المدير العام ل"سافران": البنيات التحتية الحديثة والكفاءات المغربية وراء قرار الاستثمار بالمملكة    الأمم المتحدة/الصحراء.. السنغال تجدد تأكيد دعمها الثابت للمخطط المغربي للحكم الذاتي    رئيس الحكومة يدعو إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين المرافق العمومية ووسيط المملكة    الرئيس الأمريكي ترامب في قمة شرم الشيخ: تحقق المستحيل وأصبح لدينا أخيرا سلام في الشرق الأوسط    المنتخب المغربي يصطدم بفرنسا في نصف نهائي مونديال أقل من 20 سنة    العثور على جثة بدون رأس بشاطئ الديزة بمرتيل    المغرب يسجل عجزاً ب50,5 مليار درهم    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    برنامج "المثمر" يرافق مسار نساء قرويات داخل التعاونيات الفلاحية بالمغرب    820 مليون درهم لتحويل ورزازات إلى وجهة مرجعية في السياحة الثقافية المستدامة    أسعار الذهب والفضة تقفز لمستوى قياسي جديد    اليساري مصطفى البراهمة في ذمة الله    "حماس" تسلم الدفعة الأخيرة من الرهائن    نتنياهو يعلن الغياب عن "قمة مصر"    هيئة حقوقية تطالب بمراجعة قوانين التظاهر ووقف متابعة المحتجين السلميين    وهبي: يبدو أني الوحيد في جهة الأغلبية .. الجميع اختار صف المعارضة    الكشف عن أثمنة تذاكر "كان" المغرب    المغرب يضرب موعدا مع فرنسا في قبل نهائي كأس العالم للشباب    صحيفة إسبانية: المغرب يفرض نفسه كأبرز المرشحين لكأس العالم بعد أداء "لا يمكن وقفه"    بنسعيد: رهانات 2030 بالمغرب تتطلب تطوير المشهد الإعلامي الوطني    برادة: الجيل "زد" ينبّه لإكراهات قائمة.. وميزانية الملاعب لا تعطل الأولويات    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    حملات أمنية تمشيطية واسعة بغابات طنجة وتطوان لتوقيف المهاجرين    فوز 3 علماء بجائزة نوبل في الاقتصاد    منعم السليماني يتألق مع نجوم عالميين    لافونتين المغربي والخطاب السياسي..    معايير منح جائزة نوبل بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة إلى غاية 20 أكتوبر    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    منظمة الصحة تحذر: البكتيريا المقاومة للمضادات تهدد الأرواح    علماء كنديون يكتشفون طريقة بسيطة عن طريق تحليل عينات من أظفار القدم للكشف المبكر عن سرطان الرئة    جائزة نوبل للأدب بيان ضدّ الشعبوية الأوروبية    «بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء» .. ما بين المبتدأ وشبه الجملة، ينهمر شعر مينة الأزهر    إدغار موران: فيلسوف العصر العاشق للحمراء    جدد مطالبته بالعمل على تأسيس إطار قانوني ملزم للعدالة المجالية في الجبال.. الائتلاف المدني من أجل الجبل يدعو إلى اعتماد سياسة مندمجة تراعي الخصوصيات    المجلس الاقتصادي يعارض عضويته في مجلس الصحافة ويقترح تمثيل جمعيات حماية المستهلك    المغرب يفوز بأربع ميداليات خلال الدوري الدولي المفتوح للكيك بوكسينغ بأوزبكستان    فعاليات المعرض المغاربي للكتاب في دورته الخامسة بمدينة وجدة    ولد الرشيد: حرية الصحافة وسيلة لمحاربة الفساد وشرط أساسي لبناء الثقة بين المواطن والدولة    روسيا–إيران–الجزائر.. صفقات تسليح سرية: وصحيفة إيطالية تؤكّد أن المثلث العسكري الجديد يُقلق الغرب    الرئيس الصيني يدعو إلى مسيرة جديدة لتحقيق المساواة وتمكين المرأة عالمياً    الصين: ارتفاع الصادرات بنسبة 8,3 بالمائة في شتنبر رغم التوترات التجارية مع واشنطن    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    الجامعة الملكية المغربية لكرة المضرب تعقد جمعها العام العادي    وهبي: نقاتل من أجل المغرب.. وحلمنا رفع كأس العالم    كيوسك الإثنين | تحذيرات من التواطؤ الثابت بين البوليساريو والجماعات الإرهابية    مصرع عون مساعدة بشركة الطرق السيارة في حادثة سير بالقنيطرة    الملك يشرف اليوم على تدشين مصنع لصناعة أجزاء الطائرات بالدار البيضاء    إيطاليا.. العداء المغربي الحسين العزاوي يتوج بطلا للعالم في سباق "غولدن تريل ورلد سيريز"    الفلبين: زلزال بقوة 5,8 درجة يضرب جزيرة سيبو    نجيب أقصبي ل "لوموند": حركة "جيل زد" نتيجة مباشرة ل "رأسمالية التواطؤ" في المغرب التي سحقت الفقراء والطبقة الوسطى    نظام آلي جديد يراقب حدود أوروبا    العِبرة من مِحن خير أمة..    الإصابة بضعف المعصم .. الأسباب وسبل العلاج    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناقشات : الإسلام والإيمان: التمييز والفصل بينهما

الدكتور محمد شحرور حرر جملة من الأفكار في مؤلفاته، وعرض بعضها في هذه الجلسة، ويمكن أن أقول معه أو أشاركه الرأي في بعض القضايا التي طرحها.
