موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمرة الشهادة ومعنى الحياة الموهوبة للرب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 03 - 10 - 2012

هذا الكتاب «روح تيبحرين» يرتكز على مقابلات معمقة مع الاب جان بيير شوماخر. طيلة ثلاثين ساعة، اجراها نيكولا بالي في دير "نوتردام الاطلس" في ميدلت بالمغرب, على ثلاث فترات مدتها شهر ونصف (ابريل 2011,غشت ,2011 وفبراير 2012 ) يقدم فيها الراهب شهادته على مساره ومسار إخوانه في دير تيبحرين بالجزائر وعملية الاختطاف الذي تعرض لها سبعة منهم. شهادة معززة بتوثيق مهم قام به نيكولا بالي لكي يعطي حياة للحكاية مع القيام بالتحقيقات التاريخية الضرورية كلما امكن ذلك. اضافة الى ملاحظاته عن الحياة اليومية في الدير والحوار بين المسيحيين والمسلمين في عين المكان، وقراءاته للكتب المختصة والارشيف الخاص بدير تيبحيرين 1996/1993 والارشيف الخاص للاب جان بيير وارشيف عائلة بول فافر ميغيل احد شهداء الاختطاف السبعة.
فندق المنظر الجميل Bellevueعبارة عن إقامة قديمة من طابق واحد وبهو وحديقة تعود الى عهد الحماية الفرنسية بالمغرب. تم بناؤه على أطراف مدينة فاس، خارج الاسوار، قرب باب الحديد، في فترة بناء خط السكة الحديدية في اتجاه وجدة. في هذا المكان الهادئ تم في يناير 1988 افتتاح فرع لدير تيبحيرين في قلب موقع مطبوع بالايمان الاسلامي. فالمدينة ذات المئات من المساجد توجد على مسافة عشرة دقائق مشيا على الأقدام.
وقرار خلافة راهبات اخوات المسيح الصغيرات هناك جاء استجابة لرغبة اسقف الرباط بمنح مكان اضافي للراحة الروحية والصلاة. ومن ميزان هذا التواجد بالمغرب، يسمح المكان بامتصاص فائض من اتباع وسكان دير تيبحيرين وتفادي وقوع توترات مع السلطات الجزائرية ووجود هذه القاعدة البابوية بالمغرب يمنح في النهاية موقع استقبال مهم في حالة تفريق مفاجئ لجماعة تيبحرين، ويمكن ان تستخدم للعودة الى الجزائر في حالة عودة، الظروف الى طبيعتها.
مع اقتراب صيف 1996، وتحت ضغط القيض الذي تعرفه منطقة فاس، كنا نعيش في انتظار اخبار عن اخواننا من خلال الاتصالات المستمرة مع اسقفية الجزائر، فندق المنظر الجميل كان يمنحنا الملجأ الروحي وسط دفء الحياة الجماعية.
كان المكان مايزال مسكونا بتواجد الأب برونو، رئيس هذا الملحق وايضا بتواجد الأب كريستيان واخوان آخرين كانوا متعودين على الإقامة به كأصدقاء ولاستمرار العلاقات مع دير تيبحرين.
من الصباح الى الليل، كانت كل صلواتنا موجهة لإخواننا المختطفين من اجل ان يحافظوا على البهاء, ان يظلوا افضل شهود وان يواصلوا عيش حياتهم الديرية هناك حيث يوجدون محتجزين.
الى أن جاء ذلك اليوم يوم 21 ماي 1996، حيث بثت اذاعة ميدي 1 من طنجة بيانا منسوبا للجماعة الاسلامية المسلحة GIA يقول» »لقد قطعنا أعناقا لرهبان طبقا لوعودنا ...»اخبرني اتصال هاتفي من أسقف طنجة الأب بيتيرو بالنهاية المأساوية.
كانت الساعة حوالي السادسة بعد الظهر، وكانت صلاة الستار ستبدأ. الأخ الذي عاد من المدينة للتبضع، استلقى على صدره أمام بيت قربان الكنيسة وهو يصيح «الإخوان ماتوا». بعد الصلاة والأكل، وبينما كنا ننظف الاواني معا، قلت له «»اتعرف ما نعيشه حاليا ليس حزينا، انه شيء عظيم جدا، علينا ان نكون في المستوى. فالقربان الذي سنقدمه لأرواحهم لن يكون صلاة بالاسود او الوردي, الوان الحزن، بل سيكون بالأحمر لون الشهادة والحب«.
