برشلونة / مصطفى منيغ التوافق ليس الوفاق، كالأصدقاء ليسوا بالرفاق، لكل عالمه المرتب بالاتفاق ، إذا لسان بإحداها نطق، لازمته الثانية كنطاق، في جُمَلٍ مختارة من أسواق ، موزعة عليها الحروف بالحق ، والبَليغ لغة وإعْراباً يُنهي السباق ، بتقديم بعض أفكاره هدية فوق طبق ، ليحظى بالخروج من دُنا رغم سعتها بها ضاق ، ومن تصرفات طفيليات الظروف أحس بالاختناق ، فالأحسن أن يعوم حسب جهده بدل تحدي القروش فيغرق. ليس الزمان تِعْداد المراحل بتوقيت مرتبط بأحداث منظمة للغاية وحسب بل مساحة مزروعة بوقائع تَحْمِل ما جرى لمن ملكها أثناء حياته إن راح ليرتاح ، أو لازال يساريها بما يتحَمَّل يومياً من أفراح ، أو ما علق في وجدانه من جراح ، منتظرا بسعادة طلوع الشمس كل صباح ، أو متمسكاً بطول الليل يؤجل (بإسدال الستائر على النوافذ) ضوءاً حتما لصنيعه المشين يفضح . الزمان قسوة تثقل كواهل البعض تقوِّسها ليعودوا أشقاء إبِلٍ إن كان ارتفاع ما تحمله فوق ظهورها طبقات شحوم مجمدة مخزونة للحاجة ، فالسابقين مضغوطة أعصابهم ليُرْغَموا على الانحناء لتسليط أبصارهم اتجاه أقدامهم الماشية يساراً أو يميناً على هواها وهَوَى ظلم متربِّع يصول ويجول لا يحتاج كي يلزم حدوده لمتحمس يقول ما يقول ، وإنما فاعل لفعل يُؤدب المفعول به ويتراجع لمكانه الأول. الزمان المادة الخام المُكوّنة العمود الفقري للتاريخ كي يقف متحدياً الحقائق حتى لا تتقوَّى عليه إن كانت تابعة لمتسلطين على واقع يرزح تحت وَقْعِ جبروتهم ، … رأيتها متجهة صوبي كما تمنيتُ حضورها لننتهي بما يسر أو يضر، واضعاً نفسي أمام جميع الاحتمالات ،إذ العيش وسط مثل المتناقضات ضَرْب من مغامرة، الخروج منها بأقل الأضرار، ربح لا يُعوض ، يتسلَّم تفاصيلها الزمان ليعرضها على التاريخ يدونها بتقنياته لتصبح عبرة وموعظة ودليلاً أن الأضداد يقبلون التعايش إن وجدوا عاقلا بينهم يفصل بالإقناع قبل الاقتناع. جلست بجانبي لتفصح عما استعجلتُُ سماعه : “كُنتُ وَاثِقَة أنني سأجدكَ جالساَ فوق هذا الكرسي منتظراً قدومي بِانتهاء ثلاثة أيام بالدقيقة، لأتَّصل بكَ من جديد كما وعدتكَ لأواجهكَ بالحقيقة، وأُطلعكَ على شروطي إن كنتَ فعلاً راضياً من تلقاء نفسك مساعدتي وابنتي معاً للخروج من وضعية لنفسيتنا مُحرِقة ، ووُلُوج أخري بالسعادة والنِّعَمِ مُشرقة . إن كنتَ تنوي البقاء هنا لمقاسمة ابنتي حياتها فأنا أعلم أن كارمين ستظل بينكما قائمة ولن تستطيع مقاومة عِشقكَ لها مهما حاولتَ نزولاً لكلمة منحتَها إيَّاها، أن يجمعكما المستقبل القريب في بيت لكما وحدكما، أنتَ عنيدٌ عِنادَ “قَصْرِي” إذا قال كلمته انتظر ليكافح كفاحاً مريراً خدمة للتشَبُّثُِ بها ، أعلم