شكلت الجزائر "حالة استثنائية" من منظور الخارج، باعتبارها البلد الوحيد الذي جانب عاصفة ما سمي الربيع العربي، ورغم أن السلطة في الجزائر ساقت ما لديها من مبررات مجانبتها للفوضى، وهي تستعد لاستحقاق رئاسي مختلف تماما عن الاستحقاقات الرئاسية الماضية، إلا أن تعامل بلدان غربية معها، يشير إلى أن محاولات اليد الأجنبية في رسم هوية "مرشح الخارج" صارت واضحة خاصة بعد حادثة تيڤنتورين الشهيرة. حالة الركود السياسي في الجزائر، قبيل أقل من ثمانية أشهر عن موعد الرئاسيات، تحيل إلى أن مرشح السلطة الذي سيخلف الرئيس بوتفليقة قد حددت هويته بالدقة المطلوبة، ما قد فهمه قادة الأحزاب من المترشحين المحتملين، وأثناهم عن إعلان ترشحهم في الوقت المفترض، فهم بقعودهم في بيوتهم يكونون قد رضوا وارتضوا، لكن السؤال المطروح، يكمن في: هل للخارج يد في رسم هوية الرئيس الجزائري المقبل؟ والإجابة عن السؤال تحيل إلى "فوبيا التدخل الأجنبي" التي رافقت محطات "زلزالية" مرت بها الجزائر، بدأت بسقوط بن علي في تونس ومبارك في مصر، والقذافي في ليبيا، تاركة سلسلة انهيارات الأنظمة العربية مفتوحة على أمل أطراف إقليمية أن تصل الهزة إلى الجزائر التي عرجت بها العاصفة على أكبر هزة "دولية" أوقعت البلاد في لفيف الخطر، ويتعلق الأمر بحادثة تيڤنتورين. مسار ما بعد هذه الواقعة أظهر حقيقة يدركها الجزائريون، لكنها أكدتها لهم تأكيدا، وتكمن في أن هذا "الخارج" كمصطلح تحوّل إلى "فوبيا"، ينتهج مع الجزائر كما مع بلدان عربية أخرى ترتبط مصلحته معها بحبل وثيق، سياسة "يمهل ولا يهمل" بما يجعل من توظيف حادثة تيڤنتورين، مسلمة لا جدال فيها، وهي كأسلوب ضغط لتغيير السياسيات "المقاوماتية" في الجزائر، لا يضاهيها أسلوب، حتى بالنسبة لتحديد هوية من يحدد هذه السياسات، وأولهم رئيس الجمهورية، والواضح أن فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا، قدمت وجوها من "تعاطف" مع السلطة في الجزائر إزاء الطريقة التي انتهجتها لتحرير الرهائن، لكنها أخفت وجها آخر، تعابيره تتجلى في شكل "ملف للتوظيف اللاحق" يتجاوز مجرد ابتزاز أو تفاوض شكلي لنيل الصفقات، إلى محاولة مباشرة لتثبيت نظام أو جزء من نظام "متعاون" يواليها وطنيا ودوليا، وسعي غير مباشر للضغط على السلطة لإخراج رئيس يتجاوب مع طموحاتها: اقتصاديا بالتخلي على القرارات السيادية وعلى رأسها قاعدة 51 /49 بالمائة، ودبلوماسيا بالتخلي عن مبدأ "عدم التدخل في شؤون الغير" والقبول بلعب دور "الوكيل"، وهو كمبدأ نغص على الكثير من الدول العظمى نيل مكاسب خارج أوطانها، خاصة ما تعلق بمواقف الجزائر مما حصل في بلدان الربيع العربي، كل بلد على حدى. وتجلت أولى محاولات الضغط بعد حادثة عين أمناس، في مسعى كندا والنرويج "التعاون" الأمني مع الجزائر، مع أن كلا منهما ليس له باع في مكافحة الإرهاب دوليا، حسب خبراء يرون أن مبادرتهما تبتغي الاطلاع على الظروف الأمنية في الجزائر ومدى قدرة الجيش الجزائري على صد اعتداءات خارجية، بينما تمارس الحكومة اليابانية ضغوطا على الجزائر من أجل إشراكها في مكافحة الإرهاب بعد فقدانها 10 من رعاياها، وقد اتسم موقفها خلال تلك الأحداث بالاندفاع الزائد، تلاه مسعى إيجاد موطئ قدم في الساحل والاقتراب من الجزائر، بإقرارها مساعدات مالية لبلدان الساحل الإفريقي بقيمة 750 مليون أورو لمكافحة الإرهاب. كان لابد على الجزائر، تحديد حجم الخصم الذي تواجهه لتدرك حجم التحدي الذي تواجهه، لذلك تصرفت بما تصرفت به، ولما كانت واشنطن تعرف أكثر من غيرها عقلية الجزائريين في التعاطي مع الملف الأمني، اختارت صيغة "زيادة مستوى التعاون الأمني مع الجزائر"، في إحالة إلى أن التعاون الذي تريده، شرع فيه قبل حادثة الحقل الغازي، أما فرنسا فهي أعلم بالوضع في الجزائر من جزائريين أنفسهم، ففضلت "دعم الجزائر" في الحادثة، وهي تعلم كم يكلفها اتخاذ موقف عدائي مع جارتها المتوسطية، لم تفك معها، بعد، خيوطها في قضية "تيبحيرين". قضية "تيبحيرين"، تشبه قضية" تيڤنتورين" الى حد التطابق، وبعد 17 سنة عن مقتل الرهبان السبعة في المدية، أخرجت باريس، قبل أشهر، الملف من الخزانة في محاولة ضغط جديدة، وكان يفترض أن يزور كبير المحققين في الملف، مارك تريفيديك، الجزائر بعد موافقة الحكومة الجزائرية في إطار الإنابة القضائية للتحقيق بالرغم من الشهادات التي أدلى بها وزراء ومسؤولون فرنسيون، منهم وزير الداخلية الأسبق، شارل باسكوا، حول حقيقة واحدة مفادها أن الرهبان السبعة اغتالتهم الجماعة الإسلامية ‘'الجيا''. فكما أن ملف تيبحيرين مازال صالحا للضغط، كذلك ملف تيڤنتورين أودع خزائن "المساومة" تقع على الرئيس الجزائري المقبل مسؤولية التعاطي معه. "الخارج" لا يغفر الخطايا، وإن ابتسم وقت حدوثها، لذلك، أرسل دافيد كامرون، رئيس الوزراء البريطاني، الذي فقد رعيتين في موقعة إيليزي، رسالة إلى الجزائريين من طرابلس، فبعد أن جاءت به الموقعة إلى الجزائر، شهر فيفري، طار إلى ليبيا، وفرض على رئيس الحكومة علي زيدان اتفاقا ليرسل مفتشين من الشرطة إلى طرابلس للتحقيق في تفجير طائرة لوكربي عام 86، رغم أن الملف طوي مع الأمريكان، بعد أن دفع العقيد الراحل القذافي، قرابة ثلاثة ملايين دولار لعائلات الضحايا، ولم يكتف كامرون بذلك، ولكنه أخرج من الخزانة أيضا قضية مقتل الشرطية البريطانية إيفون فليتشر أثناء مظاهرة أمام السفارة الليبية في لندن عام 1984. ويوجد محققون إنجليز في ليبيا بخصوص هذه القضية. ولهذا طلبت عائلة بريطانية ممن فقدت ضحايا في تيڤنتورين من حكومة بلادها التحقيق في القضية ومعرفة كيف قتل ذووها في عين أمناس.