كاد استعراض فاتح ماي اليوم بالرباط، في إحدى لحظاته، أن يخرج عن سياقه العادي، ويتحول إلى ساحة للفوضى والصخب، وخاصة في المساحة الرابطة بين الحديقة المقابلة للبرلمان ومحطة القطار المدينة،وذلك حين طاردت القوات العمومية أفراد مجموعة الأطر العليا المعطلة،التي تطالب ب" الإدماج المباشر في سلك الوظيفة العمومية". واشتد الخناق في شارع محمد الخامس،أكثر لدى مرور المركزية النقابية " الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب"،التي شارك في وفدها سعد الدين العثماني،وزير الخارجية والتعاون،بصفته رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وممثلا للأمانة العامة. وقد أحاط المعطلون بوفد هذه المركزية، وظلوا يرفعون الشعارات المناوئة لحكومة عبد الإله بنكيران،بأعلى أصواتهم، راسمين علامات الأصفار بأياديهم، فيما كان أعضاء النقابة المقربة من حزب العدالة والتنمية، ،يرددون عبر مكبرات الصوت:" الشعب يريد إسقاط الفساد"، و" تحية نضالية للحكومة الوطنية". وقد كان لافتا للانتباه، أن النقابة الوطنية لقطاع الطاقة والمعادن، المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب،رفعت لافتة تضمنت نقدا حادا وسخرية لاذعة، لوزير الطاقة والمعادن، المنتمي لحزب الاستقلال،ومما جاء فيها:" الأزمة كتنخر، والوزير كيشخر"، و"الفوضى عارمة، والأزمة قائمة، والوزارة نائمة". وأمام بوابة البرلمان، اصطف المكفوفون في دائرة متراصة، منذ الصباح،مطالبين بالإنصات إليهم، قصد إنصافهم، وتمكينهم من ظروف العيش الكريم، ولم يبرحوا هذا المكان، إلا بعد انصراف اخر المشتركين في استعراض فاتح ماي، الذي اتسم هذا العام،بأن كل الهيئات النقابية كانت كلها تقريبا، تنادي بنفس المطالب المتمثلة بالدعوة إلى وحدة الصف،والحفاظ على الحريات النقابية، وإرساء المنهجية العامة للحوار الاجتماعي،وصيانة الكرامة وإرساء العدالة الاجتماعية،وبالتالي تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ودعم القدرة الشرائية للمواطنين، وعدم التفريط في المكاسب الاجتماعية. وكما كان متوقعا،لجأ حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، إلى مواصلة حملته ضد الحكومة، من خلال ذراعه النقابي " الاتحاد العام للشغالين"، الذي احتفل بالمناسبة في شارع النصر ، تحت شعار ذي بعد ديني:" جهاد الكرامة"، لافتا في خطابه إلى "خطورة الاحتقان بعد تعطل آلية الحوار واستفحال الأزمة الاقتصادية". وإمعانا في انتقاد الحكومة،ذهبت نقابة شباط إلى حد الإتيان بمجسم كبير لتمساح،أخضر اللون،في حركة تروم الرد على شكاوى عبد الإله بنكيران، الذي طالما قال إن " العفاريت والتماسيح" تحارب مشروعه الإصلاحي. واستغل الاتحاد المغربي للشغل، أقدم تنظيم نقابي في البلاد، مناسبة فاتح ماي، ليوضح موقفه من " الحوار الاجتماعي"، مشيرا إلى أن مقاطعته له، تأتي ل"رفض تزكية أي حوار شكلي ،وذلك نظرا لتنكر الحكومة لاتفاق 26 أبريل 2011٬ ورفضها تنفيذ ما تبقى من بنوده وتماديها في ذلك بالامتناع عن إجراء أي حوار أو تفاوض مع الحركة النقابية متذرعة بضغط وإكراهات الأزمة الاقتصادية". وجريا على عادتها كل سنة في مثل هذا اليوم، فسحت المنظمة الديمقراطية للشغل، حيزا ملحوظا لمشاركة مهاجرين أفارقة في استعراضها، أحالوا شارع محمد الخامس، إلى حلبة للرقص على إيقاع الطبول، في مشهد مثير،وكأنهم في عرس حقيقي، مذكرين في نفس الوقت،باحترام حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. ولأول مرة، لوحظ إسهام وفد من العمال والعاملات الفلبينين، في استعراض فاتح ماي، تحت لواء نفس المنظمة النقابية،للدعوة إلى احترام حقوقهم المهنية والاجتماعية، خاصة في ظل توارد أخبار عن تعرض العديد من الخادمات الفلبينيات في بعض البيوت المغربية إلى ممارسات تمس بالكرامة الإنسانية. وبعد غياب عن التظاهر، شوهدت اليوم أعلام حركة " 20 فبراير"، المنادية بالتغيير والإصلاح، وترسيخ أسس الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. كما ازدان الشارع بالأعلام الامازيغية في مسيرة شددت على النضال من أجل " دستور ديمقراطي ، شكلا ومضمونا، يقر بالفصل الحقيقي للسلط والدين عن الدولة، ومنبثق من إرادة الشعب"، وفق بيان تم توزيعه على الصحافة.