منها أن الواجب عدم اعتبار أقوال السابقين شريعة مقدسة غير قابلة للمراجعة، بل هي آراء اجتهادية قابلة للمراجعة دائما، ليس فقط لتغيير الزمن وإنما أيضا لأن التكليف في الإسلام شخصي والمسؤولية عن فهم الشريعة وتطبيقها شخصية كذلك. قال تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، إقرأ كتابك كفا بنفسك اليوم عنك حسيبا، من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها" -سورة الإسراء.
فمن هذه الناحية إذن فهم كتاب الله، أمر واجب علينا جميعا بصورة شخصية وليس كما يقال بكفاية التبعية والتقليد، أي يكفيني أن أسأل فلانا فما أخبرني به فهو الشريعة.
وأشاركه في فكرة ثانية وهي أننا معشر المجتمع الإسلامي قصرنا اهتمامنا على الجانب الشعائري وأهملنا الجانب السلوكي، وهو ما أدى بنا إلى الحضيض الذي نعيشه، سواء في حياتنا الخاصة أو في حياتنا العامة، في مرافقنا الاجتماعية وفي حياتنا الأسرية الداخلية.
وأشاركه الرأي مرة ثالثة في أن أتباع جميع الرسل السابقين يسمون مسلمين ولكنني أختلف معه حول استمرار هذا الوصف بعد بعث رسول آخر، إنني أقول يتوقف وصف الإسلام عندما تأتي شريعة لاحقة ناسخة للسابقة، فمن كفر بها لا يبقى "مسلما"، لا أشير إلى الإسلام ولكن لنرجع إلى بعث سيدنا عيسى عليه السلام في بني إسرائيل الذين كانوا على شريعة موسى (ص) ودعاهم إلى الإيمان به، كما تؤكد ذلك هذه الآيات: "ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم" آل عمران. وقوله تعالى في سورة الصف "وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة"، وفي نفس السورة كذلك "كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصارى إلى الله، قال الحواريون، نحن أنصار الله". ماذا حدث بعد ذلك ؟ تتمة الآية تقول: "فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة".
طائفة آمنت بماذا ؟ وطائفة كفرت بماذا ؟ الجواب: الإيمان والكفر بشريعة عيسى ؛ فالطائفة التي كفرت ما تزال على ملة موسى ولكن الله اعتبرها كافرة لأنها وقفت في وجه الرسالة الجديدة: رسالة عيسى عليه السلام فقد كان اليهود مسلمين عندما بعث عيسى لكن من لم يؤمن به لم يبق مسلما، ارتفع عنه اسم الإسلام وأصبح كافرا، وإن تمسك بشريعة التوراة بصريح الآية الأخيرة من سورة الصف.
ثم أرجع إلى الفكرة الأساسية في تدخل الدكتور شحرور، وقبل ذلك أفتح قوسين وأعقب بإيجاز على الكلمة التي أشار إليها الأستاذ حميش وهي كلمة "صلاة".
حقيقة لا يمكن لنا أن نقول إن صلى من "صلة" أبدا، فالصلة من وصل أي من جذع يتكون من الواو والصاد واللام، أما الجذع الذي يتكون من الواو والصاد وحرف العلة فهو الدعاء في اللغة العربية، وقد رجعت إلى كل المراجع بما في ذلك مرجع ابن فارس الذي اعتمده كثيرا الدكتور شحرور في كتابه "معجم اللغة العربية" فلم أجد فيه علاقة في الدلالة بين كلمتي "صلاة" و "صلة" إذن لا يمكن أن نخلط بين وصل وبين صلى، و إذا كانت هنالك صلاة مكتوبة في القرآن بالواو وأخرى بالألف، فإن التي تكتب بالواو لا تكون مضافة والتي تكتب بالألف تكون مضافة لا أقل ولا أكثر.
