كشف كتاب جديد حول مقتل «رهبان تيبحيرين» الفرنسيين الذين قتلوا سنة 1996 بالجزائر، ألفه الصحافي الفرنسي جون باتيست ريفوار، عن شهادات جديدة يصعب التأكد منها، تتهم الأمن العسكري الجزائري بالتورط في تلك المأساة. ويعتبر هذا »طعنا في الرواية التي تقدمها السلطات الجزائرية منذ البداية، والقائلة بأن إسلاميين هم الذين نفذوا عملية خطف واحتجاز الرهبان«، حسب محامي الأطراف المدنية بارتيك بودوان. يستند كتاب »جريمة تيبحيرين« للصحفي الفرنسي جون باتيست ريفوار، الذي نشرته دار »لا ديكوفرت«، خصوصا إلى تصريح بعض عناصر الأجهزة الجزائرية، وإسلامي قال إن عملية الخطف تمت بناء على أمر من مديرية الاستخبارات الخاصة (الأمن العسكري)، ونفذت بمشاركة إسلاميين. لكن تلك الشهادات الهشة لا تبدد الغموض المحيط بالمأساة، حسب وكالة الأنباء الفرنسية. وكان الرهبان السبعة المنتمون لجماعة »سيتو ليل« قد خطفوا في 26 - 27 مارس 1996 من ديرهم المعزول قرب المدية (80 كلم جنوب العاصمة الجزائرية)، وتبنت الجماعة الإسلامية المسلحة، التي كان يتزعمها حينها جمال زيتوني، عملية خطفهم واغتيالهم، ثم عثر على رؤوسهم مقطوعة في الثلاثين من ماي على طريق جبلي. وبعد التحري في مسؤولية الإسلاميين، انتقل التحقيق القضائي، اعتبارا من 2009، استنادا إلى شهادة ملحق دفاع سابق في الجزائر، إلى فرضية هفوة ارتكبها الجيش الجزائري. وقبل كشف تلك المعلومات أفادت شهادات ضباط جزائريين منشقين بغموض دور السلطات الجزائرية، واتهمت الجزائر بالتلاعب بالجماعة المسلحة التي تبنت عملية الخطف. وفي الكتاب الجديد، يوجه ملازم سابق يدعى »كمال«، قيل انه مقرب من قائد المركز الإقليمي للبحث والتحقيق في البليدة، التهمة مباشرة إلى الأجهزة الجزائرية بتنفيذ عملية الخطف. ويقول الضابط إن مجموعة صغيرة من العناصر المندسة وافقت، نزولاً عند طلب قادة الأمن العسكري، على تنظيم عملية الخطف مع نحو 15 إسلامياً حقيقياً كانوا يجهلون عملية التلاعب بهم. وقال »كمال« إن الهدف من ذلك كان التخلص من شهود مزعجين وتحميل الإسلاميين المسؤولية والضغط على فرنسا. ويبدو، وفق الكتاب، أن العملية تقررت مطلع مارس 1996 ، خلال اجتماع عقد في المركز الإقليمي للبحث والتحقيق بحضور الراحل اللواء إسماعيل العماري، قائد اكبر وحدة جزائرية لمكافحة التجسس. وينقل الكتاب أيضاً تصريحات »رشيد« الإسلامي السابق الذي يقول إنه كان عضواً في الفرقة المسلحة التي خطفت الرهبان، ويروى تطويق الدير وبعد ذلك مسيرة الرهبان. وقال إن الرهبان سلموا بعد أربعة أيام إلى مجموعة إسلاميين يقودهم عبد الرزاق البارا الذي قيل إنه مقرب من زيتوني ويشتبه في أنه كان عضواً مندساً من جهاز مكافحة التجسس. ولا يزال الغموض يلف ما جرى بعد ذلك للرهبان حتى عثر على رؤوسهم، تضيف وكالة الأنباء الفرنسية. ويروي الكتاب أيضاً شهادة عسكري منشق آخر يدعى كريم مولاي، أكد أن وحدة كوماندو من عناصر الأمن كلفت بتصفية الرهبان وأن إعدامهم تم في المركز الإقليمي للبحث والتحقيق في البليدة بين 25 و27 أبريل، لكنه يكاد يستحيل