حسمت القوى العظمى موقفها بضرورة "معاقبة" النظام السوري على استخدامه الأسلحة الكيميائية، حسب ما جاء على لسان الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، على الرغم من عدم توصل لجنة التحقيق الأممية لنتيجة نهائية بخصوص تحديد هوية الطرف الذي أقحم الأسلحة المحظورة دوليا في النزاع المستمر منذ أكثر من سنتين، وجاءت تبريرات العواصم الغربية الماضية في الحملة العسكرية ضد دمشق بامتلاكها لأدلة تؤكد أن "النظام السوري وراء استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة وفي غيرها من المناطق في سوريا". تأكيد كل من باريس وواشنطن حيازتهما أدلة تدين النظام السوري جعل الكثير من المراقبين المشككين في مصداقية هذه الأدلة يذكرون بما حدث قبل عقد من الزمن، حين أكدت الخارجية الأمريكية على لسان وزيرها آنذاك، كولن باول، توفر الاستخبارات الأمريكية على أدلة "قاطعة" تؤكد حيازة العراق على أسلحة الدمار الشامل، لتصبح تلك "التأكيدات" المرتكز الذي اعتمدته الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون لتبرير شن ضربة عسكرية على العراق، لتنكشف الحقيقة بعد ذلك ويتضح للعالم أن العراق لم يكن يملك أسلحة الدمار الشامل، وبالتالي لم يكن يمثل خطرا على الأمن القومي الأمريكي ولا العالمي مثلما تم تصويره في تلك الفترة. وقد أدى كشف الحقيقة إلى إجبار الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، على التعبير عن أسفه لما أسماه "فشل أجهزة الاستخبارات الأمريكية في التوصل لحقيقة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل"، على الرغم من وجود الكثير من الهيئات والمنظمات والأصوات التي حذرت من مغبة تدخل عسكري استنادا لمعلومات غير موثوق فيها، مثلما أكده السفير الأمريكي في الغابون آنذاك، جوزيف ويلسون، الذي حذر من "دخول حرب بناء على معلومات كاذبة"، وهو ذات التحذير الذي أطلقته الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي شككت في تقارير الاستخبارات الأمريكية وطالبت بإجراء تحقيق أكثر جدية، كما أن كبير مفتشي الأسلحة السابق لدى الأممالمتحدة، هانز بليكس، أكد النية المتعمدة للإساءة في تفسير التقارير حول توفر العراق على أسلحة الدمار الشامل، متهما في تصريحاته وزير خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، كولن باول ب"الكذب". ويرى المراقبون للشأن السوري أن التاريخ يعيد نفسه في سوريا، وإن كانت ملامح التدخل العسكري في دمشق لم تتحدد بعد، في إشارة إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تغفل على الاستفادة من الأخطاء المرتكبة في العراق، مثلما ذهب إليه الباحث في العلوم السياسية، في مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، جوزيف الأبطح الذي أشار في حديثه ل"الخبر" إلى أن "إدارة باراك أوباما تقف بين نارين، نار تضطرها لتنفيذ تهديدها احتراما للمبادئ التي تدافع عنها، وخشيتها من تورطها في مستنقع جديد في سوريا، مع العلم أن سياسية أوباما الخارجية تعهدت بإنهاء بؤر التوتر وعدم إقحام أمريكا في نزاعات جديدة بعد الخروج من العراق وأفغانستان"، لذلك يرى المتحدث أن التدخل في سوريا لن يكون تكرارا بمعنى الكلمة لما حدث في العراق، في إشارة إلى إمكانية اقتصاره على "ضربات محددة لإضعاف النظام لفترة ودفعه لقبول بعض التنازلات للجلوس إلى طاولة الحوار مع المعارضة". من جانب آخر، يرى المحلل السياسي أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين ما حدث في العراق سابقا وما يحدث اليوم في سوريا، في إشارة إلى أن الحديث عن السلاح الكيميائي يقابله ما دار من حديث حول أسلحة الدمار الشامل، وصولا إلى لجنة المراقبين التي يُفترض أنها الوحيدة المخولة للفصل في الجهة التي تقف وراء الهجوم بالسلاح الكيميائي، وكما تم تجاوز نتائجها في العراق تم تجاوزها في سوريا، باعتبار أنه لحد الآن لا شيء يُثبت أن النظام السوري يقف وراء استخدام الكيميائي، خاصة في ظل تبادل التهم وأن المعلومة المؤكدة الوحيدة هي امتلاك طرفي النزاع لأسلحة كيميائية. في المقابل يرى الأبطح أن الولاياتالمتحدة تسعى لتفادي تكرار سيناريو العراق لما تدركه من خطورة اضطرارها لإرسال قوات على الأرض، الأمر الذي نفاه باراك أوباما ما يرجح احتمال ضربات جوية محددة لمواقع استراتيجية تهدف لتحذير النظام السوري من مغبة استعمال الكيميائي ومنح فرصة للمعارضة المسلحة للظهور بموقع الند للنظام في المفاوضات، مؤكدا أن إدارة البيت الأبيض "تدرك تماما خطورة الجماعات الجهادية الناشطة في سوريا والقدرة على اتحادها مع نظيراتها في العراق واليمن، ما يعني تفجير المنطقة بشكل رهيب وهذا ما لا تريده أمريكا، أعتقد أن أمريكا استفادت من الدرس الأمريكي بما يجعلها حريصة على انهيار النظام السوري وترك الفراغ للجهاديين بقدر ما ترغب في انتقال سياسي يضمن بقاء المؤسسات والقضاء على الجماعات المتطرفة".