صفقة بيع صحيفة «واشنطن بوست» بمبلغ 250 مليون دولار لمؤسس «أمازون» جيف بيزوس تمثل مؤشرا آخر على التحديات التي لم يسبق لها مثيل التي تواجهها الصحف في العالم مع تراجع عائد الإعلانات وعدد القراء. وهذه العملية هي الثالثة من نوعها التي يعلن عنها خلال أيام معدودة وتتعلق بصحيفة أميركية مشهورة تنتقل ملكيتها إلى أشخاص ومؤسسات في السوق الإعلامي الأميركي، وجاءت بعدما أعلنت شركة «نيويورك تايمز» هي الأخرى عن بيع صحيفة «بوسطن غلوب» بخسارة مقابل 70 مليون دولار. كما أعلنت مجموعة «أي بي تي ميديا» الإعلامية الإلكترونية السبت شراء مجلة «نيوزويك» بمبلغ لم يكشف عنه. وذكرت ال«واشنطن بوست»، التي اشتهرت في سبعينات القرن الماضي وأجبرت الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون على الاستقالة بعد سلسلة من التحريات بخصوص فضيحة «ووتر غيت»، إن التنافس المتزايد الذي تواجهه من شبكة الإنترنت على إيرادات الإعلانات هو المحرك الرئيس وراء بيع أصول صحيفة «واشنطن بوست». واستشهدت بما وصفته «الأزمة المالية التي اجتاحت الصحيفة» في ظل صعود قطاع الإنترنت و«التغير التاريخي من الطباعة إلى التكنولوجيا الرقمية». وقال دونالد غراهام الرئيس التنفيذي رئيس مجلس إدارة «واشنطن بوست» ومديرها التنفيذي الذي تملك أسرته الصحيفة إنها «ستكون أفضل حالا مع مالك آخر». وقال في رسالة إلى الموظفين «تتراجع إيراداتنا منذ سبع سنوات. كنا واثقين من صمود الصحيفة لكننا كنا نريد أكثر من ذلك. كنا نريد أن تبقى في القمة». وأضاف غراهام: «كان من الممكن أن تستمر (واشنطن بوست) في ظل ملكية الشركة وتحافظ على ربحيتها في المستقبل المنظور. ولكننا أردنا أن نتجاوز مرحلة الاستمرار.. لا أقول إن هذا يضمن النجاح، لكنه يعطينا فرصة أكبر بكثير لتحقيق النجاح». وأوضح أن بيزوس الذي تربطه به معرفة تعود لسنوات كان مرشحا جيدا لإبرام هذه الصفقة بسبب فطنته التي أثبتها في مجالي التكنولوجيا والأعمال». وأقرت ناشرة الصحيفة كاثرين ويماوث قريبة غراهام في رسالة منفصلة بأن قرار البيع اتخذ «بصعوبة وحزن» لكنه شكل «فرصة فريدة وممتازة» للصحيفة. وقالت الصحيفة إن «وحدتها الخاصة بالنسخة المطبوعة سجلت تراجعا بنسبة 44 في المائة في إيرادات التشغيل على مدار الأعوام الستة المنصرمة». ووافق بيزوس على شراء أصول صحيفة «واشنطن بوست» بما في ذلك الصحيفة على أن يسدد المبلغ عند إكمال عملية البيع في وقت لاحق العام الحالي. وبدأ بيزوس، مؤسس وقع «أمازون دوت كوم» أكبر موقع للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت، يقتحم مجال الإعلام في وقت سابق من العام باستثمارات صغيرة في موقع «بيزنس انسايدر» الإخباري. وفي خطاب نشر على موقع «واشنطن بوست» على الإنترنت لم يعد بيزوس بإحداث تغييرات جذرية. وكتب يقول «قيم (بوست) لا تحتاج للتغيير.. ستظل مهمة الصحيفة مكرسة لقرائها وليس للمصالح الخاصة للمالكين». وتقول «واشنطن بوست» إن «موقع (أمازون) سيظل منفصلا عن صفقة بوست». وسوف يصبح بيزوس، الرئيس التنفيذي للموقع، المالك الوحيد للصحيفة الإخبارية وموقعها الإلكتروني. وتشمل الصفقة «واشنطن بوست» ومطبوعات أخرى بما في ذلك صحيفة «اكسبريس» وصحيفة «غازيت» وصحيفة «ساذرن ماريلاند» وصحيفة «فيرفاكس كاونتي تايمز» و«التيمبو لاتينو» ودار «غريتر واشنطن ببليشينج» للنشر. وظلت شركة «بوست» في أيدي عائلية منذ تأسيسها في عام 1877. وسبب شهرتها هو الكشف عن