بعد انهيار أي نظام سياسي في هذا الشرق، تتسرب الأسرار، وتكشف الوثائق التي تدينه. يحدث هذا حتى مع النظم ذات الطبيعة شبه المنفتحة، كما حدث في ملكية العراق ومصر، وجمهوريات كلبنان واليمن، مثلا.. فما بالك بالنظم الغامضة والسرية؟! في الغرب، حيث الديمقراطيات الحقيقية، هذه الوثائق متاحة للنشر ضمن قيود محددة. هنا في الشرق تصبح الوثائق غنائم متاحة من النظام السابق، نتحدث عن الأنظمة الانقلابية القاطعة مع ما سبقها، لا الأنظمة الملكية التي تعتبر نفسها امتدادا تطوريا لما قبلها، وليست لحظة قطيعة وفصل. في مصر، حيث لم يستوعب «الإخوان» بعد صدمة عزلهم من الحكم، تتوالى فصول الدهشة من أرشيف الحكم الإخواني، خلال سنة واحدة فقط. صحيفة «الأهرام» المصرية نشرت مؤخرا، نقلا عن مصادر رسمية، وجود وثائق ومستندات خطيرة ضد رموز الجماعة ورئيس الجمهورية المعزول محمد مرسي، خلاصتها التآمر على الاستقرار العام وطلب المعونة من الأميركيين إذا لم يتمكن «الإخوان» من حكم مصر، وتتوعد هذه المصادر بنشر نصوص وتسجيلات صادمة. لقائل أن يقول: هذا معتاد، فإذا سقطت البقرة كثر الجزارون. والتاريخ يكتبه المنتصرون، لكن في عصر الصوت والصورة تصبح الوثائق لها أهمية حسية أكثر، كونها ليست «شهادات» من طرف معاد، بل كلام وصور الناس المشهود ضدهم، بشحمهم ولحمهم. على كل حال، لم نسمع ولم نشاهد شيئا حتى الآن مما ذكرته صحيفة «الأهرام»، لكني شخصيا شاهدت مؤخرا تسجيلا بالصوت والصورة للرئيس المعزول محمد مرسي، وبجواره مرشد الجماعة محمد بديع، بحضور قيادات من الجماعة، بدليل مخاطبة بديع لهم. في هذا التسجيل، يشرح مرسي للحضور خلاصة اتصالاته مع الطرف الأميركي، الحكومي منه وغير الحكومي، وأنهم - أي الأميركيين - يؤيدون وصول «الإخوان» للحكم، وأنهم يريدون التأكد من موقف الجماعة من السلام مع إسرائيل. ثم يواصل مرسي الشرح نقلا عن مسؤول أميركي أن الأميركيين كفلاء بتحصيل موافقة البنك الدولي على القرض، وحتى دعم دول الخليج. ثم يقاطع مرسي بغمزة عين ساخرة: «يعني عاوز يقول ان الخليج والبنك الدولي في جيبي، بس انتو ساعدونا»، مع ضحكات وهمهمة مؤيدة من الحضور. واضح أن التسجيل كان في ذروة النشوة الإخوانية الجديدة في الحكم. الملاحظ هنا، أنه ثمة بالفعل تسطيح في الرؤية السياسية الإخوانية، المنغمسة في التصورات التآمرية الساذجة. فموقف دول الخليج تجاه مصر تحكمه حسابات دول الخليج نفسها وليس الحسابات الأميركية، خصوصا مع هذه الإدارة. الحال يقول إن دول الخليج المعنية هنا، وهي السعودية والإمارات، لم تخضع للرغبة الأميركية، لا في سوريا، ولا في مصر، وكان موقفها تجاه مصر دافعه مصلحة «دولة» مصر، وليس مصلحة جماعة ما. لم يكن هذا الأمر سرا، الجميع رآه إلا بديع وإخوانه. "الشرق الاوسط"