"العيادة الأخيرة" هو عنوان المسرحية التي قدمتها جمعية فضاءات ثقافية بالعرائش ليلة الجمعة 22 ابريل 2022 بقاعة الهلال الأحمر، من تأليف عزيز قنجاع وإخراج مراد الجوهري وتشخيص كل من أحمد بلال ووليد بورباع وفاطمة الزهراء الجباري وحمزة فتح الله الذين ابدعوا واوفوا، مسرحية أعادت طرح سؤال العلاقة بين المعرفة والسلطة، مع أن أطوارها تدور كلها بعيادة الطبيب فوكو في إشارة للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو الذي حاول تفكيك العلاقة بين المعرفة والسلطة، مفترضا أن إحدى مهام المعرفة هي مساءلة السلطة، والتي تعني «العمل على تحديد السلطة، من خلال كشف آلياتها وآثارها وعلاقاتها بمختلف جاهزيات السلطة المُمارسة»، وفي هذا التوجه لفوكو نزوع إلى جعل المعرفة، والفلسفة، على وجه الخصوص، مرتبطة بالحاضر، وليست مجرد تعالٍ في الفضاء المجرد. السلطة في وعي فوكو عموماً، وفي وعي الفلاسفة المعاصرين، بقيت أسيرة النموذج الغربي/ الليبرالي، حيث يشكل اقتصاد السوق مرجعية السلطة، وبالتالي فإن مساءلة السلطة عبر المعرفة، تغدو، بشكلٍ من الأشكال، مساءلة لاقتصاد السوق، وما ينتجه من قيم مرتبطة به، وبآلياته، وبمصالح الفئات المسيطرة على توجهاته. وفي قالب جميل عمل المؤلف على إسكان سيغموند فرويد داخل الفيلسوف عبر تحويله إلى طبيب نفسي مشرف على مستشفى المجانين الذي هو في الحقيقة ليس سوى مسرح الحياة رغم أن المؤلف يركز فقط على مريضين وهما ليسا سوى لوي التوسير الفيلسوف الفرنسي الماركسي الذي قتل زوجته هيلين ريتمان ، أستاذة علم الأجتماع المرموقة ، والشيوعية البارزة في الحزب الشيوعي الفرنسي ، بيد حبيبها وزوجها، بعدما اجتاحته نوبة من الهذيان والإضطرابات والتخيلات والأوهام، والفريد في هذه المسرحية هو أن المؤلف جمع بين فيلسوفين فعلا عاصرا بعضهما البعض فوكو والتوسير لكن المميزة هو استدعاء كارل فون كلاوزفيتز الذي ولد سنة 1780 في ماغدبورغ الألمانية وتوفي سنة 1831 في بريسلاو، وهو جنرال ومؤرخ حربي بروسي، من أهم مؤلفاته كتاب "عن الحرب" كتاب في الفلسفة والتكتيك والإستراتيجية، وقد ترك أثرا عميقا في المجال العسكري في الغرب، وتأثر به قادة كبار مثل لينين، ولازالت تدرس أفكاره في العديد من الأكاديميات العسكرية، كما أنها تستعمل في عدة مجالات مثل قيادة المؤسسات والتسويق، ويعتبر من أكبر المفكرين العسكريين شهرة وتأثيرا على مر التاريخ، وتلك حبكة رائعة تحاول في نهاية المطاف فضح العلاقة القائمة بين السلطة والمعرفة، التي طالما بررت الجرائم البشعة التي يرتكبها الإنسان تحت طائلة إما الحتمية التاريخية أو قانون التاريخ أو حتى اللاوعي وعدم المسؤولية وغياب العقل أثناء الإقدام على فضاعات، مما يعيد طرح سؤال جوهري حول طبيعة الكائن الإنساني، الذي قال عنه نيتسه في كتابه "العلم المرح" إن الانحراف الذي حصل في الثقافة الإنسانية راجع إلى تبديل وظيفة العقل لديها، وذلك عندما تم تحميله مسؤولية إنتاج الحقيقة ووضع المعايير الأخلاقية، الأمر الذي جعله متعارضا مع الغريزة والهوى، فتم احتقار الأبعاد الغريزية واستهجانها مع أنها هي المكون المركزي في الذات والحياة الإنسانية، لكن نباهة المؤلف كانت حاضرة طيلة التوليف بين الشخصيات الثلاث وحضور سؤال الإنسان ومصيره ومآلاته ومسؤولياته عن تصرفاته، ليقرر في الاخير إدانة الجميع على لسان هيلين الممرضة/المناضلة المقتولة التي تمثل صوت وضمير الإنسانية، فليسمح لي المؤلف الاستاذ عزيز قنجاع بإعادة عنونة المسرحية باسم "محاكمة المثقف"بقدر ما هي محاكمة للسلطة.