إشكالية الغير والكتابة والموت في بحر سلطاني " قراءة أولية " للمصطفى سكم هي جلسة حميمية مع معسول الكلام في زجل عبد السلام السلطاني ، لا تبغي الاحتكام لآليات النقد وصنميتها، بقدر ما تتوخى الاستماع إلى نبض جعل من الماء حبر كتابته. فهو ابن الماء، فتح عليه عينيه وحوله روحا لفونيمات تربة مدينة أسطورية، تجعل من البحر بحْر،ومنه يستبطن ما تخفيه النفس البشرية من تساؤلات وجودية عن الذات والغير والعالم والموت والحياة، بتطويع مدهش للغة الأم كجوهر للكينونة لا باعتبارها أداة تعبيرية فهي ليست لاحقة عن الهوية والنفسية والتفكير والحلم بل هي هويته ونفسيته ، بها يحلم ويأمل وهي ما يشده للكون وهي في نفس الآن بحر كهدوء وأمواج صاخبة، كمد وجزر، كصفاء و غموض. وبالتالي فربط البحر بدلالات لقب الزجال " السلطاني " المتعددة يدفعني للتأمل في وعي الشاعر بذاته وبالغير وبالعالم ففي البحث عن الهوية ودلالة الرغوة والصخر نجد أن الرغوة " زَبَدٌ يعلو السَّائل عند غليانه أو رجِّه أو ذوبان شيء فيه" والصخرة حجر يتميز بالصلابة هل يمكن القول أننا إزاء ماهية تتحدد من خلال التناقض وجدلية الهشاشة بالقوة، كجدلية أو تناقض في صلب إدراك الذات والأنا الواعي ما دامت العنونة عملية تعقل وتفكر قبلي بامتياز. البحث عن الهوية أو من أكون والتساؤل عن مكانة الذات وعن المصير الوجودي فالرقم كعنوان يحيل على العدد بين الناس و الأرقام في الفكر الصوفي الفلسفي بكاملها تمثل سلم ارتقاء يرتقي به الإنسان إلىاللانهاية . لكن هناك دوما محطات وعي، تمثلها الأرقام المقدسة " يصرخ عبد السلام السلطاني: أش نكون ف لوجود .. أنا ف اش من كتاب اخباري؟ رقمي أنا فلعباد معدود مقدود؟ أشنو ف اقداري؟ هو سؤال وجودي ينتهي به إلى حيرة مطلقة وينتهي به في قدرية مدوية " مالقيت جواب مرصود ولا اتفكت أسراري أنا مزاوك فالكريم يجود يغسل بالخير عاري " والحقل الدلالي يزخر بما يشير إلى ذلك " الهبوط ، التيه، الوهم الوجود العدم، محبوب، مكروه،مجنون " ص24 ولكن يمكن القول أن الوعي بالذات في زجل السلطاني لا يتحدد إلا بوجود الغير كأنا آخر له من السلوكيات والتصرفاتوالأحوال ما يجعل الأنا يتمثل أحكاما يبلور من خلالها هويته ولعل أولى سمات هذه الماهية:الكرامة ما يرضى بشدق مغبون ، ما يخبز على طيفور مرهون، ما يحمل براده يتشحر فوق نار الذل فالإحساس بالذل والمهانة يتنافى وقيمة الشخص كغاية في ذاته ويهدم مركزيته في الكون سواء كانت اسبابه سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية كما وجدتها مبثوتة في الديوان " شي لحمر سال منو دم وشي سيلو وتمكن " ص 25 جوعي فكرشي وعنايتي فراسي ...الله يلعن الطاس ويدو وبلعن اليد اللي مداتو ويلعن اللي ما يحشم ومادار خير حتى ف داتو لذا نجد أن الكرامة عنده تقترن بالقناعة والتواضع الهوية الحقيقية للشخص أيضا لا تستقيم إلا بالحرية فالشخص كالنخلة تكره الأماكن الضيقة حيث تختنق وتخنق الأنفاس وتتعرض الكائنات للموت البطيء والحرية تستلزم أولا الوعي بقيمتها الأنطولوجية ، فحيث ينعدم الوعي بقيمة الحريةومركزيتها الكونية ، تنعدم الحرية كتجربة امبريقية. جاه الجواب سريع .....دواخلو عاقت فهماتو الحرية ما ليها ثمن هي الدوازومرقاتو هي الفضل وراس المال ..المدلول عزيه ف حياتو ص 43/44 منطقيا إذا كان الوعي بالذات يمر أساسا بالوعي بأهمية الكرامة والحرية فهل ينسحب ذلك على العلاقة مع الذات ؟ هنا وفي غفلة من الوعي يعم الإحساس .ومعلوم أن هذا الأخير لا يتبلور إلا من خلال المدركات الحسية وما تتركه في الذات من انطباعات تتحول إلى أفكار " قالت لي مزاجك معكر " قلت لنفسي " منين واتى بابا لعكر " ص21 " تجمعت ف الما لحناش جبرت لغدر السبة ب السم عمر نص الكاس والنص بالزهر مقطر مالح كيف الشبة " فحضور الغير في المجال الإدراكي للشاعر يولد حقلا دلاليا موحيا بالغبن والظلم والشر وعدم الأمن " لحناش، لغدر، السم، الضر" وكأن الآخر دائما يريد به و بنا شرا الأخر سلب ونفي "رمل "بما يوحي من ارتباط بما هو حسي وضيع في مواجهة الجوهر وما يتولد عنهما من تضاد وتنافر يخترقان العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سماتها الظلم والاستغلال والاستبداد شي يزرع وهو يحصد ياكل هنا بفرق لهبه خايف الخير بنفد والابتعاد عن ضمير المتكلم الأنا يجعل الغير هو سبب العلاقة القائمة على الاستغلال الاقتصادي بما يؤشر عليه الحقل المعجمي: الزرع، الحصاد، الاستهلاك، التوزيع... ص 29.