سيكون بطبيعة الحال من الصعب اخماد الصدمة التي أ حسسناها جميعا أمام هذه الأحداث المؤلمة التي يعني ايضا نهاية حياة بكاملها لجماعة متلاحمة واخوية في تيبحرين. ولكن إخواننا في تيبحرين ربحوا حياتهم ,حياة مهداة للرب وللجزائر. لقد وصلوا الى جواره، وبالتأكيد تلقوا المكافأة على كل ما اعطوا بكل حب حتى النهاية. هذا العطاء الأخير، هو الناعم الكامل لعلاقتهم بالإسلام.
أتذكر جيدا، أنني كنت أفكر بتأثر في شهادة التدين سيبريان، اسقف شمال افريقيا الذي حكم عليه القنصل الروماني بقرطاج بقطع رأسه في القرن الثالث الميلادي. وفاة سيبريان كانت احتفالا حقيقيا.
هج المسيحيون للصلاة والشموع في ايديهم الى مكان تنفيذ الحكم, حيث نقلوا الجثة ذهبوا الى حد مد خطوط لاستعادة الدم على الارض. كان ذلك ميلاد اولى ليالي الصلاة الليلية على شرف الشهداء، من دون ان يتعلق الامر بمظاهر احتفالية للفرح.
وقد تذكرنا هذه الفترة ايضا عندما تم الاعلان عن اكتشاف رؤوس اخواننا ثم عندنا اقيمت الجنائز. في كاتدرائية نوتردام افريقيا بالجزائر، يوم الاحد 2 يونيو 1996 وتلتها مراسيم الدفن في مقبرة تيبحيرين.
الحب والشهادة: في كنيسة نوتردام افريقيا، اقيمت الصلاة بالأحمر في خشوع كبير، خشوع القديسة ترينيتي. بحضور الجتامين السبعة تحيط بجثمان الكاردينال دوفال، الاسقف السامي للجزائر الذي توفي قبل يومين. حضر الكاردينال ارينزي رئيسا لمجلس البابوي للحوار بين الديانات مبعوثا من طرف البابا يوحنا بولس الثاني لترأس المراسيم. وهكذا انتهت بالنسبة لي شخصيا واميدي، اكثر من 30سنة من الالتزام الديري في الجزائر.
لم أكن حزينا ولست حزينا. اليوم كما بالأمس مازالت أصواتهم. ترن بداخلي. الى كل اخواني اتذكركم كل يوم في ديرنا نوتردام الاطلس بميدلت بالمغرب حيث نقيم منذ مارس 2000 مع الاب جان بيير فلاشير الذي اصبح رئيسا والاخ خوصي لويس نافارو, اخونا المكلف بالاقامة. كيف لا افكر في اصدقائي الذين رحلوا امام عظمة قمم الاطلس المغربي التي تشكل صلة وصل جغرافي مع حياتنا السابقة على بعد 800 كلم هناك في الجزائر؟
في ميدلت سحر ابتساماتهم يستقبلني عندما افتح باب كنيسة الذكرى الصغيرة المزينة بصورهم التي رسمها فنان جزائري صديق لنا، تضاف اليها صورة اميدي الذي يقاسمنا حياتنا هنا منذ 2001 الى أن لبى نداء ربه سنة 2008 وهكذا اصبحت من سمته الصحف «آخر الناجين من رهبان تيبحرين» ليس لأن هذا الوصف يزعجني ولكنني ابقي قبل كل شيء مجرد اخ ملتزم منذ 55 سنة بحياة الدير, المدرسة الجماعية التي تعلم الله، وهو ما يصنع فرحتي ويساعدني على الجواب عن الاسئلة التي تظهر لامحالة طيلة الوجود.
وكيفما كانت الحقب والظروف، يواجه الناجون تساؤلات متشابهة: »ماذا وقع؟ ولماذا حفظ الله حياتنا نحن وليس غيرنا؟« عاجلا أم آجلا الأجوبة تأتي لكن بشرط البقاء طائعاً لمشيئة الروح الإلهية.
النقط الغامضة ظلت عديدة غداة الاختطاف. مع أميدي لم نفهم أولا لماذا لم يأت الخاطفون إلينا في غرفنا لاختطافنا، بينما كنا من بين القدماء الذين وصلوا إلى الجزائر هو جاء سنة 1946 وأنا سنة 1964.
الغموض رفع بعد أسابيع من طرف محمد، حارس الدير. في سنة 1997، عدت من فاس من أجل زيارة قصيرة الى تيبحرين، نزلت بمطار الجزائر. حضر جار للدير ليأخذني بسيارته. كان محمد في خلف السيارة، طلبت منه أن يحكي لي كيف عاش مأساة اختطاف الإخوة. كانت تفسيراته واضحة.
