هذا الكتاب «روح تيبحرين» يرتكز على مقابلات معمقة مع الاب جان بيير شوماخر. طيلة ثلاثين ساعة، اجراها نيكولا بالي في دير "نوتردام الاطلس" في ميدلت بالمغرب, على ثلاث فترات مدتها شهر ونصف (ابريل 2011,غشت ,2011 وفبراير 2012 ) يقدم فيها الراهب شهادته على مساره ومسار إخوانه في دير تيبحرين بالجزائر وعملية الاختطاف الذي تعرض لها سبعة منهم. شهادة معززة بتوثيق مهم قام به نيكولا بالي لكي يعطي حياة للحكاية مع القيام بالتحقيقات التاريخية الضرورية كلما امكن ذلك. اضافة الى ملاحظاته عن الحياة اليومية في الدير والحوار بين المسيحيين والمسلمين في عين المكان، وقراءاته للكتب المختصة والارشيف الخاص بدير تيبحيرين 1996/1993 والارشيف الخاص للاب جان بيير وارشيف عائلة بول فافر ميغيل احد شهداء الاختطاف السبعة. عادت الخضرة إلى الأطلس، وعاد القرويون الجزائريون لحصد الحشائش في الجبل. كانت بداية الربيع في تيبحرين وكانت تفوح منها لأول مرة وربما منذ أربع سنوات نسمة حياة خجولة. مازلت حتى اليوم، أشمر رائحة الأوكاليبتوس، ورائحة الصنوبر. مازلت أتذكر الحديقة بأشجار التفاح والخوخ المزهرة وأيضا أشجار الزيزفون والتين التي تغطي المنحدر على جانبي الدير, مازلت أسمع السمفونية الرائعة التي كانت تمتعنا بها الطيور منذ الفجر، عند الصلاة. بعض الطيور كانت تبني اعشاشها المتدلية. أعشاش كثيرة إلى درجة تظن في بعض الأحيان أنها مليئة بالثمار. في غابات المرتفعات المجاورة توقفت أصوات الطلقات النارية لتفسح المجال شيئا فشيئا لانتعاش الطبيعة الرائعة. في نهاية شهر مارس 1996، دابت ثلوج شهر فبراير وبدأنا نحس منذ بضعة أشهر بداية هدوء في هذه الجزائر التي زعزعتها الحرب الأهلية. والاشتباكات بين من كنا نسميهم "»إخوة السهل"« (العسكريون) و"»إخوة الجبل"«(المسلحون الإسلاميون) حرصا على عدم تأييد أي طرف منهما حتى نستطيع اقناعهما بالمصالحة، بدأت تبدو متفرقة. وإذا كان قد سقط قتلى في بداية مارس قرب تيبحرين، حيث يعيش القرويون في رعب، كانت العمليات تبدو أقل من المعتاد عبر البلد. لماذا! أجهل ذلك, لكن مجموعتنا الديرية وجدت في ذلك بعضا من الأوكسجين افتقدته في الأشهر السابقة. بطبيعة الحال, كنا مازلنا نجد صعوبة في التموين من سوق المدية، حيث كانت المواد الأساسية مثل الدقيق نادرة. وعندما كنا ننظر الى مرتفعات تامسكيدة، كان يستحيل ألا نلاحظ تلك البقع السوداء وسط الخضرة، كمخلفات للحرائق التي يضرمها الجيش في غطاء الفلين الأخضر الكثيف لمنع المسلمين من الاختباء فيه. كان ذلك يذكرنا بأن الهدوء يبقى مؤقتا وهشا. ومع ذلك يتأكد الانفراج فعلا، وهو أمر أسعد بشكل خاص أحدنا: الأخ لوك، وهو طبيب، كان مكلفا بالمستوصف، وكان في بعض الأحيان يوقف العلاجات عن السكان نظرا لعدم توفر الأدوية. ولكن يوم 11 مارس كانت المعجزة! تلقى رفيقنا عدة إرساليات بعثت بها قبل شهرين كنيسة بيل فونتين، صديقة تيبحرين (ثلاثة رهبان كانوا ينحدرون في الأصل من هذه الكنيسة). كانت السيارات تتحرك بشكل أفضل على الطرقات المليئة بالحواجز المشكلة في الغالب من جدوع الأشجار، ولذلك قرر رئيس ديرنا، الأب كريستيان دوشيرجي Christian de chergeé، مع آخرين. تنظيم اجتماع جديد لرباط السلام، بعد توقف لمدة