمدة سنة بعد إدانته بتهم الفساد واستغلال النفوذ    فرنسا تقيم الخسائر بعد إعصار مايوت    شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    كلمة .. شعبنا آيل للانقراض    شركة "أطلنطاسند" للتأمين تعلن عن تقليص مدة الخبرة والتعويض إلى 60 دقيقة فقط    بوريطة يؤكد الحاجة الماسة إلى "روح الصخيرات" لحل الملف الليبي    لماذا أرفض الرأسمالية ؟    الرجاء يستجدي جامعة كرة القدم لمساعدته في رفع المنع من التعاقدات    مؤجلات الجولة 31 من الدوري الاحترافي .. الوداد ضيف ثقيل على الجيش الملكي بالقنيطرة والكوديم يتحدى نهضة بركان    النقيب عبد الرحيم الجامعي يراسل عبد الإله بنكيران حول بلاغ حزبه المتعلق بعقوبة الإعدام    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار        وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    المغرب وإسبانيا يعيشان "أفضل لحظة في علاقاتهما الثنائية" (ألباريس)    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    أزمة اللحوم الحمراء بالمغرب بين تراجع الأغنام وسياسات الاستيراد    مزور يشرف على انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ بالبيضاء    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل اليهود والنصارى كفار؟
نشر في مغارب كم يوم 23 - 09 - 2013

يسود بين المسلمين فهم مجمل لموقف الإسلام من اليهود والنصارى (المسيحيين) منطلقه اعتبارهم كفاراً. وهذا يستدعي، وفق القراءة السلفية للنص الديني، مقاطعتهم وعدم التعامل معهم، بل محاربتهم، من دون نظر في جذر القضية وسياقها وتبعاتها.
فهل هم كفار بالمطلق أم ثمة فارق بينهم وبين الكفار الذين ينكرون الوجود الإلهي والميعاد والرسالات السماوية؟
ينطوي الرأي السائد بين المسلمين على سوء فهم وسوء تقدير في آن، حيث أن الإسلام قد اعترف بكل الأديان الأخرى، السماوية، وغير السماوية كذلك. قال تعالى: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» (البقرة: 285). واعتبر اتباعها مؤمنين بقوله: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (البقرة:62). وقوله: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (المائدة: 69). أو قوله عز من قائل: «إِن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد»(الحج:17).
لكنه مع ذلك لم يتغاض عما حصل بين اتباع الأديان السماوية بخاصة من تحول في موقفهم في قضية بالغة الأهمية والخطورة بالنسبة للإيمان: الألوهية، وتصورهم لطبيعة الإله وانعكاسه على عقيدة التوحيد. فقد انتقد اعتبار اليهود عزيراً ابن الله، والنصارى المسيح ابن الله: «وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون»(التوبة:30). وكذلك اعتقاد بعض النصارى بعقيدة التثليث: «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من اله إلا اله واحد وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب اليم» (المائدة: 73)، أو اعتبار بعضهم أن الله هو المسيح: «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» (المائدة: 17 و72).
واقع الحال أن اليهود والنصارى لا يختلفون عن المسلمين في أصول العقيدة (الألوهية، الميعاد، الرسالة) بل يتطابقون معهم فيها، فهم يؤمنون بوجود اله واحد، وبيوم الحساب/ القيامة، وبرسالة سماوية، وهي الأقانيم الثلاثة التي تجعل الإنسان مؤمناً بالمطلق، ثم يأتي الانتماء إلى رسالة سماوية محددة (رسالة موسى أو عيسى في حالتي اليهود والنصارى).
غير أن الأمر لم يقف عند هذه الأصول حيث حصل ما أشرنا إليه أعلاه بخصوص طبيعة الألوهية، إن لجهة تجسيدها في شخص (عزير بالنسبة لليهود والمسيح بالنسبة للنصارى) أو لجهة اختلاط واضطراب في طبيعة التوحيد نجم عن التعاطي مع مسألة دقيقة وحساسة، وفوق قدرة كثير من البشر على تصورها وتقبلها: ولادة إنسان من أم لم يمسسها بشر وتمتعه بقدرات كثيرة: شفاء المرضى، بعث الموتى، معرفة الغيب، مع تواضع قدرة المجتمعات آنذاك على التجريد، ومحاولة تفسيرها لتلك الولادة والقدرات وتبريرها عبر تصور فلسفي أساسه التجسيد أو الحلول.