التأكد من هذه الشهادة في صيغتها الواردة في الكتاب حسب نفس المصدر. وعن مضمون الكتاب، قال محامي الأطراف المدنية بارتيك بودوان إنه »يجب التعامل مع تلك العناصر باهتمام كبير لكن بحذر أيضاً«. وأضاف أن »اكثر ما يتميز به هذا الكتاب هو، كما آمل، أن يفتح الطريق أمام تحقيقات قضائية جديدة«، ملاحظاً أنه »مرة أخرى يطعن في الرواية التي تقدمها السلطات الجزائرية منذ البداية والقائلة بأن إسلاميين هم الذين نفذوا عملية خطف الرهبان واحتجازهم«، ومن ثم قتلهم. وقد بثت القناة الفرنسية «كنال +» فيلما وثائقيا في 19 من الشهر الجاري حول اختطاف الرهبان، قام بإعداده مؤلف الكتاب. وهو ما علقت عليه جريدة «الشروق» كاتبة: « وعلى الرغم من أن فصول التحقيق التي انطلقت سنة 2004 أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الواقفين وراء اختطاف رهبان تيبحيرين هم إرهابيو الجماعة الاسلامية المسلحة «الجيا»، وهي الحقيقة ذاتها التي أكدها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حين زيارته لدير تيبحيرين أيام كان وزيرا للداخلية، وقال بالحرف الواحد «إن الرهبان قتلهم إرهابيون متطرفون»، وعلى الرغم من شهادات تائبين من إرهابيي «الجيا» بتفاصيل عن قتل الرهبان على يد الامير الوطني للجيا وقتها الدموي جمال زيتوني وأعوانه ونقل رؤوسهم بعد ذلك إلى بيت مهجور بالمخرج الشمالي من مدينة المدية وهي شهادات نقلتها «الشروق» في وقت سابق، إلا أن أطرافا في فرنسا لا تتورع عن محاولاتها بعث قضية اغتيال رهبان تيبحيرين إلى الواجهة والسعي لإرجاع التحقيق فيها إلى نقطة الصفر في إطار حرب الضغط والابتزاز المتعلقة بالمواقف والمواقع بشأن ما يجري في محيط الجزائر وجوارها الإقليمي». وليس الكتاب الجديد هو الأول من نوعه حول الموضوع، لكن قصة الرهبان تحولت أيضا إلى شريط سينمائي للمخرج الفرنسي اكزافيه بوفوا يحمل عنوان ‹›رجال وآلهة››. وحسب الصحفي الجزائري المقيم في باريس رشيد سعيد قرني فالفيلم يصور «الحياة التي كان يعيشها الرهبان السبعة في دير تيبحيرين وسط آهالي المنطقة وحاول المخرج اكزافيه بوفوا خلال الفيلم -الذي جسد أدواره كل من الممثل ويلسن لومبار الذي تقمص دور الأخ كريستيان زعيم الرهبان السبعة في دير تيبحيرين بمنطقة المدية، وميشال لندال في شخصية الأخ لوك الذي كان يشغل مهنة طبيب بالدير- التعرض إلى جو التعايش والأخوة الذي كان يسود العلاقات بين الرهبان المسيحيين وأهالي المنطقة من المسلمين، هذا الاختلاف الديني حسب مخرج الفيلم لم يمنع الطرفين من ربط علاقات متينة بينهما، خاصة أن الرهبان كانوا يعتمدون في عيشهم على عائدات الفلاحة وتربية النحل. وكشف الفيلم كذلك الاعتماد الشبه الكلي لأهالي منطقة تيبحيرين على الرهبان في النقاشات التي تهم القرية وذلك بعيدا عن كل الحسابات الدينية والاختلافات العرقية خاصة أن الرهبان كانوا يحسون أنهم في بلادهم، ولعل ما زاد من قوة العلاقة بين الرهبان في الدير وأهالي القرية، الخدمات الطبية التي كان يقدمها الأخ لوك للقرية من خلال العيادة البسيطة التي فتحت بالدير