ليلة 26 إلى 27 مارس 1996، حضر الخاطفون إلى منزله (كان يسكن بيتا بعيداً عن الدير) وأمروه بأن يقودهم الى الطبيب الأخ لوك بذريعة واهية أن لديهم جريحين يتعين علاجهما. رد عليهم: »لا أستطيع لأن الرهبان منعوا علي العمل ليلا«. أظهر الخاطفون تهديدات جدية، وقادهم محمد ليس إلى عند الأخ لوك، ولكن عند الأخ كريستيان لأنه كان هو الرئيس.
كيف تمكنوا من التسلل إلى الدير؟ أحد الخاطفين ربما تسلق الجدار لفتح الباب الحديدي الصغير المقابل لمكان البواب من الداخل ثم صعدوا الدرج الذي يؤدي نحو الساحة الداخلية للدير المؤدية إلى الحديقة. وهناك تمكنوا من الدخول مروراً بالدرج تحت أرضي: كان هناك باب خاص بواجهتين تمكنوا من فتحه بسهولة. أحد أفراد المجموعة تساءل بنرفزة: »أين نذهب؟ هناك أبواب في كل مكان!« ربما اعتقد أن الحارس يحاول تضليلهم أو ينصب لهم كميناً.
عندما وصل أمام غرفة كريستيان، قال زعيم الخاطفين لمحمد »أنا سأطرق الباب وأنت تجيبه«, فتح كريستيان الباب، دخلوا الى الغرفة قبل أن يتوجهوا الى غرفة لوك الموجودة في الغرفة الكبرى المجاورة.
في تلك اللحظة، حصلت المناقشة التي أيقظتني. لقد خرجوا من جديد الى الساحة قرب البوابة رفقة كريستيان ولوك بعد أن فتحوا من الداخل البوابة الكبرى القريبة من غرفتي.
سألوا محمد: »هم سبعة؟« أجابهم «»كما قلتم«« لكننا كنا تسعة. وهكذا نجونا أنا وأميدي. بعد ذلك، صعد الخاطفون الى الطابق حيث توجد غرف الإخوة الآخرين برونو، سليستان، كريستوف، ميشيل وبول وهم ينزلون الدرج سمع محمد أحد الخاطفين يهمس لآخر «»ابحث عن حبل,هذا سيرى من هي الجماعة الاسلامية المسلحة«« فهم أنهم يريدون ذبحه، مستغلا لحظة عدم انتباه من طرفهم نجح حارسنا في الإفلات منهم و يختبىء في حديقة ملكية الدير الواسعة, حيث بقي مختبئاً هناك حتى الصباح. لماذا لم يطارده الخاطفون أو لم يفتحوا عليه النار؟ بدون شك، لم يكن أمامهم متسع من الوقت، ولأن عمليتهم كان يجب أن تتم في سرية وبأسرع ما يمكن.
صبيحة اليوم الموالي للاختطاف، أتذكر أنني وجدت محمد جالساً على طاولة منهار تماماً. عندما دخلت الغرفة التي كان يوجد بها، نظر إلي بحسرة وهو يدفن رأسه بين يديه من جديد. لم يكن يريد الأكل، كانت له علاقات متينة معنا. كان صديقاً وفياً حقيقياً كنا نشغله منذ عدة سنوات. كريستيان كان يعشق التحدث معه عن الحياة الروحية. حارسنا بذل كل ما في وسعه لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأشخاص خلال عملية الاختطاف. عندما صعد مع الخاطفين الى الطابق لمح تيري بيك يفتح باب الممر المؤدي الى غرف الإخوة. بيكر خرج من غرفته معتقداً ربما أن سليستان الذي أجريت له قبل وقت قصير عملية على القلب، أصيب بوعكة في الليل، بنظرة، أفهمه محمد أنه لا يجب أن يظهر، وهذا الفعل من جانب حارسنا مكنه من أن تفرج عنه السلطات الجزائرية بعدما تم اعتقاله بشبهة التواطؤ مع الخاطفين.