وهنا توالدت نظريات عن طبيعة المسيح، وعقدت مجامع مسكونية عدة (أفسس، خلقيدونية، نيقية، القسطنطينية ..الخ) لمناقشة القضية، لعب فيها القياصرة دور المرجح (نسب إلي الفيلسوف المسلم أبي الريحان البيروني قوله: تروّمت النصرانية ولم تتنصر روما)، صدرت عنها قوانين للإيمان المسيحي انقسمت في ضوئها الكنائس بين شرقية وغربية، بين قائلة بطبيعة واحدة: إنسان، مخلوق (آريوس)، وقائلة بطبيعتين: اله وإنسان من دون امتزاج أو اختلاط (الأقباط)، وقائلة بطبيعة واحدة: اله بعد حلول اللاهوت/الله في الناسوت/ عيسى (الكنائس الغربية).
أحدث هذا التحول في نظرة اتباع اليهودية والمسيحية إلى الإله وطبيعته تشوشاً وخللاً في عقيدة التوحيد، ما استدعى نزول رسالة سماوية جديدة ليس للدعوة إلى الإيمان بوجود خالق ويوم حساب ورسل من جديد، وهي نقاط حسمتها الأديان السابقة، بل لإعادة الأمور في قضية التوحيد إلى جادة الصواب وتكريس وتعميق فكرة الإله الواحد القادر المنزّه: «قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد»، لما لذلك من أثر على الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الناس. فالتسليم بإله واحد أساس للمساواة بين البشر لأنه ينفي وجود آلهة أو أنصاف آلهة من البشر ويؤسس لندية اجتماعية، وسياسية كذلك، ويحرر البشر من الخضوع لبشر مثلهم بدعوى التميز والعلاقة الخاصة بالإله عبر الحلول أو التجسد أو التقمص وينفي القداسة عن مطلق إنسان. واختير لحملها شعب من الأميين، لم يسبق أن نزلت فيهم رسالة، كي لا تختلط الدعوة الجديدة بالثقافة الدينية المشوهة.
فرضت عملية إعادة الأوضاع إلى نصابها الرد على التحول الذي حدث في عقيدة التوحيد على أيدي اليهود وبعض النصارى فنزلت آيات قرآنية في الموضوع، آيات دقيقة وموجزة ومكثفة. نلاحظ دقة القرآن الكريم حين ناقش القضية حيث انطوى حديثه عن موقف النصارى على إشارة إلى وجود مواقف من القضية حيث قال: «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» و «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة»، ولم يقل كفر النصارى بالمطلق، بينما في حالة اليهود هناك إجماع حول اعتبار عزير ابن الله فقال: «قالت اليهود عزير ابن الله»، فرضت دعوة أصحاب هذه المواقف إلى العودة إلى ما جاء في رسالتي موسى وعيسى عليهما السلام والتي لا تختلف، كما أسلفنا، عما جاء في رسالة محمد عليه السلام بخصوص أصول العقيدة، والتخلي عن التصورات المغلوطة حول طبيعة الذات الإلهية.
وهذا استدعى من الرسالة الجديدة عرض هذه المواقف وأخذ موقف واضح منها لكنها لم تتجاهل المشترك الإيماني معهم (الألوهية والميعاد والرسالة) فاعتبرت المواقف المستجدة طارئة وغير جوهرية ووصفت تبنيها بالكفر لكنها لم تعتبر أتباعها كفاراً مثل الذين ينكرون الوجود الإلهي والميعاد والرسالة قالت الآية «كفر الذين قالوا»، أي اقترفوا ذنب الكفر، ولم تقل إنهم كفار، ودعتهم إلى العودة عن هذا الموقف والانحياز إلى التوحيد الخالص، التوحيد المنزه. كما جعلت محاسبتهم أخروية يوم الحساب، قالت الآية: «إِن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد» (الحج: 17). وقالت: «لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من اله إلا اله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم» (المائدة: 73). ولم تدعُ إلى مقاطعتهم أو مفاصلتهم، قالت الآية: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» (الممتحنة: 8) وفي آية أخرى: «وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين» (الأنعام: 68).
إذن الله يفصل بين أصحاب المواقف المتناقضة في الإيمان أو في بعض جزئياته ويعاقب المنكر وفاسد الإيمان، وليس من حق أحد محاسبتهم في الدنيا ما لم يقعوا في جرم الحرابة، كما شرّع لاستمرار العلاقة مع اتباع هذه الأديان والتعاون معهم واعتزال مجالسهم فقط إذا كانوا يتحدثون عن آيات الله عز وجل بسوء حتى يغيروا الحديث، أما في الحالة الاعتيادية فعلاقات إنسانية طبيعية في خدمة الإنسان كإنسان بصرف النظر عن عقيدته الدينية والمذهبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.