بروكسيل : مصطفى منيغ مرَّ العرض كما توقّعَّتُ حيث نالت مسرحية "الشجرة" اعجاب الذين تمكنوا من الولوج لقاعة السينما المفتوحة أبوابها للعموم وبالمجان ، كما صمَّمت على ذلك المندوبية الإقليمية للتعاون الوطني مشاركة منها في الاحتفاء بمناسبة عيد العرش ، كما عبَّرت مختلف المؤسسات الرسمية والشعبية في "وجدة" عميدة جهة شرق الوطن ، وبخاصة ذاك المهرجان الفني التقليدي المحلّي المُطَعَّم برقصات "العْلاَوِي" المرتبط أسلوبه المميّز بالناحية من قديم الزمان ، الذي كان لي شرف الإشراف عليه صحبة لجنة مختارة من تجار المدينة وفيهم بعض الأعْيَان . لمَّا عَلِمَت "زرقاء العينين" أنني و مصطفى الحجازي أسْنَدَ إلينا عمر بلشهب مهمة الوصف الحيّ لمكونات الاستعراض الضخم المُنظّم احتفالاً بنفس الحدث الرسمي، يذاع مباشرة على أمواج الإذاعة الوطنية من العاصمة الرّباط ، وفق الوقت المحدّد والمُخصَّص لمدينة وجدة والإقليم، صرخَت في وجهي قائلة : – لا تنسى أن طاقتكَ طاقة إنسان ، مَنْ حَمَّلوكَ مثل المسؤوليات يعلمون أنكَ لستَ الوحيد في مثل الميدان ، وهم يستغلُّون حماستكَ للعمل المتواصل لينعموا بالراحة والاطمئنان ، واقتسام المنافع المادية أضعاف ما يستحقون بغير جهد غير تحرير تقارير مزدحمة بفعل كَانَ المُكَرَّرِ عند كَانَ المستقرّ في كان . …لا أجدُ سوى الضّحك لتزداد عصبيَّتها المُلوِّنة وجنتيها بأرجوانية شفقٍ يُبعد ظلام تجهُّم وجهها عن نور الجمال المُشِعّ منه، فأقول لها في هدوء صادر عن تقدير موقفها المرتبط تمام الارتباط بمَصلحتي : – ألم اقل لكِ أن أفكاري خلاف أفكاركِ تهدفُ لوضع مكانتي عند اهتمام الآخرين بما أقومُ به عساهم يفهمون أنني أَعْرقُ ، لأنال حقِّي دون الحاجة إليهم على الإطلاق ، غداً تكبرين وأنت على دراية أن المغرب لا يهدي للمخلصين له ما يستحقون لأنه متيقّن من إخلاصهم ، أما الذين ينافقونه فيمدّهم بما يبقيهم على نفاقهم فيتصرفون تصرُّف عبيد في لباس سادة . إن كنتِ تسعين الارتباط بي فلا تكوني معلِّمَتي بل تلميذتي ، لأنني أكثر تجربة للحياة منك ، وأقدر على تصريف أموري بدون حرق أعصابي ، ليقيني أن القدر يُمَهِّدُ ما عساي أن أكون أحببتُُ ذلك أو عارضت ، أتمنَّى أن تكوني قد استوعبتِ الدَّرس ما قبل الأول جيداَ ، والآن أرى مصطفى الحجازي يقترب لنشرع في التغطية الأثيرية التي أخبرتُكِ بتفاصيلها، فالأحسن أن ترافقني إن شئتِ دون أن تنطقي بكلمة ، وإن صَعب عليك الأمر فابتعدي قليلاً حتى نُنهي مثل المأمورية في سلام ، قاطعتني : – سأبقى حيث أنتَ صامتة خرساء . … بعد ما يقارب الشهرين اتّجهتُ ذات يوم صوب مَكتبي بالمركَّب الثقافي وزرقاء العينين كالعادة لا تفارقني ، ليتّضح لي أن ما ينتظرني من أشغال ، وكلها لا تقبل التأجيل ، ستتعرضّ لوقت منسلخ عن المقرر تخصيصه بالكامل لصالح ترتيبها على الوجه المُستحقّ قبل التنفيذ ، وفق الاتفاق المبرم بيني ومطبعة (ر) الكائنة في ركن يقارب في جزء مطلّ على الشارع الرئيسي مقرَّ عمالة اقليموجدة ، لظهور نتائجها منشورة موزَّعة على مَن يريد متابعة مضامينها من القراء ، أكانوا في وجدة أو عواصم أقاليم أخرى ممتدة عبر خريطة المملكة المغربية ، زرقاء العينين كلّما ابتسَمَت فهمتُ أنها تريد التخفيف ممَّا أغرقُ فيه نفسي ، كأن الغد لن تُشرق شمسه ، والهدف المبرمج في مكنون الذاكرة سيحيد عن طريقه المرسوم ، إن توقَّف مدبِّره وهو من البشر ليرتاح قليلا. لم ارغب في تركها تبني وتهدم بلا قرار تجعله قاعدة انطلاق ، فقلت لها : – قرَّرتُ إصدار جريدة جهويَّة أتخذها لسان حالي ، اعبِّرُ فيها وبكل حريَّة على أفكاري ، واتجاهي لا أقبل