* في قبو دار «كريستيز» بلندن كان موعدنا مع فوج آخر من أجمل وأهم المقتنيات في مزاد الدار لفنون العالم الإسلامي، الذي سيقام يوم 10 أكتوبر المقبل. تستقبلنا رئيسة قسم الفن الآسيوي والعالمي سارة بلمبلي بابتسامة واسعة، وتعرض أمامنا بعض القطع المهمة التي يتضمنها المزاد. تشير إلى أن المزاد سيقدم الجزء الأخير من مجموعة مخطوطات، من مجموعة خاصة يتم بيعها لصالح مكتبة «بودليان» بأكسفورد، وستقوم الجامعة بتخصيص العوائد لدعم الدراسات الفارسية بالجامعة، ولإنشاء كرسي للدراسات الساسانية سيكون الأول في بريطانيا. تشير بلمبلي إلى أحد هذه المنمنمات، وهو للخطاط محمود مذهب، وهو فنان من بخارى، تروي المخطوطة قصة طريفة؛ فعبر رسومات دقيقة وخفيفة الظل نرى مدرسا صارما يتضجر منه تلاميذه، ويتم استبدال مدرس مسالم به. القصة تروى على مراحل داخل المخطوطة؛ فنرى مشهد المدرس الصارم في وسط المخطوطة، وحوله التلاميذ وهم جلوس بنظام، وفي الجزء الأسفل من المخطوطة نرى المدرس المسالم وحوله مشاهد من الفوضى؛ فالتلاميذ يجرون ويقومون بحركات بهلوانية ويتشاجرون أيضا. وتبدو براعة الفنان في تصوير الأطفال بأحجام دقيقة، واهتمام فائق بالتفاصيل في الحركة وتعبيرات الوجه والملابس. وعلى الطاولة، تقبع مفاجأة تتضح تفاصيلها أمامنا على مراحل؛ فهناك ما يشبه الصندوق المستطيل ذهبي اللون مطعنا بالماس فيما يبدو، وتكمن المفاجأة في التفاصيل اللاحقة. تقول بلمبلي: «هذا الصندوق أو ما يمكن اعتباره حقيبة يد هو واحدة من مجموعة قطع من الذهب تعود إلى إمبراطورة إيران السابقة ثريا اصفندياري ثاني زوجات الشاه محمد رضا بهلوي.. الحقيبة هي هدية الشاه لزوجته بمناسبة زواجهما، وعند فتحها نرى أنها تنقسم إلى عدة أقسام وتبدو مثل طاولة زينة مصغرة للإمبراطورة؛ ففيها مرآة بعرض الحقيبة، وساعة صغيرة مثبتة بداخلها، وأيضا مشط للشعر وحافظة للسجائر وأنبوب ذهبي صغير لأحمر الشفاه. الحقيبة ثقيلة الوزن ولا عجب؛ فهي من الذهب الخالص، وإن كان المرء يتعجب من أن الإمبراطورة كانت تحرص دائما على حملها في المناسبات المهمة. وعلى الرغم من أن مجموعة الحقائب والعلب الذهبية لم تُصنع في العالم الإسلامي، فإنها، كما تشير بلمبلي، ترتبط به عبر إيران. من القطع المهداة للإمبراطور أيضا علبة لحفظ السجائر وولاعة وعلبة للبودرة. هناك أيضا علبة مطعمة باللؤلؤ والماس والياقوت تحمل إهداء «إلى جلالة الإمبراطورة ثريا من البيغوم إسكندر ميرزا»، وهي هدية من زوجة إسكندر علي ميرزا أول رئيس لباكستان خلال زيارة رسمية لإيران عام 1956. القطع بيعت للمرة الأولى في مزاد أقيم في باريس عام 2002، بعد وفاة الإمبراطورة. ومن فخامة وثراء بلاط شاه إيران ننتقل إلى الحروب وأدواتها، فتشير محدثتنا إلى قطعة حديدية ثقيلة الوزن، تقول إنها مدفع يدوي يعود إلى العصر المملوكي (القطعة الثانية محفوظة في المتحف الحربي بإسطنبول). وحسب رسم نادر تريه لنا بلمبلي، كان من المتبع أن يثبت المدفع على عمود من الخشب ويُملأ بالبارود. وحسبما يرويه لنا التاريخ فلم يحسن المماليك استخدام الأسلحة النارية على الرغم من بعض محاولات بعض الحكام والقادة، مثل قايت بيه، الذي أمر بصناعة هذه القطعة عندما انتقل لسوريا. وكانت تلك الأسلحة شائعة الاستخدام لدى العثمانيين والصليبيين، ولكن المماليك كانوا من المعارضين لاستخدامها، وهو ما يعد أحد أسباب هزيمتهم أمام العثمانيين في القرن السادس عشر. ومن جزء آخر من العالم ننتقل إلى قطعة فريدة تصور التعاون بين الصين وتركيا، هي صندوق من الفخار الصيني لحفظ ريش الكتابة والحبر صُنع خصيصا للسوق العثمانية، ثم بعد أن أرسلت إلى إسطنبول، أضيف إليها حبات الفيروز، «هناك قطعة واحدة فقط مماثلة لهذه معروضة حاليا في متحف توبكابي بإسطنبول»، تعلق بلمبلي وتشير إلى أن أهمية القطعة ترجع إلى أكثر من عامل؛ فهي تصور العلاقة بين تركيا والصين، وأيضا تصور الاهتمام بفن الخط. هناك أيضا بعض مقابض السيوف الذهبية النادرة التي تحمل تصويرا حيا ودقيقا لحيوانات الغابة ومشاهد صيد تعود إلى القرنين ال17 و18. كما يتضمن المزاد مجموعة من المصاحف الأثرية، منها صفحة من القرآن تعود للقرن السابع مكتوبة بالخط الحجازي، وأخرى من القرن العاشر، وهي محطة مهمة في كتابة القرآن. الصفحة تحمل خمسة أسطر فقط، وهو ما يشير إلى ضخامة حجم المصحف الذي يضمها، تعلق بلمبلي: «تماما، وهو ما يدعونا للاعتقاد بأن القرآن تم كتابته بناء على تكليف من أحد الأثرياء»، النسخة الثالثة المعروضة كتبت بعد 200 عام من المخطوطة السابقة، وهي بقلم ابن الوحيد، وهو خطاط مملوكي شهير، ويُعتقد أن يكون القرآن هو آخر عمل له قبل وفاته في عام 1311، ومن أعماله الشهيرة مصحف السلطان بيبرس المحفوظ في المكتبة البريطانية بلندن. * المزاد يقام يوم الخميس 10 أكتوبر بمقر دار «كريستيز» في كينغ ستريت بلندن.