أيضا أن ابنتي متمسكة بك لدرجة عدم تحمل الحياة بدونك ، وانأ أم إحساسي بالمسؤولية اتجاه جزء منِّي يُحتم عليَّ الوقوف بجانب ابنتي رَفَضَت أمومتي لِما أنا فيه ، خُلِقت ُ به ، أو قَبِلَت بها . لأجل ذاك أنصحكَ بالابتعاد عن كارمين وإلاَّ ساهمتُ في تَرْكِ حياتها جحيماً وأنتَ على دراية تامة ، ممّا ستعيشُ تأنيبَ الضَّميرِ ما عمَّرتَ في هذه الدُّنيا ، المسألة الثانية أريدكَ أن تنقلني إلى مدينة القصر الكبير التي اشتقتُ إليها ،ولأسرتي المنتشرة بين ربوعها ،لكن قبل ذلك أوصلني لمدينة “تزنيت” حيث الفقيه (…) القَادِر على تخليص ابنتي مني وتعود لحالتها الطبيعية، وهناك سأودعك الوداع الأخير على أمل أن ألقاك متى نديتَ عليَّ بهذا الاسم (…) خَمْسَ مَرات أينما كنتَ في محيط مدينة القصر الكبير. فما قولك ؟؟؟ .”أَشْكُركِ لأنكِ احترمتِ إنسانيتي، فمنذ أن عرفتكِ بما استطعتُ تخيّلَهُ عنكِ، لم أشعر إلا بالثقة في إبعادكِ عنِّي أي شيء يضرُّني، وأن تكوني من نفس المدينة التي قضيتُ فيها شوطاً أفتخرُ بأحداثه، لشيء جميل جداً. الظروف السائدة آنذاك في شمال المغرب تحديداً غير الشاملة القصر الكبير فقط ، بل مدينتي العرائش وتطوان الناطقين من ثانوية الأخيرة (الحاملة الآن اسم ثانوية جابر بن حيان، عند الانتهاء من دراستهم) باللغة الإسبانية ، الغير الواجدين في حكومة ذاك الزمان أي فرصة تمكنهم من الحصول على منحة يتابعون بها دراستهم الجامعية في الدولة الجارة ، بالإضافة لمعاناة أخرى لا طائل من ذكرها الآن شكلت جميعها الدافع الأساسي لانتقالي حيث أقاسمكِ الآن الجلوس في هذا الكرسي الساحر المسحور ، وإذا كنتُ رفيقاً بابنتكِ لطيفا معها ، فهذا لا يعني أنني ميال لاستغلالها حصولاً على مالٍ أو جاهٍ ولكن لقهر وحدتي وتحقيق اعتماداً على عَرَقِ جبيني ، ما يجعلني أعود لبلدي غير محتاج لأمد يدي لأي أحد مهما كان . كارمين أُعجبتُ بها فشجعتها على ما هي فيه من حالة تراني فيها الرجل المناسب لقضاء حياتها معي ، لذا مهما حاولتِ التأثير عليَّ في شأنها لن أطاوعك في التخلص ممَّا بيننا بهذه الطريقة البشعة ، كارمين بالنسبة لي إن تكلمت بدورها عني تخرس كل المتكلمين بما فيهم أنت ، عن الباقي أنا معك “. صرخت في وجهي:”عش مع كارمين كما تشاء ، لكن أن تتخلَّى عن ابنتي بسببها أو من أجلها فلا وألف لا ” … انسحبت تاركة إنسانا اتضحت أمامه سبل التصرف بقناعة أن الوارد علينا بتلقائية يتضمن ولو في جزئه البسيط ما علينا تركه بل إتقان تنظيفه بأي وسيلة متاحة للاستفادة المشروعة منه ، الذهب لا يُستخرج نقياً لكن بعد معالجته معالجة خبير يتخلص بما علق به من قرون ليسترد نقاءه ولمعانه فيكون رمز ثراء للحاصل عليه.