مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    أستراليا.. الشرطة تؤكد أن مطلقي النار في بونداي تدربا على الهجوم في ريف البلاد    مصر تفتتح مشاركتها في الكان اليوم وتطمح للفوز على زيمبابوي    مدرب جزر القمر: المغرب قوي جدا.. وهذه هي الحقيقة    جريمة قتل مروعة تهز منطقة بني يخلف نواحي المحمدية    الركراكي: المباراة عرفت توترا كبيرا خاصة في الشوط الأول بسبب تضييع ضربة الجزاء وخروج سايس مصابا لكننا حققنا المهم    استمرار الأجواء الباردة والممطرة في توقعات اليوم الاثنين بالمغرب    الجديدة تستضيف الدورة الأولى للمؤتمر الدولي حول الفيزياء الكمية والابتكار الطاقي    المنتخب يرفع نبض الجماهير في وجدة    "الأسود" يشيدون بالدعم الجماهيري بعد الفوز في افتتاح "الكان"    انتصار البداية يعزز ثقة "أسود الأطلس" في بقية مسار كأس إفريقيا للأمم    أزيد من 60 ألف متفرج في المنتخب    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    أسود الأطلس يبدأون رحلة المجد الإفريقي بالفوز على جزر القمر    رصيف الصحافة: النيابة العامة تنتظر نتائج تشريح جثة رضيعة في فاس    أمطار غزيرة تعم جماعات إقليم الحسيمة وتنعش آمال الفلاحين    المديرية العامة للأمن الوطني ترفع جاهزيتها لإنجاح العرس الإفريقي    تعليق الدراسة بعدد من المؤسسات التعليمية بإقليم الحسيمة بسبب الامطار والثلوج        تصعيد ديموقراطي ضد إدارة ترامب لمحاولتها التعتيم على "وثائق إبستين"    تصعيد خطير بعد دعوات لطرد الإماراتيين من الجزائر    فرض مبالغ إضافية دون مقابل يثير الجدل في مقاهي طنجة خلال كأس أمم إفريقيا    في الذكرى الخامس للتطبيع.. تظاهرات بالمدن المغربية للمطالبة بإسقاطه ووقف الجرائم في فلسطين    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وهبات رياح من اليوم الأحد إلى الأربعاء المقبل    ماكرون يبحث في أبوظبي فرص التعاون    وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم إستراتيجيتها لدعم قطاع التجارة في القدس برسم سنة 2026    القوات المسلحة الملكية تنشئ ثلاث مستشفيات عسكرية ميدانية بأقاليم أزيلال والحوز وميدلت    دليلة الشعيبي نمودج الفاعلة السياحية الغيورة على وجهة سوس ماسة    أدب ومحاكمة ورحيل    "مجموعة نسائية": الأحكام في حق نزهة مجدي وسعيدة العلمي انتهاك يعكس تصاعد تجريم النضال    "محمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة من خلال الصحافة المصرية" موضوع اطروحة دكتوراه بكلية عين الشق    أزمة المقاولات الصغيرة تدفع أصحابها لمغادرة الحسيمة ومهنيون يدقون ناقوس الخطر    مسلحون مجهولون يفتحون النار على المارة في جنوب إفريقيا    السعدي: أعدنا الاعتبار للسياسة بالصدق مع المغاربة.. ولنا العمل وللخصوم البكائيات    حركة "التوحيد والإصلاح" ترفض إعلانًا انفصاليًا بالجزائر وتدعو إلى احترام سيادة الدول    "فيسبوك" تختبر وضع حد أقصى للروابط على الصفحات والحسابات المهنية    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    نقابة التعليم بالحزام الجبلي ببني ملال تنتقد زيارة المدير الإقليمي لثانوية بأغبالة وتحمّله مسؤولية تدهور الأوضاع    اختتام حملتي "حومتي" و"لقلب لكبير" بجهة طنجة تطوان الحسيمة: مسيرة وطنية بروح التضامن والعطاء    "تيميتار" يحوّل أكادير عاصمة إفريقية    خطر التوقف عن التفكير وعصر سمو التفاهة    أكادير تحتفي بالعالم بصوت أمازيغي    الدرهم في ارتفاع أمام اليورو والدولار    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي في دورته الثانية يشرع في تلقي الأفلام    كأس إفريقيا .. مطارات المغرب تحطم أرقاما قياسية في أعداد الوافدين    الفنانة سمية الألفي تغادر دنيا الناس    البنك الدولي يوافق على منح المغرب أربعة ملايين دولار لتعزيز الصمود المناخي    فتح الله ولعلو يوقّع بطنجة كتابه «زمن مغربي.. مذكرات وقراءات»    الشجرة المباركة تخفف وطأة البطالة على المغاربة    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناقشات : الإسلام والإيمان: التمييز والفصل بينهما

الدكتور محمد شحرور حرر جملة من الأفكار في مؤلفاته، وعرض بعضها في هذه الجلسة، ويمكن أن أقول معه أو أشاركه الرأي في بعض القضايا التي طرحها.