أكتفي بهذا لأن الوقت لا يرحم وربما السيد الرئيس أوقفني قبل أن أتم الفكرة الأساسية التي تدور عليها المناقشة وهي الإسلام والإيمان والتمييز والفصل بينهما. والذي يهمني هو النتائج الخطيرة التي تترتب عن ذلك. الفكرة بصورة إجمالية كما استمعنا إليها من الدكتور شحرور هي أن الإسلام إيمان بوحدانية الله، وباليوم الآخر، والعمل الصالح الذي سماه الأستاذ شحرور بعدة اصطلاحات: الصراط المستقيم، الفرقان، الوصايا، المثل العليا أو القيم إلى آخره. هذا هو الإسلام في نظره.
الإيمان بوحدانية الله وباليوم الآخر ربما لا يثير مشاكل ولا تترتب عليه نتائج متباينة، سميناه إيمانا، أو إسلاما. لكن الذي يهم هو الفقرة الأخيرة: العمل الصالح، أو الفرقان، أو الصراط المستقيم، ماذا يترتب عن تسميته إيمانا أو إسلاما ؟
هنالك حسب وجهة نظر الأستاذ شحرور والتي أحترمها بطبيعة الحال
الوصايا العشر التي أشار إليها في سورة الأنعام التي تبتدئ بقوله سبحانه وتعالى: "قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم"، و هذه سماها فرقانا عاما أي يشمل جميع الرسالات السماوية وهنالك إلى جانبها فرقان خاص بأمة محمد ابن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وقد أتى بكثير من الأمثلة منها ؛ ربما سأشير إلى بعضها
فيما بعد.
الذي يهم هو أن هنالك عملا صالحا لمجموع المسلمين ولو أن هذا فيه تجاوز لأن هذه الوصايا العشر نقول إنها كانت للرسل، ولكن بالنسبة للأستاذ شحرور المسلمون غير قاصرين على أتباع هؤلاء فالقبيلة الهندية في الأمازون
أو في الألاسكا، أو السكان الأصليون في أستراليا أو في مجاهل إفريقيا أو في أي مكان من الأرض إذا استطاعوا أن يتوصلوا بعقولهم إلى وحدانية الله وهو ما يسميه الدكتور بدين الفطرة الذي لا يتوقف على رسول ولا نبي، وآمنوا باليوم الآخر فلهم أن يحددوا أعمالهم الصالحة (الفرقان) لأنه ليست هناك رسالة وصلتهم. إذن العمل الصالح الذي يتحقق به الإسلام هو:
- ما يحدده ويدركه الناس بأفكارهم وعقولهم حيث لم تصلهم رسالة سماوية.
- الوصايا العشر بالنسبة لأتباع جميع الرسل.
- الفرقان الخاص الموحى به إلى محمد (ص) بالنسبة للمؤمنين به وحدهم.
ننتقل إلى الإيمان: الإيمان لا يشمل إلا أتباع محمد بن عبد الله (ص)، وأول ركنه أشهد أن محمدا رسول الله بمعنى أن غير أتباعه غير ملزمين بالاعتراف برسالته، وإلى جانب هذه الشهادة هنالك الشعائر من صوم، وصلاة، وحج، وأضاف الأستاذ شحرور الشورى والجهاد في الختام.
يتبين من هذا أن هنالك إسلامات، وهنالك إيمانات، إذا صح هذا الجمع، لماذا ؟ لأننا:
- في الإسلام نتفق مع الآخرين ي وحدانية الله، وفي الإيمان باليوم الآخر، وفي الوصايا العشر أي الفرقان العام، ونختلف معهم في الفرقان الخاص.
- وفي الإيمان نختلف معهم لأننا نحن نقول أشهد أن محمدا رسول الله، المسيحي يقول أشهد أن عيسى رسول الله، اليهودي يقول أشهد أن موسى رسول الله، والتكاليف نتفق معهم في بعضها مثل الصلاة والصوم، والزكاة التي اخبر القرآن أنها فرضت كذلك على من قبلنا مع ما قد يكون هنالك من الاختلاف في الشكل والمضمون. ونختلف معهم في البعض الآخر كالحج وما أضافه الدكتور شحرور من الشورى والجهاد.