ثلاث سنوات. هذا الرباط الأخوي كان يسمح بإقامة علاقات تبادل مع بعض الشيوخ المسلمين الصوفيين من المدية إلى المنحدرين من زاوية العلاوية الموجودة في مستغانم (أسسها سنة 1909 بمستغانم الشيخ أحمد ابن مصطفى العلاوي). وكان شيخ الزاوية يمنع اتباعه من زيارة ديرنا لأسباب أمنية، ولذلك كان استئناف رباط السلام سيتم فقط بمشاركة المسيحيين (راهبات ورهبان). يوم الثلاثاء 26 مارس 1996 وصل حوالي 10 أشخاص من الجزائر العاصمة وقسنطينة ووهران من ضمنهم تيري بيكر, النائب العام للقس بييركلافري أسقف وهران. في تلك الحقبة وبسبب مهمتي كوكيل. لم أكن مشاركا في الرباط الذي كان بالأخص قضية الأب كريستيان والأخ كريستوف والأخ ميشيل، وبالتالي لا يمكنني أن أشهد على ما قيل في الرباط أو ما كان يجب أن يقال فيه، لاسيما وأنه في ذلك اليوم، كان علينا أن ننزل الى الجزائر في سيارتنا القديمة (رونو4) صحبة الأب أميدي للقيام ببعض الإجراءات الإدارية، وأخذ الأخ بول من المطار. كان قادما من مسقط رأسه في منطقة سافوا العليا، حيث كان في عطلة لزيارة والدته المريضة. عاد بول محملا بمؤن وأيضا نبات شجيرات ومعاول لخدمة حديقة الدير - أراضي نتقاسمها مع الجيران والأصدقاء المسلمين، تحت مسؤولية الأخ كريستوف. كنا سعداء بلقاء الأخ بول بمزاجه المرح، وكنا سعداء أيضا لرؤية المجموعة تجتمع من جديد في تلك الأيام الصعبة. في بداية المساء كان الحماس كبيرا في كنيسة الدير. لكن هذ الفرحة كانت مع ذلك تختلط بأحاسيس متناقضة لم يجرؤ أحد على التعبير عنها. كان التوتر يبدو في بعض اللحظات على وجه الأخ بول. فراق أهله مجددا أثر فيه بعض الشيء لأنه كان يعرف مناخ الخطر السائد في الجزائر. ألم يقل لأقربائه قبل الرحيل" »هذه المعاول أحملها معي لحفر قبورنا«"؟ كل واحد كان يحاول تصريف المصير المشؤوم والتحكم في خوفه ما أمكن. الجميع كان يعي أن الأخ بول يجد نفسه، مثلنا جميعا، معرضا من جديد لمخاطر الحرب الأهلية. لكن في ذلك المساء، لا مجال لترك الأفكار السيئة تهيمن وتفسد علينا فرحة اللقاء. وبسرعة عاد كل واحد إلى مكانه واستعاد مهامه المعتادة. فالرب لا يمكن أن ينتظر! شخصيا، كان علي أن أقوم بعملي كبواب. بعد وجبة الطعام في قاعة الأكل، وإقامة صلاة النوم في الساعة الثامنة ليلا، ذهبت كالعادة كل يوم لإغلاق البوابة الرئيسية للدير، ثم التحقت بمبنى البوابة للنوم دون تأخير: كل صباح يتعين على الرهبان أن يستيقظوا في الساعة الثالثة صباحا و15 دقيقة لأداء صلاة اليقظة. ورغم ذلك، في تلك الليلة لم يخرجني من النوم رنات جرس الدير. كان هناك ضجيج غير عادي لمناقشة أمام الباب على بعد عشرة أمتار من غرفتي، يصل إلى مسامعي، عندما نظرت الى ساعتي، رأيت أن الوقت لم يحن بعد للذهاب إلى الكنيسة. كانت الساعة تشير إلى الواحدة صباحاً. ماذا يجري؟ اعتقدت أن الأمر ربما يتعلق »بإخوان الجبل« كانوا بحاجة لاستشارة الأخ لوك. كان مستوصفه محاذيا للدير. سبق أن حدث في الأشهر السابقة أن جاء بعضهم هكذا لتلقي العلاج في بداية الليل، باستثناء مرة واحدة جاؤوا في عز الظهيرة وركنوا سيارتهم قرب المدرسة الموجودة بالقرب من ملكيتنا. وأنا أفكر في هذا الاحتمال، لاحظت أن المناقشة متواصلة في الخارج دون أن يطرق أي أحد الباب لكي أنهض وأفتح له، وهو ما بدا لي غريباً. ودون أن أشعل النور، نهضت من سريري وتوجهت إلى النافذة. كانت تطل على سور مبنى الدير الذي كان به باب حديدي صغير، عندما رفعت جانباً من ستار النافذة لمحت شخصاً على بعد حوالي 15 متراً، يتسلل عبر هذه الفتحة. ورغم الظلام، تمكنت من تمييز رجل يضع عمامة بندقية كلاشينكوف. هذا الشخص بدا لي أنه يتوجه نحو من كانوا يتحدثون أمام الباب على يمين نافذتي، ولم أكن أستطيع رؤيتهم من الموقع الذي كنت أتواجد به. وبعد أن سار على طول مبنى الحراسة، دخل نفس الشخص بعد ذلك الى الطابق السفلي للدير، حيث كان ينام الأخ لوك. لم أكن مطمئناً وأحسست بعدم الارتياح، ركعت على ركبتي قرب السرير للصلاة والتوسل للرب لكي يحمينا. وقع حينها شيء لم يسبق أن حكيته من قبل: قبضة باب غرفتي تحركت وصدر منها صوت. شخص ما حاول فتح الباب دون أن يتمكن من ذلك. القبضة كانت تدور في فراغ، لأني كالعادة كل ليلة قبل أن أنام، أسقط المزلاج كإجراء أمني. على بعد مترين تقريباً، كنت أواصل صلاتي في الظلام. لم يكن بإمكان أحد أن يراني من الخارج بما أن الستار كان يغطي الباب الزجاجي كان يكفي كسر زجاجتي الباب لدخول الغرفة. لكن الشخص المجهول لم يتوقف كثيراً، رحل على الفور، ظاناً على الأرجح أن الغرفة غير مسكونة. بعد دقائق، تواصلت المناقشة بعيداً في الخارج. تعرفت على صوت كريستيان، تساءل رئيس ديرنا قائلا: "»من هو القائد؟« "عندما سمعت صوته أحسست ببعض الارتياح، لأنني اعتقدت أن كريستيان هو من فتح الباب للاتصال مع زعيمهم. إذا كان معهم كل شيء على ما يرام. لكن الجواب الذي جاء بعد دقائق، فهمت منه أن الوضعية لم تكن عادية تماماً، بل يمكن أن تصبح خطيرة. أحد أفراد المجموعة خاطب كرستيان باللغة العربية قائلا" »إنه هو القائد، عليك الامتثال إليه"« كلمات صدرت بنبرة صارمة وآمرة، لم أكن مرتاحاً. هل يجب الخروج؟ بما أنني بواب الدير، كان بإمكاني فعل ذلك. ولكن بما أن كرستيان كان يتحدث معهم، اعتقدت أنه يتدبر الأمر أفضل مني لأنه يتكلم العربية وسيعطيهم ما أرادوا... لم أكن أتوقع أبداً حدوث اختطاف، لكنني لم أكن مطمئناً. يمكن أن يقع أي شيء. بعد حوالي ربع ساعة ما بين الواحدة والربع والواحدة والنصف صباحا سمعت الباب الذي يؤدي الى الشارع يغلق دون أن أرى شيئاً أو أسمع صوت محرك. ظننت أن الزوار رحلوا بعد أن مدهم كريستيان بما كانوا يطلبون، مطمئناً خرجت الى المرحاض. كل شيء كان هادئاً في الخارج. ثم عدت الى السرير دون أن أطرح مزيداً من الأسئلة. بعد ذلك، جاء أحد يطرق باب غرفتي، تعرفت على الفور على صوت الأب أميدي وفتحت الباب. كان ظِلاَّن يقفان أمامي، كان معه تيري بيكر ممثل كنيسة وهران. أميدي، وهو رجل شجاع حارب في صفوف المقاومة في كورسيكا وستراسبورغ خلال الحرب العالمية الثانية، كان يتحدث بهدوء وسألني »"هل علمت بما حصل؟