منها أن الواجب عدم اعتبار أقوال السابقين شريعة مقدسة غير قابلة للمراجعة، بل هي آراء اجتهادية قابلة للمراجعة دائما، ليس فقط لتغيير الزمن وإنما أيضا لأن التكليف في الإسلام شخصي والمسؤولية عن فهم الشريعة وتطبيقها شخصية كذلك. قال تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، إقرأ كتابك كفا بنفسك اليوم عنك حسيبا، من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها" -سورة الإسراء.
فمن هذه الناحية إذن فهم كتاب الله، أمر واجب علينا جميعا بصورة شخصية وليس كما يقال بكفاية التبعية والتقليد، أي يكفيني أن أسأل فلانا فما أخبرني به فهو الشريعة.
وأشاركه في فكرة ثانية وهي أننا معشر المجتمع الإسلامي قصرنا اهتمامنا على الجانب الشعائري وأهملنا الجانب السلوكي، وهو ما أدى بنا إلى الحضيض الذي نعيشه، سواء في حياتنا الخاصة أو في حياتنا العامة، في مرافقنا الاجتماعية وفي حياتنا الأسرية الداخلية.
وأشاركه الرأي مرة ثالثة في أن أتباع جميع الرسل السابقين يسمون مسلمين ولكنني أختلف معه حول استمرار هذا الوصف بعد بعث رسول آخر، إنني أقول يتوقف وصف الإسلام عندما تأتي شريعة لاحقة ناسخة للسابقة، فمن كفر بها لا يبقى "مسلما"، لا أشير إلى الإسلام ولكن لنرجع إلى بعث سيدنا عيسى عليه السلام في بني إسرائيل الذين كانوا على شريعة موسى (ص) ودعاهم إلى الإيمان به، كما تؤكد ذلك هذه الآيات: "ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم" آل عمران. وقوله تعالى في سورة الصف "وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة"، وفي نفس السورة كذلك "كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصارى إلى الله، قال الحواريون، نحن أنصار الله". ماذا حدث بعد ذلك ؟ تتمة الآية تقول: "فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة".
طائفة آمنت بماذا ؟ وطائفة كفرت بماذا ؟ الجواب: الإيمان والكفر بشريعة عيسى ؛ فالطائفة التي كفرت ما تزال على ملة موسى ولكن الله اعتبرها كافرة لأنها وقفت في وجه الرسالة الجديدة: رسالة عيسى عليه السلام فقد كان اليهود مسلمين عندما بعث عيسى لكن من لم يؤمن به لم يبق مسلما، ارتفع عنه اسم الإسلام وأصبح كافرا، وإن تمسك بشريعة التوراة بصريح الآية الأخيرة من سورة الصف.
ثم أرجع إلى الفكرة الأساسية في تدخل الدكتور شحرور، وقبل ذلك أفتح قوسين وأعقب بإيجاز على الكلمة التي أشار إليها الأستاذ حميش وهي كلمة "صلاة".
حقيقة لا يمكن لنا أن نقول إن صلى من "صلة" أبدا، فالصلة من وصل أي من جذع يتكون من الواو والصاد واللام، أما الجذع الذي يتكون من الواو والصاد وحرف العلة فهو الدعاء في اللغة العربية، وقد رجعت إلى كل المراجع بما في ذلك مرجع ابن فارس الذي اعتمده كثيرا الدكتور شحرور في كتابه "معجم اللغة العربية" فلم أجد فيه علاقة في الدلالة بين كلمتي "صلاة" و "صلة" إذن لا يمكن أن نخلط بين وصل وبين صلى، و إذا كانت هنالك صلاة مكتوبة في القرآن بالواو وأخرى بالألف، فإن التي تكتب بالواو لا تكون مضافة والتي تكتب بالألف تكون مضافة لا أقل ولا أكثر.