فضيحة ووتر غيت عام 1972 التي أرغمت في نهاية المطاف الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون أن يصبح الرئيس الوحيد الذي يستقيل في تاريخ الولاياتالمتحدة. وتم شراء صحيفة «واشنطن بوست» في المزاد العلني في 1933 من قبل عضو في نظام الاحتياطي الفيدرالي هو يوجين مايرا. وبعد نجاحه كناشر خلفه في 1946 صهره فيليب غراهام. وبقيت الصحيفة لأربعة عقود ملكا لأسرة غراهام. وقالت «واشنطن بوست» إن موقع «أمازون»، ومقره سياتل، لن يكون له صلة بعملية الشراء. وسوف تواصل بقية قطاعات الشركة الأم العمل تحت الإدارة الحالية وتحت اسم «لم يتم حسمه بعد» لكنه لن يتضمن «بوست». وبيزوس، 49 عاما، في المرتبة ال19 على قائمة الثروات العالمية وقدرت ثروته ب25,2 مليار دولار وفقا للترتيب الأخير لمجلة «فوربس». وحقق بيزوس نجاحا خصوصا بفضل موقع «أمازون» الذي قام بتوسيعه ليشمل كل الأنشطة، مستثمرا في قطاعات يراها مربحة على الأجل الطويل وغالبا على حساب أرباح المجموعة. وهذه الاستراتيجية التي أشاد بها المستثمرون ساهمت إلى حد كبير في إعطاء دفع لعدة قطاعات في السنوات الأخيرة من بيع الكتب إلى الإصدارات الرقمية. ولم تشتر مجموعة «أمازون» «واشنطن بوست» بل اشتراها بيزوس بصفته الشخصية. وقال «بالتأكيد سيكون هناك تغييرات في الصحيفة في السنوات المقبلة» لتتماشى مع التقلبات المرتبطة بالشبكة العنكبوتية محذرا من «أننا سنحتاج إلى الابتكار ما يعني أننا سنحتاج إلى الاختبار». وأكد أنه «يدرك جيدا الدور الأساسي» للصحيفة في واشنطن وكل أنحاء البلاد موضحا أن «قيم ال(بوست) لن تتغير»، مضيفا أنه لا ينوي التدخل في العمل اليومي للصحيفة. ل«واشنطن بوست» فريق إداري ممتاز يعرف جيدا وأكثر مني قطاع الإعلام وسيستمر في عمله. وعلق جيف جارفيس المحلل المتخصص في وسائل الإعلام على عملية الشراء قائلا إنه يمكن اعتبار هذه الصفقة عملا خيريا قام به بيزوس لإعطاء دفع للصحيفة. * ال«بوست» في سطور *اشتهرت الصحيفة في سبعينات القرن الماضي خصوصا بمقالات بوب وودورد وكارل برنشتاين. وحقق الصحافيان من خلال كشفهما فضيحة ووترغيت التي تتعلق بعملية تنصت على مؤتمر الحزب الديمقراطي في فندق بواشنطن كان وراءها مسؤولون أميركيون كبار، «سبقا صحافيا» يعتبر الأهم في تاريخ الصحافة. وكانت ال«بوست» مع ال«غارديان» البريطانية من الصحف التي اتصل بها إدوارد سنودن للكشف عن برامج التجسس لوكالة الأمن القومي الأميركية. وفازت الصحيفة ب47 جائزة بوليتزر، تشمل منها ست جوائز بوليتزر منفصلة منحت للصحيفة في عام 2008. وكسائر الصحف الأميركية واجهت «واشنطن بوست» التي كانت توزع 475 ألف نسخة يوميا خلال أيام الأسبوع و838 ألفا يوم الأحد، صعوبات في التأقلم مع الإعلام الإلكتروني وسجلت تراجعا كبيرا في عائداتها. لكن إعلان عملية بيع الصحيفة التي كانت تديرها منذ 1933 أسرة ماير غراهام فاجأ المراقبين. وكتبت المسؤولة عن النشر كاثرين ويماوث في رسالة إلى القراء «هذا هو اليوم الذي كنت آمل كما أسرتي ألا نصل إليه أبدا». وأقر دون غراهام رئيس مجلس إدارة الصحيفة في رسالة أخرى بأن أفرادا من أسرته افتخروا منذ طفولتهم بأنهم كانوا ينتمون إلى العائلة التي كانت تملك «واشنطن بوست». واعتبارا من 1963 تولت كاثرين غراهام طوال ثلاثين سنة رئاسة الصحيفة وخلفت زوجها في هذا المنصب بعد انتحاره. وكان والد كاثرين، يوجين ماير اشترى الصحيفة في 1933 في مزاد علني بعد إفلاسها.