كأنّ خمسة عقود أمضتها كبيرة مراسلي البيت الأبيض لم تكن كافية لتدرك هيلين توماس (1920 2013) معنى اقترابها من المنطقة الحمراء، ومدى سيطرة اللوبي الصهيوني هناك واكتوائها به حتى الاستقالة من وظيفتها، قبل أن ترحل أول من أمس السبت في واشنطن عن 92 عاماً بعدما قامت بتغطية 10 رؤساء للولايات المتحدة بدءاً بجون كينيدي. خلال احتفال حضرته في البيت الأبيض في منتصف أيّار (مايو)2010، قالت توماس إنّ «على الإسرائيليين مغادرة فلسطين. هذه ليست أرضهم. الفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال وهم أصحاب الأرض». رغم أنّ رأيها سُجّل من دون علمها، إلا أنّه لم يمرّ بلا عقاب. بعد يوم على نشر تصريحاتها عن القضية الفلسطينية، نشرت توماس اعتذاراً واضحاً أكدت فيه ندمها «على ما قلته عن الإسرائيليين والفلسطينيين. هذا الكلام لا يعكس إيماني الصادق بأنّ السلام سيحل في الشرق الأوسط عندما تدرك جميع الأطراف الحاجة إلى الاحترام والتقبّل المتبادلين». لطالما كان انتقاد جرأة توماس عادياً ومتكرراً عند الاقتراب من الشؤون العربية. عندما سألت جورج بوش الابن: «ماذا تفعل أميركا في العراق؟»، أُطلق عليها لقب «العرّافة العجوز الآتية من الشرق». لكن المساس بالعدو الإسرائيلي مسألة أخرى لا يناسبها تعليق ساخر أو لوم، بل يصبح عليها العودة إلى البيت ل«ترتاح». جامعة «واين» في ديترويت حيث نالت توماس إجازة في اللغة الإنكليزية عام1942، كانت قد قرّرت إطلاق جائزة سنوية باسمها، لكنّها سرعان ما اعتذرت بسبب تصريحاتها «المعادية للساميّة». توماس التي لطالما فاخرت بأصولها العربية (أشعر بانتماء إلى لبنان. أحس بانتمائي إلى ثقافتين) ولدت في كنف أسرة مهاجرة في ولاية كنتاكي. افتتحت حياتها الصحافية في منتصف الخمسينيات عاملة على الآلة الكاتبة في جريدة «واشنطن ديلي نيوز»، قبل انضمامها إلى وكالة «يونايتد برس إنترناشيونال». ثم تحوّلت إلى كاتبة عمود في مجموعة صحف «هيرست»، لتدخل بعدها البيت الأبيض مراسلةً للوكالة عام 1961 في عهد الرئيس جون كينيدي، وتمسي «ظلاً للرؤساء الأميركيين». علماً أنّها كانت أول امرأة رئيسة ل«جمعية مراسلي البيت الأبيض» اشتهرت بأسئلتها اللاذعة إلى درجة وصفت هذه الأسئلة التي توجهها إلى الرؤساء بأنّها «عملية تعذيب». رغم قولها إنّ «لديه ضميراً إلا أنّه ليس شجاعاً»، فإن الرئيس الحالي باراك أوباما لم يخف إعجابه بها وحرص على الاحتفال معها في غرفة الصحافيين بعيد ميلادها الذي يوافق تاريخ ميلاده. لكن يوم السبت الماضي، انتهى كل ذلك بعدما غادرت توماس الحياة في منزلها في واشنطن بعد عجزها عن مقاومة أزمات صحية عديدة مثلما قاومت كل الرؤساء الذين التقتهم.