أكتفي بهذا لأن الوقت لا يرحم وربما السيد الرئيس أوقفني قبل أن أتم الفكرة الأساسية التي تدور عليها المناقشة وهي الإسلام والإيمان والتمييز والفصل بينهما. والذي يهمني هو النتائج الخطيرة التي تترتب عن ذلك. الفكرة بصورة إجمالية كما استمعنا إليها من الدكتور شحرور هي أن الإسلام إيمان بوحدانية الله، وباليوم الآخر، والعمل الصالح الذي سماه الأستاذ شحرور بعدة اصطلاحات: الصراط المستقيم، الفرقان، الوصايا، المثل العليا أو القيم إلى آخره. هذا هو الإسلام في نظره.
الإيمان بوحدانية الله وباليوم الآخر ربما لا يثير مشاكل ولا تترتب عليه نتائج متباينة، سميناه إيمانا، أو إسلاما. لكن الذي يهم هو الفقرة الأخيرة: العمل الصالح، أو الفرقان، أو الصراط المستقيم، ماذا يترتب عن تسميته إيمانا أو إسلاما ؟
هنالك حسب وجهة نظر الأستاذ شحرور والتي أحترمها بطبيعة الحال
الوصايا العشر التي أشار إليها في سورة الأنعام التي تبتدئ بقوله سبحانه وتعالى: "قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم"، و هذه سماها فرقانا عاما أي يشمل جميع الرسالات السماوية وهنالك إلى جانبها فرقان خاص بأمة محمد ابن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وقد أتى بكثير من الأمثلة منها ؛ ربما سأشير إلى بعضها
فيما بعد.
الذي يهم هو أن هنالك عملا صالحا لمجموع المسلمين ولو أن هذا فيه تجاوز لأن هذه الوصايا العشر نقول إنها كانت للرسل، ولكن بالنسبة للأستاذ شحرور المسلمون غير قاصرين على أتباع هؤلاء فالقبيلة الهندية في الأمازون
أو في الألاسكا، أو السكان الأصليون في أستراليا أو في مجاهل إفريقيا أو في أي مكان من الأرض إذا استطاعوا أن يتوصلوا بعقولهم إلى وحدانية الله وهو ما يسميه الدكتور بدين الفطرة الذي لا يتوقف على رسول ولا نبي، وآمنوا باليوم الآخر فلهم أن يحددوا أعمالهم الصالحة (الفرقان) لأنه ليست هناك رسالة وصلتهم. إذن العمل الصالح الذي يتحقق به الإسلام هو:
- ما يحدده ويدركه الناس بأفكارهم وعقولهم حيث لم تصلهم رسالة سماوية.
- الوصايا العشر بالنسبة لأتباع جميع الرسل.
- الفرقان الخاص الموحى به إلى محمد (ص) بالنسبة للمؤمنين به وحدهم.
ننتقل إلى الإيمان: الإيمان لا يشمل إلا أتباع محمد بن عبد الله (ص)، وأول ركنه أشهد أن محمدا رسول الله بمعنى أن غير أتباعه غير ملزمين بالاعتراف برسالته، وإلى جانب هذه الشهادة هنالك الشعائر من صوم، وصلاة، وحج، وأضاف الأستاذ شحرور الشورى والجهاد في الختام.
يتبين من هذا أن هنالك إسلامات، وهنالك إيمانات، إذا صح هذا الجمع، لماذا ؟ لأننا:
- في الإسلام نتفق مع الآخرين ي وحدانية الله، وفي الإيمان باليوم الآخر، وفي الوصايا العشر أي الفرقان العام، ونختلف معهم في الفرقان الخاص.
- وفي الإيمان نختلف معهم لأننا نحن نقول أشهد أن محمدا رسول الله، المسيحي يقول أشهد أن عيسى رسول الله، اليهودي يقول أشهد أن موسى رسول الله، والتكاليف نتفق معهم في بعضها مثل الصلاة والصوم، والزكاة التي اخبر القرآن أنها فرضت كذلك على من قبلنا مع ما قد يكون هنالك من الاختلاف في الشكل والمضمون. ونختلف معهم في البعض الآخر كالحج وما أضافه الدكتور شحرور من الشورى والجهاد.