وهي مفاهيم ذات طبيعة اقتصادية سياسية تجعل من العلاقات الإنتاجية المختلة أساس التشوهات الاجتماعية والإحساس بالقهر الطبقي والذي يأخد صورا متعددة يمكن اخنزالها في " الدفلة " " لحياة مرنيزة حارة دفلة ولعذاب ماجور" وفي العلاقة المتوثرة مع الأنثى سواء كانت " متقفة " ببعديها الإبداعي أو الجنسي أو تحدث بلسان الحيوان سولت منايش تشكي؟ جاوب عضتني كليبة لكن خصك تعرف راها ما تنفعك مع الذيبة أنا اختصاصية فالرجال م النسا تجيني الهيبة إيوا واش المعمول ؟ شغلك شف النسيبة وذا كنت معها مخاصم شف لك مولات العشيبة احنى الجولي راسو واخرج يخممومصيبتو مصيبة بذلك يؤكد عبد السلام السلطاني أن الوعي بالذات لا يتحقق إلا من خلال الصراع وكأننا بصدد جدلية السيد والعبد الهيغيلية حيث يسعى كل أنا إلى انتزاع الاعتراف من الغير فيضطر إلى المخاطرة بالذات إلى حد الموت واستسلام طرف للآخر ويتأسس الوعي المزدوج من خلال اعتراف طرف للآخر بالسيادة وهو ما ينطوي ذاتيا على العبودية أو الوعي بها في وضعية استسلام مما يعني الاعتراف بقوة الغير، ولكن لا إمكانية للتنكر للآخر أو الحياة وحيدا في جزيرة معزولة ، هو سمكة يحيى في الماء مع كل الكائنات المائية بما فيها المفترسة وخروجه منه يعني موته الحتمي بل ويمكن الجزم أن السلطاني لا يكتب إلا في خضم الصراع مع الذات والغير والعالم , هو توثر أبدي والتوتر جمال الكتابة كملاذ حين ينشغل عليه الآخرون. الكتابة بوحه الخارجي، يقبض على الحروف في مباشرتها وهي تنبع من تربة تنشئته الاجتماعية ، بلا تكلف أو تشكيل قد يبعده عن انتمائه لهوية يريدها أصيلة لذا أجده يمتح من معجم اللغة التداولية والتراث الشعبي وعادات وتقاليد البلد " الشوافة: العين ، الحرمل، الشبة ،الملهوط،وشاي،الشدق..." وكأني بعبد السلام السلطاني يصر على تجنب الحداثة في الكتابة مبنى ومعنى واستلهام طبيعة الزجل الغنائي " أغنية الجيل " كظاهرة شعرية وإيقاعية وهي أيضا كتابة بسيكولوجية التناقض والمقابلة والتوتر في بحثه عن المعنى المنفلت خاصة حين يشعر أن الكتابة كينونته كما جاء في زجلية "محال " ص 17(ها القلم فيدي مازال سوق لمعاني وقتو خرف واخا نتهجا لوحي محال سيد النظم علي يعطف) والمعنى حين يفتقد فلأن الموت بمعناه الرمزي يرخي بجلاله على الفكر والرؤية ومحاولة القبض عليه جزء من التحايل على الموت كمعطى طبيعي وأنطولوجي قبل ذلك يلاحق الذات كما هوشأن"التفاحات الذهبية" على حد قوله ها حنا دفنا صاحب جديد ها ف صف آخر قبر فريد هانا راجع لعمية زجلية لعمية ص 18 أنا بحالكم في الذنيا غير معروض امتى نمشي العلم لله ص 22 بيت النعاس ذ بالصح فالمقابر ص 26 هي صرخة في وجه الموت وتحد لكن بقناعة حتميتها والاستسلام لقدريتها يوا يا الموت … ياكهركيل خذا ثْلاثة وْ زاد .. وْ بقات ليكسوس جّْنب الواد لْمشرف لبلاد .. وْ حْكايتو بين لْعباد يْحْكيوها لَجداد لّحفاد .. يا الموت .. بركة علينا .. بشوية عليك .. خلّي ليكسا تْهنّينا .. وْ تشعل شْمْعة مور شمْعة فْ عتمة تعمينا .. يا الموت .. فارقينا .. وَ لو غير حتى تشوفينا اتّرخينا .. وْ ادّينا .. و اذا ما حنّيتي فينا .. عارفينك .. عا مسخّرة .. وْ ديما نعاودوها .. سمعينا .. يا الموت .. اللي بغاها الله .. هي اللي بغينا ..( من خارج الديوان ) هي مجرد قراءة عاشقة لبعض من زجليات بحر سلطاني ظل فيها وفيا للغة التداولية الوسطى ولرؤيته الجمالية ككاتب كلمات أغاني مجموعة أصداء الغنائية ورجل مسرح وتمثيل وفي تطابق مع قناعاته الفكرية والثقافية ورؤيته في الحياة