- إذن هنالك إسلامات وهنالك إيمانات وهذا هو المشكل الأساسي الذي دعاني إلى التدخل نظرا للنتائج التي ستترتب عن هذا التصور، أي عندما نفصل بين الإيمان والإسلام بهذا الشكل، فما هي هذه النتائج ؟
أولى هذه النتائج، أنها تتناقض مع ما نادى به الأستاذ شحرور نفسه في ما يرجع إلى مفهوم النسخ، فهو يعدد في كتابه "الإسلام والإيمان" 51 حكما بعضها -حسب اصطلاحه- من الفرقان العام والبعض الآخر من الفرقان الخاص، ثم يقول بعد ذلك مباشرة في ص 126 بالحرف: "كل ما ورد خلاف هذه المثل والأحكام في المراحل التي سبقت الرسالة المحمدية يعتبر منسوخا" يا
سبحان الله، كيف نقول منسوخا إذا ما كان اليهودي ما يزال ملزما بشعائر دينه، كيف يكون منسوخا، إذا ما كان المسيحي ما يزال ملزما بشعائر دينه، فما هو مفهوم النسخ ؟ النسخ يقتضي أن يرتفع الحكم السابق أما إذا كان ما يسميه الدكتور شحرور بالفرقان الخاص لا يلزم به اليهود والمسيحيون مثلا، فإننا لا نكون أمام أي نسخ، حيث يكون هذا الفرقان الخاص، أتى لطائفة هم المؤمنون بمحمد ولم يأت للطائفة الأخرى من المؤمنين بالرسالات السابقة. فكيف نفسر هذا التناقض ؟ وهذا هو السؤال الأول الذي أوجهه إلى الأستاذ شحرور.
النتيجة الثانية، أننا عندما نقول بهذه المقولة نبطل سنة التطور والحنيفية كما يسميها الأستاذ شحرور. لماذا تعددت الرسالات السماوية إذا كان ما نزل
على نوح ما يزال قابلا للتطبيق، وأن كل مؤمن بأية رسالة من الرسالات السابقة، بل وحتى الذين أدركوا مفهوم الإسلام بالفطرة، كل هؤلاء "مسلمون" لهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم استنادا إلى آية: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم و لا هم يحزنون" أقول عندما نتمسك بهذا، فأين سنة التطور إذا كانت الأحكام التي أوحى بها إلى سيدنا نوح التي ربما سنعثر عليها غدا أو بعد غد في الحفريات أو أوحى بها إلى غيره من الأنبياء ما تزال واجبة التطبيق، وأنه يجب الإيمان بها على من أراد من بني البشر ؟
النتيجة الثالثة أن هذه المقولة تنفي كل مبرر لتعدد الرسالات السماوية، لماذا تتعدد؟ ما هو المبرر ؟ لماذا أوحي إلى نوح ثم صالح ثم موسى ثم عيسى ثم محمد، صلوات الله عليهم جميعا؟
النتيجة الرابعة وربما هي الأخطر، رسالات السماء كما نفهمها أنها أتت لمساعدة الإنسان على الوعي بنفسه، والوعي بما حوله، وإرشاده في تنظيم نفسه وتنظيم مجتمعه وتنظيم سلوكه، أعتقد أن هذا هو الهدف من الرسالة السماوية.
لكن عندما نأخذ بهذه النظرية، ونفصل بين الإسلام والإيمان، و بالتفسير السالف الذكر فإننا ننتهي إلى أن الرسالات السماوية هي الفوضى، هي اللامعقول، هي اللاعدل.
وأشرح هذا بقدر ما يسمح به الوقت:
- أولا هي فوضى، نعم فوضى عندما يقول الله لتابع موسى، تزوج بنت أخيك ويقول للمؤمن بمحمد، لا تتزوجها، هذا حرام، يقول لتابع ملة المسيح مثلا، تزوج أمك من الرضاع، تزوج أختك من الرضاع ويقول للمؤمن (المصطلح الذي استعمله الدكتور شحرور)، هذا حرام. يقول للمسيحي اشرب الخمر، أي إنها مباحة، ويقول للمؤمن بمحمد هذا حرام، يقول لليهودي، إذا زنيت فالجزاء هو الرجم، ودائما على رأي الأستاذ شحرور، ويقول للمسلم، إذا زنيت، تكفيك مائة جلدة. هل هذا تشريع ؟ أم فوضى ؟ إنها الفوضى بالتأكيد ما دامت كل هذه الشرائع مفتوحة ومعروضة على كل البشر، وللفرد أن يختار واحدة منها كيف يشاء.
- ثانيا قلت إنه يترتب عليها اللاعدل نعم اللاعدل، يقول الله سبحانه وتعالى:
"ولا تاكلول أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام... «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود»
"يا أيها الذين آمنوا، لم تقولون ما لا تفعلون ؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
هذه الأحكام وغيرها كثير هي من الفرقان الخاص (ص 65 و 66 من كتاب الإسلام والإيمان).