- إذن هنالك إسلامات وهنالك إيمانات وهذا هو المشكل الأساسي الذي دعاني إلى التدخل نظرا للنتائج التي ستترتب عن هذا التصور، أي عندما نفصل بين الإيمان والإسلام بهذا الشكل، فما هي هذه النتائج ؟
أولى هذه النتائج، أنها تتناقض مع ما نادى به الأستاذ شحرور نفسه في ما يرجع إلى مفهوم النسخ، فهو يعدد في كتابه "الإسلام والإيمان" 51 حكما بعضها -حسب اصطلاحه- من الفرقان العام والبعض الآخر من الفرقان الخاص، ثم يقول بعد ذلك مباشرة في ص 126 بالحرف: "كل ما ورد خلاف هذه المثل والأحكام في المراحل التي سبقت الرسالة المحمدية يعتبر منسوخا" يا
سبحان الله، كيف نقول منسوخا إذا ما كان اليهودي ما يزال ملزما بشعائر دينه، كيف يكون منسوخا، إذا ما كان المسيحي ما يزال ملزما بشعائر دينه، فما هو مفهوم النسخ ؟ النسخ يقتضي أن يرتفع الحكم السابق أما إذا كان ما يسميه الدكتور شحرور بالفرقان الخاص لا يلزم به اليهود والمسيحيون مثلا، فإننا لا نكون أمام أي نسخ، حيث يكون هذا الفرقان الخاص، أتى لطائفة هم المؤمنون بمحمد ولم يأت للطائفة الأخرى من المؤمنين بالرسالات السابقة. فكيف نفسر هذا التناقض ؟ وهذا هو السؤال الأول الذي أوجهه إلى الأستاذ شحرور.
النتيجة الثانية، أننا عندما نقول بهذه المقولة نبطل سنة التطور والحنيفية كما يسميها الأستاذ شحرور. لماذا تعددت الرسالات السماوية إذا كان ما نزل
على نوح ما يزال قابلا للتطبيق، وأن كل مؤمن بأية رسالة من الرسالات السابقة، بل وحتى الذين أدركوا مفهوم الإسلام بالفطرة، كل هؤلاء "مسلمون" لهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم استنادا إلى آية: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم و لا هم يحزنون" أقول عندما نتمسك بهذا، فأين سنة التطور إذا كانت الأحكام التي أوحى بها إلى سيدنا نوح التي ربما سنعثر عليها غدا أو بعد غد في الحفريات أو أوحى بها إلى غيره من الأنبياء ما تزال واجبة التطبيق، وأنه يجب الإيمان بها على من أراد من بني البشر ؟
النتيجة الثالثة أن هذه المقولة تنفي كل مبرر لتعدد الرسالات السماوية، لماذا تتعدد؟ ما هو المبرر ؟ لماذا أوحي إلى نوح ثم صالح ثم موسى ثم عيسى ثم محمد، صلوات الله عليهم جميعا؟
النتيجة الرابعة وربما هي الأخطر، رسالات السماء كما نفهمها أنها أتت لمساعدة الإنسان على الوعي بنفسه، والوعي بما حوله، وإرشاده في تنظيم نفسه وتنظيم مجتمعه وتنظيم سلوكه، أعتقد أن هذا هو الهدف من الرسالة السماوية.
لكن عندما نأخذ بهذه النظرية، ونفصل بين الإسلام والإيمان، و بالتفسير السالف الذكر فإننا ننتهي إلى أن الرسالات السماوية هي الفوضى، هي اللامعقول، هي اللاعدل.
وأشرح هذا بقدر ما يسمح به الوقت:
- أولا هي فوضى، نعم فوضى عندما يقول الله لتابع موسى، تزوج بنت أخيك ويقول للمؤمن بمحمد، لا تتزوجها، هذا حرام، يقول لتابع ملة المسيح مثلا، تزوج أمك من الرضاع، تزوج أختك من الرضاع ويقول للمؤمن (المصطلح الذي استعمله الدكتور شحرور)، هذا حرام. يقول للمسيحي اشرب الخمر، أي إنها مباحة، ويقول للمؤمن بمحمد هذا حرام، يقول لليهودي، إذا زنيت فالجزاء هو الرجم، ودائما على رأي الأستاذ شحرور، ويقول للمسلم، إذا زنيت، تكفيك مائة جلدة. هل هذا تشريع ؟ أم فوضى ؟ إنها الفوضى بالتأكيد ما دامت كل هذه الشرائع مفتوحة ومعروضة على كل البشر، وللفرد أن يختار واحدة منها كيف يشاء.
- ثانيا قلت إنه يترتب عليها اللاعدل نعم اللاعدل، يقول الله سبحانه وتعالى:
"ولا تاكلول أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام... «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود»
"يا أيها الذين آمنوا، لم تقولون ما لا تفعلون ؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
هذه الأحكام وغيرها كثير هي من الفرقان الخاص (ص 65 و 66 من كتاب الإسلام والإيمان).