«، لقد تم اختطاف الإخوة، لم يبق سوى أنت وأنا، وناس الرباط«" كنا مذهولين ومصدومين دون أن نستسلم للذعر. في تلك اللحظة وفي الأيام التالية لم نكن نتصور نهاية مأساوية بالنسبة لنا, كنا متيقنين أن الأمر يتعلق فقط بعملية أخذ رهائن ليكونوا عملة تبادل. في سياق الاختطاف، حكيت لأميدي ما رأيته من نافذتي تلك الليلة وحكى لي بدوره ما كان شاهداً عليه. كان كذلك في غرفته التي يغلقها بالمفتاح دائماً. عندما تسلل الخاطفون الى داخل الدير، كانت غرفته مجاورة لغرفة الأخ لوك. في الليل، كان طبيبنا ينام دائماً و باب غرفته مفتوح حتى يتنفس جيداً، لأنه كان يعاني من الربو. من فتحة القفل، تمكن أميدي من رؤية شخصين لم يصفهما لي ربما لأنه وجد صعوبة في تمييزهما يفتشان في الأدوية التي كان يخزنها طبيبنا في الغرفة المجاورة. أحدهما اقترب من باب غرفة أميدي وحاول فتحها دون جدوى. حكى لي قائلا: »لم يدم الأمر طويلا، ثم هدأ الوضع فجأة كما لو أنه صدر أمر بالتراجع«. عندما خرج من غرفته، اكتشف أميدي غرفة لوك مبعثرة وأنوارها مشعلة. اختفى المذياع. كانت غرفة الأب كريستيان المقابلة مبعثرة كذلك. كانت الأوراق متناثرة على الأرض. أخذوا معهم آلة كاتبة إلكترونية جديدة وآلة تصوير. غير هذه الأدوات لم يأخذوا شيئاً آخر. معاً، زرنا مختلف الغرف. في مكتبة الكنيسة أثارنا أمر: تم وضع قطعة جبن كبيرة وضعت بشكل بارز فوق طاولة الكتب. كانت واحدة من قطع المؤونة التي جلبها الأخ بول معه في اليوم السابق. كانت علامة الإنتاج الملصقة على القطعة تحمل صليباً مسيحياً. بدون شك، ربما كان ذلك هو السبب الذي لم يشجع الخاطفين على أخذها. في الطابق الأول، كانت غرف خمسة إخوان برونو، سليستان، كريستوف، بول وميشيل فارغة. بعد مرور الدهشة، كان أول رد فعلنا هو إخبار الشرطة والدرك. لكن كان مستحيلا استعمال الهاتف من غرفة كريستيان: اكتشفنا أن الخاطفين قطعوا أسلاك الهاتف. هرعنا حتى مكتب الدير، حيث لم يقطعوا الأسلاك عندما حملت السماعة وبدأت تركيب الأرقام، لم تكن بالهاتف حرارة. كنا حائرين .ما العمل؟ لم يكن ممكنا اخذ السيارة والذهاب الى اقرب بلدة: في ذلك الوقت كان حظر التجول ساريا في الجزائر. لم يكن من حل آخر سوى انتظار طلوع الشمس. أدينا صلاة اليقظة مع اميدي وتيري بيكي وراهبين اخرين من بينهم. واحد جاء لاجتماع الرباط. كان بيكر يريد ضرب الجرس، اقنعته انا واميدي بالا يفعل ذلك: »قد يعود الخاطفون«! أما بالنسبة للضيوف الذين صدموا من احداث الليلة، فلم يغادروا غرفهم. راهبات كن يقمن في مبنى الضيافة تم ايقاظهن في عز الليل مثلنا، في الساعة الخامسة صباحا. كنا ننتظر ان يأتي الجيران المسلمون كما يفعلون كل يوم، للصلاة في قاعة اعدت لهم بالقرب من الدير. لكننا لم نرهم. ربما كانوا خائفين ولم يخرجوا وصلوا بعد ذلك. احدهم عثر على البذلة الرهبانية للاخ ميشيل في طريق الجبل على بعد 10 دقائق سيرا على الاقدام. وبمجرد رفع حظر التجول، طلبنا من كل المشاركين في الرباط الرحيل قبل مجيء الشرطة, نفس الشيء طلبناه من صديق جزائري جاء من البليدة قبل يوم، والذي كان وجوده في تيبحرين سيجلب له المتاعب مع السلطات. الاب بلان كان يريد ان نذهب جميعا الى الجزائر العاصمة. بمن فيهم اميدي وانا قلنا له بشكل صارم: لا سنبقى لم يكن واردا تماما التخلي عن المكان. من يعلم ان كنا سنعود اليه بعد ذلك؟ وبينما بقي اميدي يحرس الدير، ركبنا سيارتنا مع تيري بيكر متوجهين الى تكنة الجيش في قرية دراع السمر، على بعد 3 كلم, كنت اعرف قائدها. اخبرني حراس التكنة ان القائد لم يصل بعد الى مكتبه ولا يستطيع استقبالنا. استمرينا في سيرنا حتى درك المدية, القائد الذي كنت أعرفه جيدا كذلك استقبلنا استقبالا جيدا. سمح لنا باستعمال الهاتف لإخبار الأب هنري تيسيي اسقف الجزائر. حرر الدرك محاضر بالعربية والفرنسية ظننا انهم يعطون تعليمات ببدء عمليات بحث, لكن امامنا لم يفعلوا ذلك - وهذا لا يعني انهم لم يهتموا بالامر بعد رحيلنا. ثم عدنا الى تيبحيرين على طول الطريق كان عمال الهاتف يعملون لإصلاح الاسلاك الهاتفية على طول كلم, عندما وصلنا الى الدير وجدنا هناك محققي الامن العسكري. سألونا ماذا تفعلون هنا؟ بينما نحن كنا في بيتنا. استجوبوا مطولا من قبل اميدي وايضا الحارس محمد الذي ذهب معهم من نفس الطريق الذي سلكه الخاطفون. لم يطرح علي الامن العسكري اي سؤال. في الساعة الرابعة مساء، أمرونا ان نتبعهم بسيارتنا للالتحاق بالمدية. خصص لنا الجيش هناك غرفتين هذا المساء لن تبقوا في تيبحرين، الوضع خطير، ستنامون في المدينة في هذا الفندق، كان بإمكاننا ان نبيت عند صديقنا جيل نيكولا قس المدية، ولكن لم يكن امامنا اختيار, طلبنا العودة انا واميدي وبيكر الى الدير في صباح اليوم الموالي 28 مارس من أجل اغلاق الكنيسة وجمع حاجاتنا واخذ بعض الارشيف. تم قبول هذا الطلب وكان يتعين الإسراع. في نهاية اليوم حوالي الساعة الرابعة مساء، تم نقلنا في قافلة حماية وبسرعة نحو الجزائر العاصمة. كان ذلك مؤلما: كنا نود البقاء في تيبحرين اذا امكن, وفاء لأمنيتنا في الاستقرار الديري، ولأننا كنا نعتقد انه بهذه الطريقة سيكون من الاسهل محاولة القيام بتدخلات لتسهيل البحث والافراج عن اخواننا. على الطريق الى العاصمة الجزائرية كان يتم فتح الحواجز الواحد تلو الاخر امامنا للمرور، تم نقلنا مباشرة الى البيت الابرشي الواقع في مرتفعات العاصمة حيث لجأ رهبان آخرون مهددون. عند وجبة المساء، كان الجو ثقيلا, لم يفارق التفكير في اخواننا الاذهان أين هم؟ كان مصيرهم يثير اقصى درجات القلق لدينا. لم يكن مستساغا ان تتوقف حياة المجموعة. لم نكن نتقن الطبخ, جلبنا معنا قدرا كبيرا مليئا بالفاصوليا الحمراء. الاخ لوك كان قد اعدها خلال الليل لضيوف الرباط، وجدناها موضوعة فوق الفرن. ورغم ايام التعب الطويلة في المستوصف، كلف نفسه كذلك بعناء إعداد الطعام لاخوانه كما كان يفعل كل ليلة ابتداء من الساعة الثانية. وها نحن نقدم ما أعده في غيابه. كيف لا نتأثر لذلك؟ لم نبق سوى يومين في البيت الابرشي بالجزائر. ظروف الاقامة كانت افضل في المبنى الذي يأوي المكتبة الابرشية للطلبة الجزائريين . دام مقامنا هناك شهرا. كل ليلة كنا نأمل وصول اخبار عن اخواننا ونحن نشاهد التلفزة. للاسف لا شيء.. ليس هناك أي مطلب، اي طريق، اي خبر لاشيء يمكننا من الحصول على ادنى معلومة حول حالتهم الصحية او مكان تواجدهم. انتظار طويل، ومعذب بدأ يستقر. من جانبي في المغرب استدعيت لتعويض الاب برونو - الذي كان ضمن الاشخاص السبعة المختطفين - كمسؤول عن فرع تيبحرين المتواجد بفاس. التحقت بالرهبان الثلاثة المتواجدين هناك منذ يناير 1988 الاب غني، الاب جان دولاكروا والاب جان باتيست. اميدي لم يغادر الجزائر على الفور. كان الاسقف تيسيي يريد تكليفه بادارة وحراسة الدير بغرض الاعداد لعودة محتملة. كنا ابعد ما يكون عن توقع ما سيأتي لاحقا. (يتبع)