فاليهودي والمسيحي غير مخاطبين بها فهل من العدل أن المؤمن بمحمد (ص) إذا لم يتمثل لمثل هذه الآيات، استحق غضب الله ومقته الكبير، بينما المؤمنون بباقي الرسالات لا يؤاخذهم الله بشيء عن ذلك، بل هم غير مطالبين به نهائيا. ثم يتساوى الجميع في الجزاء: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
يقول لي الحق سبحانه: يا أيها الذين آمنوا، إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ويقول للمسيحي: «اشربها فهي رزق حسن»، ويقول: «يا أيها الذين آمنوا، لا يسخر قوم من قوم عسى ن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أي يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم و لا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب، فأولئك هم الظالمون» ويبقى هذا السلوك الشنيع المنهي عنه، مباحا بالنسبة لأتباع بقية الرسل.
ثالثا: قلت إنه يترتب عليها اللامعقول، كيف اللامعقول ؟ أي نتيجة لا يقبلها أي إنسان كيفما كان. والأستاذ شحرور يركز كثيرا على المصداقية الخارجية...
الشرائع السماوية مفتوحة أمام البشر كله. فلا وجود لتقسيم جغرافي أو سلالي يفصل بين الرسالات. و لا يمكن تعيين ولو شخص واحد، والقول بأنه مخاطب بالدعوة المحمدية، أو بالدعوة المسيحية، أو بالدعوة الموسوية دون سواها.
وموسى وعيسى عليهما السلام و أن بعثا في بني إسرائيل، فلا أحد يزعم أن غير بني إسرائيل كان ممنوعا من الإيمان برسالتيهما، كيف وقد آمن برسالة موسى في بدايتها عدد من المصريين، بل تكرر في القرآن أكثر من خمس مرات أن موسى أرسل كذلك إلى أهل مصر، من ذلك: "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملائه" -سورة هود.
مع العلم أنه حتى بني إسرائيل يتعذر اليوم فصلهم بيولوجيا عن باقي البشر.
إذا كان الأمر كذلك فإن تعدد الشرائع السماوية الموجهة إلى المجتمع الإنساني مع اختلاف أحكامها، تكون بمثابة تعدد القوانين في المجتمع السياسي تبعا للانتماءات الإيديولوجية.
مثل أن يصدر في المغرب قانون يبيح التدخين للمنتمين إلى أحد الأحزاب السياسية ويمنعه ويعاقب عليه بالنسبة للمنتمين إلى حزب معين آخر.
(إباحة الخمر للمسيحيين، وتحريمه والعقاب على تناوله من المؤمنين بمحمد (ص)).
أو قانون يعاقب على تناول المخدرات بالإعدام، ويخفف هذه العقوبة إلى شهر حبسا إذا كان المتهم منتميا إلى حزب معين (عقاب اليهودي على الزنا بالرجم، والاكتفاء -حسب الدكتور شحرور- بمائة جلدة بالنسبة للمؤمنين بمحمد (ص)).
هل هنالك عاقل يقبل مثل هذه القوانين في المجتمعات السياسية التي نعيش فيها؟ فكيف يمكن القول بذلك عن شرائع الله ؟. ونزعم أنها جميعا مفتوحة أمام كل البشر، وأن من آمن بأية واحدة منها يدخل تحت آية: «إن الذين آمنوا، والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم الآخر و عمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم و لا هم يحزنون».
إن التمييز بين الإسلام والإيمان أكده القرآن: «قالت الأعراب آمنا، قل لم تومنوا، ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم» (سورة الحجرات). ولكن ليس بالمعنى الذي يدعو إليه الدكتور شحرور والذي تترتب عنه نتائج خطيرة أشرنا إلى بعضها.
وهذه النتائج غير المقبولة هي التي حملتني على انتقاد الدكتور شحرور ومناقشته في أطروحته والقول بالتالي إن شرائع الله المتتالية، ينسخ اللاحق منها السابق، مسايرة لسنة التطور، وأن هذا ليس قاصرا على شريعة محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ينطبق كذلك على شريعة عيسى (ص) فلم تبق يهودية بعد بعثه. ومن كفر به لم يبق مسلما وإن تمسك بشريعة موسى (ص) وكذلك من لم يؤمن برسالة محمد (ص) من المسيحيين، لا يمكن وصفه بالمسلم لتعارض هذا الوصف مع الكفر بشريعة الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.