فاليهودي والمسيحي غير مخاطبين بها فهل من العدل أن المؤمن بمحمد (ص) إذا لم يتمثل لمثل هذه الآيات، استحق غضب الله ومقته الكبير، بينما المؤمنون بباقي الرسالات لا يؤاخذهم الله بشيء عن ذلك، بل هم غير مطالبين به نهائيا. ثم يتساوى الجميع في الجزاء: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
يقول لي الحق سبحانه: يا أيها الذين آمنوا، إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ويقول للمسيحي: «اشربها فهي رزق حسن»، ويقول: «يا أيها الذين آمنوا، لا يسخر قوم من قوم عسى ن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أي يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم و لا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب، فأولئك هم الظالمون» ويبقى هذا السلوك الشنيع المنهي عنه، مباحا بالنسبة لأتباع بقية الرسل.
ثالثا: قلت إنه يترتب عليها اللامعقول، كيف اللامعقول ؟ أي نتيجة لا يقبلها أي إنسان كيفما كان. والأستاذ شحرور يركز كثيرا على المصداقية الخارجية...
الشرائع السماوية مفتوحة أمام البشر كله. فلا وجود لتقسيم جغرافي أو سلالي يفصل بين الرسالات. و لا يمكن تعيين ولو شخص واحد، والقول بأنه مخاطب بالدعوة المحمدية، أو بالدعوة المسيحية، أو بالدعوة الموسوية دون سواها.
وموسى وعيسى عليهما السلام و أن بعثا في بني إسرائيل، فلا أحد يزعم أن غير بني إسرائيل كان ممنوعا من الإيمان برسالتيهما، كيف وقد آمن برسالة موسى في بدايتها عدد من المصريين، بل تكرر في القرآن أكثر من خمس مرات أن موسى أرسل كذلك إلى أهل مصر، من ذلك: "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملائه" -سورة هود.
مع العلم أنه حتى بني إسرائيل يتعذر اليوم فصلهم بيولوجيا عن باقي البشر.
إذا كان الأمر كذلك فإن تعدد الشرائع السماوية الموجهة إلى المجتمع الإنساني مع اختلاف أحكامها، تكون بمثابة تعدد القوانين في المجتمع السياسي تبعا للانتماءات الإيديولوجية.
مثل أن يصدر في المغرب قانون يبيح التدخين للمنتمين إلى أحد الأحزاب السياسية ويمنعه ويعاقب عليه بالنسبة للمنتمين إلى حزب معين آخر.
(إباحة الخمر للمسيحيين، وتحريمه والعقاب على تناوله من المؤمنين بمحمد (ص)).
أو قانون يعاقب على تناول المخدرات بالإعدام، ويخفف هذه العقوبة إلى شهر حبسا إذا كان المتهم منتميا إلى حزب معين (عقاب اليهودي على الزنا بالرجم، والاكتفاء -حسب الدكتور شحرور- بمائة جلدة بالنسبة للمؤمنين بمحمد (ص)).
هل هنالك عاقل يقبل مثل هذه القوانين في المجتمعات السياسية التي نعيش فيها؟ فكيف يمكن القول بذلك عن شرائع الله ؟. ونزعم أنها جميعا مفتوحة أمام كل البشر، وأن من آمن بأية واحدة منها يدخل تحت آية: «إن الذين آمنوا، والذين هادوا والنصارى والصابين من آمن بالله واليوم الآخر و عمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم و لا هم يحزنون».
إن التمييز بين الإسلام والإيمان أكده القرآن: «قالت الأعراب آمنا، قل لم تومنوا، ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم» (سورة الحجرات). ولكن ليس بالمعنى الذي يدعو إليه الدكتور شحرور والذي تترتب عنه نتائج خطيرة أشرنا إلى بعضها.
وهذه النتائج غير المقبولة هي التي حملتني على انتقاد الدكتور شحرور ومناقشته في أطروحته والقول بالتالي إن شرائع الله المتتالية، ينسخ اللاحق منها السابق، مسايرة لسنة التطور، وأن هذا ليس قاصرا على شريعة محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ينطبق كذلك على شريعة عيسى (ص) فلم تبق يهودية بعد بعثه. ومن كفر به لم يبق مسلما وإن تمسك بشريعة موسى (ص) وكذلك من لم يؤمن برسالة محمد (ص) من المسيحيين، لا يمكن وصفه بالمسلم لتعارض هذا الوصف مع الكفر بشريعة الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.