16 سنة بعد الأحداث، لازلت أتساءل. من هم هؤلاء الخاطفون؟ من أمر بهذا الاختطاف؟ ليس لدي أي جواب ولا أحب الجواب عن هذا السؤال في غياب تأكيدات. نحن نثق في قاضي التحقيق الفرنسي مارك تريفيديك الذي يشتغل على هذا الملف بحرص حقيقي لكشف الحقيقة، كما نثق في أرنو فايو، المدعي العام السابق لهيئة الجماعة الذي يخبرنا عن آخر تطورات التحقيق، ومعرفة الحقيقة سيكون ارتياحاً بالنسبة لنا. لنتأمل مرة أخرى في هذه العبارة من وصية كريستيان دوشيرجي:» »لا أرى كيف يمكن أن أبتهج بأن نتهم بدون تمييز، هذا الشعب الذي أحبه بمقتلي««، أعتقد أننا نسير شيئا فشيئاً نحو الحقيقة. وعاجلا أم آجلا يتكلم أشخاص في نهاية المطاف.
فيما يخصني يستحيل علي استخلاص أدنى خلاصة من الوقائع التي كنت شاهداً عليها. أفكر مجدداً في الشريط الذي وجهه الخاطفون إلى السفارة الفرنسية في الجزائر. في خريف 1996، انعقد اجتماع عام للهيئة في روما. رئيسات دير في علاقة مع رئيس دير بيلفونتين اقترحوا علي الاستماع لهذا التسجيل بصوت الإخوة خلال احتجازهم. قبلت الاقتراح، لأنني كنت أحس بالحاجة لمعرفة ما إذا كان إخواني مطمئنين، وهو ما كان بالفعل. فقط صوت كريستيان كان أقل طمأنينة من المعتاد. أحسست به حزيناً، وأظن أن مسؤوليته الدينية تجاه إخوانه كانت حملا عليه. الأخ لوك احتفظ من جانبه بدعابته المعهودة، عندما طلب منه الإعلان عن هويته كان رده كالتالي: »... أنا مع زملائي رهينة من طرف... ما اسمها؟ (صمت) الجماعة... الاسلامية [...]«. لاحظت على الخصوص النبرة المتهكمة والمحتقرة نوعاً ما للخاطفين. كان الإخوان يبدون هادئين نسبياً ولم يكن يظهر أنهم تعرضوا للعنف. فيما بعد استمعت مجدداً للتسجيل الصوتي في محاولة لتحديد مكان الاحتجاز...
بعض أصوات منبهات السيارات وأصوات حركة سير مبحوحة.. لا شيء مؤكد.. هل هم موجودون في مدينة؟ قرب طريق؟ وفي يد من؟ لا أستطيع قول ذلك. وحتى عندما أفكر في الأمر بشكل معمق، لا أرى مؤشرا مؤكدا، ربما باستثناء مؤشر واحد ضعيف، في تيبحرين، قبل يومين أو ثلاثة من الاختطاف، كان علينا أن ننتبه أكثر لحركة الذهاب والإياب المشبوهة لرجل حول مكان تواجدنا، لاحظ ذلك علي البستاني الذي اخبرني بأنه لم يسبق أن رآه من قبل في محيط الإقامة. هذا الشخص الذي لم يصفه لي بالتدقيق، هل كان هناك من أجل عملية التعرف على المكان؟ ربما الأمر كذلك لأنه لم يدخل إلى داخل مبنى الدير، ولا جاء لتلقي العلاج في المستوصف...
وإذا كانت المعلومات التي أعطاها الحارس محمد قد مكنتني من معرفة أفضل لظروف الاختطاف، إلا أنني بقيت مشدوها بهذا الغموض. »لماذا سمح الرب لأميدي وأنا أن نبقى على قيد الحياة؟ لماذا لم يأت لأخذنا تلك الليلة؟«. صحيح لم أر إخواني يختطفون، ولكن لو نظرات عبر النافذة قبل أن يغلق الباب، هل كان بإمكاني أن أراهم؟ ولو رأيتهم، كيف سيكون رد فعلي؟
هذا السؤال أرقني لفترة طويلة. في سنة 1993 قررت بشكل جماعي تركنا لكل واحد منا حرية مواجهة الخطر المحدق بالشكل الذي يراه مناسبا. وعند الاقتضاء، كان من الممكن لكل واحد الاختباء لإنقاذ حياته. كان مقررا كذلك في حالة الاختطاف أو التفرق الإلتقاء في فاس لإعادة تشكيل جماعتنا في أفق عودة محتملة إلى الجزائر. أو في حالة تعذر ذلك، الإلتقاء في بلد آخر من بلدان المغرب العربي من اختيارنا. وأعتقد مع ذلك أنه لو كنت رأيت الخاطفين يأخذون إخواني، لأثر ذلك في طيلة حياتي.
