محمد إنفي الجواب على هذا السؤال، سواء بالنفي أو بالتأكيد،ليس بالهين؛ إذ يتطلب التروي والنظر بعين العقل إلى الاعتبارات القانونية والأخلاقية وحتى النفسية. فالحكم بالعمالة والخيانة على مغاربة إيرانقد يدخل في باب التسرع وقد يوصف بالتحامل عليهم والتشهير بهم ورميهم بتهم لم يهتم بها القانون بعد رغم خطورتها. فلم نسمع عن تحريك أية مسطرة بحث أو متابعة في حق المعنيين بالأمر لتحديد مدى عمالتهم وخيانتهم لوطنهم. أما فرضية الضحية (ضحايا الخطاب التضليلي)، فقد تصْدُق قي حق البعض لكن تعميمها على الكل، هو في حد ذاته تضليل إذا نظرنا إلى المستوى التعليمي والاجتماعي لمغاربة إيران. لقد سبق لي أن تساءلت في أكثر من مقال (وعلى سبيل المثال:"أعداء الداخل يُقلِّلون من شأن وطنهم ويُعلون من مكانة الأعداء"، نشر في "أخبارنا" يوم 25 فبراير 2024)عن خلفيات المغاربة الذين يُعْلون من شأن البلدان المعادية لمصالح المغربويتجاهلون ما يحدث فيوطنهم من تطورات إيجابية إن على مستوى البنيات التحتية أوفي مجال الصناعة والاقتصاد والاستثمارات الداخلية والخارجية في قطاعات حيوية، الخ؛ كما يتجاهلون النجاحات الديبلوماسية لبلادنا؛ بل يحاولون النيل منها بأساليب دنيئة تعتمد على التشكيك والدعاية المغرضة. ويبدو أن النجاحات الديبلوماسية في قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الوحدة الترابية، تربك حساباتأعداء الداخل، ومن بينهم مغاربة إيران، كما يسميهم الدكتور عبد الرحيم المنار السليمي.وإذ أستسمحه في استعارة هذه العبارة منه (ٍ"مغاربة إيران"، وهناك من يسميهم ب"غلمان إيران")، أشير إلى أن الأبناء العاقين لوطنهم،يحبطهم تنويع المغرب لشراكاته وعلاقاته الثنائية على المستوى الإقليمي والقاري والجهوي والدولي في تجاهل تام لإيران وللدول التي تدور في فلكها؛ وهي علاقات قائمة على مبدأ رابح/ رابح. وهذا ما جعله يحتلموقعا متميزا في الساحة الدولية وأكسبه مكانة مرموقة جعلت منه قوة إقليمية صاعدة يحسب لها ألف حساب؛ الشيء الذي يصيب دولة "لا وزن لا هبة لا مواقف" بالسعار ويزيد من هوسها بالمغرب، خصوصا وأن حلفاءها بدأوا يتخلون عنها وعن صنيعتها البوليساريو تباعا، فأصبحت في وضعية لا تحسد عليها؛ إذ لا تدري ماذا ستفعل بالجزائرالجنوبية، الأخت الصغرى للجزائر الشمالية والتي لا تكبر عن أختها المدللة إلا بثلاث عشرة سنة.فالأخت الصغرىقد بلغت عقدها الخامس. ما هو مؤكد، هو أن بيننا مغاربة لا تربطهم بالوطن إلا الأوراق الرسمية (عقد الازدياد والأوراق التعريفية مثل البطاقة الوطنية وجواز السفر)، بينما ولاؤهم هو للخارج.وما يؤكد هذا الأمر، هو تحدثهم بالإيجاب عن إيران وغيرها من الأنظمة المارقة، في حين يتجنبونالحديث عن الوطن الذي نشأوا فيه وتعلموا فيه؛ وإذا تحدثوا، فبالغمز واللمز وبث الإشارات السلبية حول مؤسسات الدولة للنيل منها. فهل سمعتم، مثلا، المقرئ أبو زيديشيد بعمل بيت مال القدس التابع للجنة القدس التي يرأسها جلالة الملك محمد السادس؟ وهل سمعتموهم يتحدثون عن مبادرات وزارة الخارجية بأمر من عاهل البلاد غداة اندلاع حرب غزةّ؟ وهل…؟ وهل…؟ لكنهم يقدمون لنا إيران كمحور مقاومة، وهي التي غدرت بحماس بعد أن دفعتها إلى القيام بما سمي "طوفان الأقصى" ثم تخلت عنها واستدرجت زعيمها إسماعيل هنية إلى طهران لتتم تصفيته هناك. فإيران باعتحماسإلى إسرائيلبعد أن وضعتها تحت جناحها، وباعت حتى ذراعها في لبنان، والدور سيأتي على الأذرع الأخرى. فالنظام الإيراني المارق لا يهمه إلا مشروعه النوويولذلك يتصرف مع الولاياتالمتحدة كالحمل الوديع. والدليل هو أنه يخبر البيت الأبيض بكل خطوة يقوم بها ضد إسرائيل (إيران وإسرائيل وجهان لعملة واحدة وبينهما صراع على النفوذ في المنطقة)، وهذه الأخيرة تقوم بنفس الشيء قبل ضرب إيران. وبما أن النظام الإيراني الخبيث لا يضمر لبلادنا إلا الشر والغدر؛ وبما أن بيننا من يدافعون عن هذا النظام الغدَّار، فلا بد من التساؤل عن طبيعة العلاقات بين أعداء الداخل، ومن بينهم بالأساس مغاربة إيران، وبين الدول أو الأنظمة المعادية للمغرب.فهل لهؤلاء الأعداء (أعداء الداخل، أقصد)مهمة تتمثل في تقديم خدمات لأعداء الوطن الذين يعملون جاهدين على المساس بوحدته الوطنية وبمؤسساته ورموزه؟ ففي هذه الحالة، تهمة العمالة والخيانة ثابتة ولا غبار عليها. قد يدفع البعض بمبررات لن تصمد أمام الوقائع والأحداث، كأن يزعم هذا البعض بان من أسميتهم بأعداء الداخل هم مجرد ضحايا الخطاب التضليلي للنظام الإيراني المارق أوأن الأمر فيه غفلة جعلت بعضهم ضحية الشعارات الرنانة والدعاية الإيديولوجية المغرضة. وأختم هذا المقال بتقديم مثال حي لشخص كرَّس كل مجهوداته للدفاع عن حزب الله اللبناني الشيعي وإيرانوالجزائروجنوب إفريقيا. ففي أي خانة يمكن أن نضع هذا المغربي الذي جعل تحركاته محصورة في الدول المعادية للمغرب؟ لا يمكن أن نضعه إلا في خانة أعداء الوطن مادامت تحركاته لا تهدف إلى دفعهذه البلدان إلى تصحيح الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه فيما يخص قضيتنا الوطنية الأولى، قضية وحدتنا الترابية. الشخص المقصود، هنا، هو أحمد ويحمان. لقد اعترف بعظْمة لسانه، في حوار له مع الصحافي حميد المهداوي (ويسميه البعض الهدراوي) وفي مناسبات أخرى، بمجالسة قيادة حزب الله اللبناني وجالس قيادات إيرانية وعقد عدة لقاءات بالجزائر؛ وقد سبق أن تحدثت عن سفره إلى جنوب إفريقيا ولقاءاته هناك؛ ومن بين من التقاهم حفيد مانديلا الذي تهجم على المغرب من الجزائر خلال افتتاح بطولة "الشأن" (البطولة الأفريقية للمحليين) ودعا من هناك إلى القيام بعمليات إرهابية في أقاليمنا الجنوبية. وما ميز لقاءويحمان مع حسن نصر الله، هو إنكار هذا الأخير لمعرفته بالبوليساريو، وصدق ويحمان هذه الكذبة المفضوحةللأفاك الأثيم الذي أجرم في حق الشعبالسوري.بالمقابل، تطاول على الديبلوماسي المحنك، السيد ناصر بوريطة،وزير الخارجية المغربي الذي يرعب الديبلوماسية الجزائرية ويقض مضجعها. وقدوصلت به الوقاحة إلى القول بأنه يصدقحسن نصر اللهالذي يستعمل التقية لإخفاء كذبهكما يفعل جل الشيعة، ويكذب بوريطة الذي يتحدث بالحجج والبراهين. وموقف ويحمان هذا يؤكد بالملموس تحيزه للطرف المعادي لمصاح المغرب وعلى رأسها القضية الوطنية. وأكيد أن في لقاءاته مع قيادات إيرانية في طهران وقيادات جزائرية في الجزائر العاصمة،لم يكن يدافع على مصالح المغرب وإنما يقوم بمهمة، لست أهلا بالبحث فيها وكشفها. لكن، لن أستغرب إن اتهم يوما بالتخابر مع أعداء الوطن، ليس على الطريقة الجزائرية المضحكةولكن بالطريقة الصحيحة التي تعتمد على الوقائع الملموسة والدلائل القطعية التي تضع المتهم أمام حقيقته الساطعة. مكناس في 26 أكتوبر 2024