والتي وإن لم كانت تفعل المعجزات إلا أنها كانت كافية للأهالي للاستفادة من العلاج للوعكات الصحية غير الخطيرة. كل هذا الجو الذي صوره مخرج فيلم ‹›رجال وآلهة›› كان كافيا للإحساس بالانتماء وتقبل سكان قرية تيبحيرين للرهبان للعيش بينهم، فقد كانوا يدعون باستمرار إلى المناسبات التي كانت تقام في القرية. ومع بداية أزمة الارهاب في الجزائر واتخاذ الجماعات الإرهاربية للمناطق المعزولة وأعالي الجبال أوكارا لها، وبداية انتشار الخوف في أوساط الاهالي، يتطرق الفيلم إلى الجلسات المستمرة التي كانت تجمع الاخ كريستيان زعيم الدير مع مشايخ وكبار القرية من أجل النظر في تطورات الوضع الامني السائد آنذاك ودراسة احتمال مغادرة القرية، وكانت الجلسات في كل مرة تنتهي بالرفض القاطع للمغادرة، حتى بعد المجزرة الاولى التي استهدفت العمال البلغار في نفس السنة، وبالرغم من البيان الذي أصدرتة الجماعة الإرهابية خلال هذه السنة والتي تهدد فيه الرعايا الاجانب وتطالبهم بمغادرة الجزائر، إلا أن الرهبان السبع وبعد الاجتماع الذي جمعهم بالدير والرسائل المتعددة التي تلقوها من السلطات الفرنسية والتي تدعوهم من خلالها إلى العودة إلى فرنسا قرروا ضرورة البقاء في المنطقة وعدم التخلي عن الاهالي بعد عملية تصويت تمت بينهم، حيث أقروا بأن مصيرهم كان محددا من قبل المجيئ إلى الجزائر، وأن المهمة التي يؤدونها بقرية تيبحيرين لا يمكنها أن تتوقف لأي سبب كان، حتى أن المحاولات المتكررة لوالي المدية انذاك لإقناعهم بمغادرة الدير باءت بالفشل. وقد ورد في الفيلم أن السلطات الجزائرية قد عرضت على الرهبان السبعة الاستمرار في تقديم خدماتهم في منطقة أخرى أو الاستفادة من حماية الجيش الوطني الشعبي، من خلال تعيين بعض الجنود من حول الدير لحماية الرهبان، غير أن هذين العرضين قوبلا بالرفض من قبل الاخ كريستيان وباقي رجال الدين. وبمرور الشهور بدأ الخطر يزحف على المنطقة إذ عرف الدير زيارتين لافراد الجماعة الإرهابية، كانت الاولى من أجل نهب الدواء من الدير، حيث كانت أول مقابلة للرهبان السبعة مع الجماعات المسلحة خلال ليلة ميلاد المسيح، حيث حسب ما ورد في الفيلم، لم تكن تلك المقابلة بالعادية لأن الاخ كريستيان رفض أن يبقي أفراد الجماعة الإرهابية في بهو الدير وهم يحملون الأسلحة، كما أنها شهدت جدالا بين كريستيان وزعيم الجماعة حول ما تحث عليه الديانات السماوية، قبل أن تنصرف الجماعة دون إحداث أي ضرر بالدير أو رجال الدين. ولم تكن هذه الزيارة الوحيدة للجماعة الإرهابية فقد كشف الفيلم عن زيارة أخرى وكانت من أجل علاج أحد الارهابيين التابع لنفس الجماعة والذي كان يعاني من إصابات بالغة إثر عملية اشتباك مع مصالح الامن الجزائرية، حيث تكلف الاخ لوك بمعالجة الإرهابي الجريح تحت الضغط والتهديد. الارهابي ذاته الذي استطاعت مصالح الامن تصفيته بعد أيام بضواحي منطقة المدية، حيث إنه مباشرة بعد عملية التعرف تم اختطاف الرهبان السبع من الدير، الذي كان يؤوي خلال تلك الليلة 9 رهبان، تم اختطاف 7 فيما سلم اثنان اختبآ بعد اقتحام الدير(...).