بغير مسلكه مَعْبَراً لقناعاتي مهما كان المجال ، وموضحاً فيها (بكل صراحة) عن مواقفي من أحداث ووقائع تمر بجانبي داخل وجدة ، مهما تعدَّدت نقط مصادرها، وبخاصة تلك المتعلقة بتطبيق قرارات الدولة ، أو بصراخ سياسة السياسيين المستقلين أو التابعين لأحزاب سياسية منطلقة من الدفاع عن المصالح الحزبية المركزية أو أجزاء منها في الوسط والجنوب المغربي دون التعمق في النضال الحق الجاعل من المغرب الشرقي له صوت مسموع يفرض توجيه العناية لأركان محلية معرَّضة للانهيار أجلاً أو عاجلاً إن تُرِكَت على حالها تتقاذفها رياح التهميش الرسمي بامتياز . الجريدة اخترتُ لها اسم "الحدث" ، من أسبوع صادقتُ على اتفاقية مع السيد برادة مدير وكالة وجدة لتقوم شركة سبريس بموجبها ، على توزيع الجريدة المذكورة وطنياً ، والتي بعد يومين ستُوضَع نسخا كافية منها رهن البيع في جميع الأكشاك المخصصة لذلك مهما تواجدت في وجدة وكبريات مدن إقليمها ، لتكون أول جريدة أسبوعية منتَظِمة الصدور ، انطلاقاً من هذه الربوع التي أحببتها لدرجة لا تُوصف. … فاغرة فاهها في تعجبٍ تستفسر دون أخذها نفساًُ يُبعدها عن أي اختناق : – وكلّ هذا تقوم به أنتَ وحدكَ بغير مساعدة من أحد ؟ ، ألا تعتقد أنَّك تعرّض نفسكَ بنفسك لما لا تقيم له وزناً وأنت تتحدى ما قد يظهر بنية إلحاق كل المتاعب الممكنة وغير الممكنة بشخصك ، والأدهى هذه السرعة التي تنفِّذ بها مشاريعكَ دون استشارة مَن يتمنوا لك الخير ، انطلاقاً من حبهم الصادق لك ، وأول هؤلاء الواقفة الآن حيالك تتمنّى لحظة تتكرَّم بها عليها لمناقشة مشروعها المتعلق بحياتها المستقبلية معك ، حتى لا اشعر أنني إنسانة غير مرغوب في وجودها بجانبك . قد تطلب مني الابتعاد عن عالمك المملوء بزوايا تختلف كل واحدة عن الأخريات بما خطَّطتَ لتكون مشغولاً أكثر من أي شغل َ له بداية ونهاية وبينهما وقفة للتأمل في خلق شغل جديد ، ومع ذلك لن أيأس حتى تضعَ يدك في يدي لإنتاج أيادي تُرغمك على الجلوس ولو لساعة في اليوم بيننا كواجب وتسلسل طبيعي لا مناص لكل رب أسرة التعود عليه كسنة من سنن الحياة. أنا تاركتك الآن لأراك غدا ومعي جزءا من حل لمشكله لا ادري لما لا تنتبه لمخاطرها المحدقة بك بين الفينة والأخرى ، هناك امرأة قادمة من "وهران" تبحثُ عنك بلهفة شديدة أشم مما وصفوها لي ، رائحة الغدر بك بأسلوب لا ينأى عن المخابرات الجزائرية ، لن يهدأ لي بال حتى أحضرها لك لتتصرَّف معها كما يمليه عليك عقلك الرزين . … انصرفت مسرعة كأنها أدركت أنني لا استمع إليها بالقدر الكافي ، إذ ثمة حاسة سادسة متواصلة في العمق مع بصيرتي ، لأتحرَّك بالقرار المناسب في الوقت المناسب ، وحتى لا أحيد عمَّا بدأته ، راجعت افتتاحية العدد الأول من جريدة الحدث المتضمنة بالخرف الواحد ما يلي : "خدمة للكلمة النظيفة ، وتعاملا مع الفكر الخلاَّق ، نضع هذه الصفحات المتواضعة بين يديك عسى أن نخرج معا بصحيفة همها الأوحد ثقافة مبسطة للتعامل اليومي بين أفراد المجتمع ككل من جهة ، ولنعبر عن أحاسيسنا بلغة وجدان ينأى في تحركاته عن الأفكار المستوردة ، لتأتي الصورة وفق ما ورثناه من تراث حضاري لا يُحصى إلا بالعمل الجاد المثمر البعيد عن الميل الأعمى لتقليد خرافات لا تناسب التاريخ الطويل الذي جمع أمجادنا وقيمنا ومواقفنا البطولية في قالب مميز طبع على جبين كل مغربي ارتبط اسمه بهذه الأرض الطيبة التي حباها الله سبحانه وتعالى بمناهل عُرفت على مر الأحقاب والعصور بمنارات يشع منها نور العِلم والعرفان ، هذه في كلمات فلسفتنا في العمل، فمن أحبّ المشاركة فالباب على مصراعيه مفتوح". مصطفى منيغ وجدة : ماي 1978 (يتبع)