عندما استغرق في نصوص الكتب المقدسة، أحاول البحث عن جواب غير موجود كما لو أن الغموض ينضاف إلى الغموض في لعبة مرايا منتهية» حضرني قول الانجيل مباشرة بعد الاختطاف» »شخصان سيكونان في الساحة، واحد يؤخذ و الآخر يترك، إمرأتان تطحنان واحدة تأخذ والأخرى تترك«« المسيح ذكر هذا القول للتعبير عن الحكم اللامتكافيء على الناس خلال مروره» »لنفهم جيدا، لو أن صاحب الدار كان يعرف في أي وقت من الليل سيأتي اللص، لبقي متيقظا ولما سمح باختراق جدار منزله. وهكذا أنتم أيضا استعدوا، لأنه في اللحظة التي لا تتوقعون , يأتي ابن الرجل«.
هل هذا يعني أنني لم أكن مستعدا لاستقبال الرب ليلة الاختطاف؟ كنت حائرا أكثر خاصة وأن الإنجليل لا يذكر من الشخصين أكثر سعادة: هل الرجل الذي أخذ أو الرجل الذي ترك؟ أميل إلي الاعتقاد بأ نالشخص الذي ترك له أيضا بسبب ليكون في ذهن الرب، ولو أ و ضعيته أقل فضلا.
في الأشهر التي تلت الاختطاف ووفاة الإخوة، تلقيت في فاس رسالة غير متوقعة من رئيسة دير, ابنة الرب في سويسرا، وهذه الرسالة أحتفظ بها في أرشيفي. كتبت هذه الراهبة تقول» »هناك إخوان تطلب منهم الشهادة بتقديم حياتهم، وآخرون تطلب منهم الشهادة من خلال حياتهم«« هذه الكلمات أراحتني من التساؤل الذي كان يؤرقني. عبر لي أشخاص آخرون عن نفس الشيء مع توالي الأيام: »بقيت حيا لكي تستطيع تقديم شهادتك«.
وكان هناك مؤشر آخر لم يسبق أن أثرته علانية - ذات يوم في صيف 1998، في ملحقة فاس، إنهار سقف غرفتي فوق سريري، في الوقت الذي كنت خارجا إلى البهو، سقط عمودان كبيران في نفس المكان الذي كان سيتواجد به رأسي لو كنت مستلقيا أثناء قيلولتي، القدسية العذراء حمتني مرة أخرى: »الشهادة من خلال الحياة«. هذا شيء جميل ولكن كم هو مكلف. أقيس ذلك كل يوم ما بين أبريل ونونبر عندما استقبل في ميدلت مجموعات من السياح أو الحجاج الذين يطلبون مني الحديث عن إخواني. هم كثر منذ صدور فيلم كزافيي بوفوا واتييان كومار «»رجال وآلهة« «سنة 2010 الذي عرف برسالة السلام لرهبان تيبحرين لشريعة واسعة من الجمهور، ومنذ أن قبلت إعطاء استجوابات مطولة للصحافة حول حياتنا في الجزائر وحول ليلة الاختطاف. ولكنها مهمة أقوم بها بفرح واعتراف - بفضل مساعدة الرب واعتقد برغبة منه - ليس فقط لأنه لم يكن صعبا اخفاء هذه الأحداث التي هي من صنع الرب، ولكن باتفاق مع رؤسائي، كان يبدو لي مهما التعريف بهذه القصة من أجل ذكرى رفاقي ولتصويب بعض الأخطاء في بعض الروايات - مثل الرواية التي ذكرت أنني كنت نائما خلال الليلة التي اختطف فيها إخواني.
فيلم غزافيي بوفوا أثار اهتماما كبيرا وأعطى وصفا جيدا للوحدة التي تمت حول قرار البقاء في تيبحرين بالرغم من مخاطر الحرب الأهلية، وهو ما أعطاني ما يكفي من الثقة للتعبير أكثر بدوري، هذا الفيلم، أرسل إلينا قبل بته، شاهدته ثلاث مرات في الدير. كنا نجلس في قاعة حيث نتوفر على جهاز قراءة الأفلام لمشاهدته, كنت أحس بفرحة عميقة وحميمية أمام هذه الصور. رئيس ديرنا شاهده حوالي 10 مرات، من الواضح أن الروح الطيبة تفوح من بعض الممثلين رغم أنهم ليسوا مؤمنين, كانوا في الفيلم أكثر إقناعا من الرهبان، والطريقة التي يغنون بها في الكنيسة جيدة ومستواها أعلى من مستوانا - نحن الذين نميل في بعض الأحيان إلى الغناء مثل الأواني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.