تدبير صفقات الجماعات الترابية ورهان الحكامة الجيدة بالمغرب عنوان أطروحة الدكتورة ناقشها الباحث عبد الحي الغربة برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس جامعة سيدي محمد بن عبد الله ونال بها درجة مشرف جدا مع تنويه اللجنة و توصية بالنشر. مقاربا مدى مساهمة مرسوم 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية في تحقيق الحكامة الجيدة على مستوى التنمية الصفقات الجماعات الترابية متسائلا من خلاله الى أي حد ساهمت الأنظمة القانونية والأجهزة الرقابية المتدخلة في تدبير صفقات الجماعات الترابية في تحقيق متطلبات ورهانات الحكامة الجيدة عبر اختصاصات والإمكانات المتاحة لها. وبحسب الباحث عبد الحي الغربة وهو إطار سابق بمصلحة الصفقات بالمجلس الإقليمي بولمان وبخلية الاختصاص الداخلي بمجلس عمالة فاس والإطار حاليا بولاية جهة فاسمكناس فان أهمية هذا الموضوع الذي اختاره لأطروحته تكمن في لفت الانتباه الى حجم الأموال العامة المرصودة للجماعات الترابية بالمقارنة مع ضخامة الاختصاصات المنوطة بها ارتباطا بالرهانات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المراد تلبيتها والتي تزداد تحدياتها مع تضاعف الطلب المجتمعي عليها. وأضاف الباحث ان هذه الرهانات تصطدم بمحدودية الموارد المالية والبشرية للوحدات الترابية بالرغم ما خصصه مرسوم 20مارس2013 من مقتضيات هامة للجماعات الترابية الا ان ذلك لازال قاصرا امام حاجة المصلحة لضرورة تمتيع الوحدات الترابية بالاستقلالية التامة للتصرف في مواردها المالية في شكل صفقات عمومية تعود بالنفع العام على الساكنة المحلية. اذ يأخذ على انه ورغم الغاء المشرع المغربي للوصاية على الجماعات الترابية الا انه لازالت تجلياتها حاضرة على المستوى التنظيمي والمالي وبالأخص فيما يتعلق بالتأشيرة المفروضة على المقررات ذات الواقع المالي ودعا كذلك الباحث الى ضرورة الإلغاء النهائي للمراقبة القبلية وترك المجال للقضاء. وفي سياق رهانات الحكامة الجيدة في تدبير صفقات الجماعات الترابية أكد الباحث انه لا يمكن الحديث عن الحكامة الجيدة على هذا المستوى الا بضرورة تطرق للمؤسسات و الهيئات التي تعنى بها القضية مؤكدا ان تبني المشرع المغربي لقاعدة تعدد في اجهزة المراقبة تعد مساعدة على تحقيق رهان الحكامة الجيدة رغم العديد من الملاحظات المشارة بشأنها و التي تشكل حسب الباحث في بعض الأحيان احدى القيود امام تحقيق متطلبات الحكامة الجيدة. وقد توزعت هذه الهيئات الرقابية حسب الباحث نضرا للأهمية والأدوار الهامة لها الى قضائية وغير قضائية ليشير في الأخير الى انه من رغم أهمية هده الأجهزة الرقابة على تدبير صفقات الجماعات الترابية الا انه لابد من تأسيس لمنظومة رقابية منسجمة ومتكاملة غايتها الاتقائية والتكامل تجنبا لتداخل السلبي في الأدوار الدي لا شك يؤثر على نضام الحكامة الجيدة المراد توخيه واستهدافه في تدبير منظومة صفقات الجماعات الترابية. ليختم الباحث اطروحته ببعض الشروط والمداخل الضرورية لتلقائية وتأهيل منظومات الرقابة على صفقات الجماعات الترابية والتي جعل من تأهيل وسائل الإعلان المحلية والموارد البشرية سواء العاملة بالإدارة الجماعات الترابية او المنتخبين شرط ضروريا لإنجاح هده العملية وتحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. اما فيما يرتبط بالخلاصات التي انتهي اليها الباحث والمقترحات التي اقترحها بما توصل اليه في اطروحته الجامعية ما يلي : إن توجه الدول الحثيث نحو البحث عن الحكامة الجيدة كأداة لتدبير وإنجاح سياستها العمومية، لم يكن وليد فرصة سانحة، وإنما جاء نتيجة للمخاض الطويل الذي تعرفه الدول في سبيل تطوير أجهزتها ومرافقها المختلفة، وقد شكل مطلب الحكامة الجيدة دافعا للدول لمسايرة توصيات المنظمات الدولية والاقليمية، وتحديث مؤسساتها الإدارية والسياسية، وركيزة أيضا لتخليق تدبيرها المالي لوحداتها الترابية. تعد الصفقات العمومية تلك الأداة التي تنفذ من خلالها الجماعات الترابية مشاريعها وبرامجها ومختلف الخدمات والأشغال التي تحتاجها لتدبير المرافق المحلية وتحريك العجلة الاقتصادية على المستوى الترابي، إلا أنه ورغم منح رؤساء الجماعات الترابية العديد من السلطات المهمة من شأنها ضمان تنزيل البرامج والمشاريع الاستثمارية ومحاربة الهشاشة والفقر وامتصاص معدلات البطالة وتحفيز المبادرات الخاصة وتقوية النسيج المقاولاتي، والمحافظة على البيئة وجعل الصفقات العمومية رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإنها على المستوى العملي تصطدم مع محدودية الموارد المالية والبشرية المرصودة للوحدات الترابية. رغم إدماج المشرع المغربي الإدارة الإلكترونية دعما لمسلسل رقمنة صفقات الجماعات الترابية والتجريد المادي للمساطر الادارية بغرض التقليل من التدخل المادي والبشري في مساطر الصفقة ومكافحة بطء المساطر وتعقيداتها والتخفيف من عوامل المحسوبية والرشوة، وضمان تخليق المحيط العام الذي تجري فيه الصفقة، إلا أن هذا المسلسل بدوره لا يزال يحتاج إلى توسيع شامل لتنسحب على جميع الوثائق والمساطر المتعلقة بالصفقات العمومية. رغم إعمال البعد البيئي في مرسوم الصفقات العمومية باعتباره مرتكزا ضامنا لحسن تدبيرها، ومدخلا للتنمية المستدامة، وثابتا في كل السياسات العمومية، والتزامات المغرب الدولية في هذا الصدد، إلا أنه يلزم مواكبة ذلك بالوعي اللازم بأهمية تشديد الرقابة في كل المراحل التي تعرفها صفقات الجماعات الترابية، إعمالا لسيادة احترام البيئة إلى جانب المبادئ الأخرى في الصفقات العمومية، أضف إلى ذلك غياب أي إجبار في التنصيص على هذا المقتضى في دفاتر الشروط الخاصة، وكذا غياب أية معايير واضحة تأخذ بعين الاعتبار البيئة في تقييم طلبات العروض، لاسيما عند الأخذ بالعرض الأكثر أفضلية أثناء المفاضلة بين عروض المتنافسين، ومما يزيد من هذه المحدودية أن إدارة الجماعات الترابية لا تتحمل أي جزاء في حالة عدم إدراجها وإفصاحها عن الاعتبارات البيئية في الصفقات العمومية في دفاترها. – رغم إلغاء سلطة المصادقة القبلية على صفقات الجماعات الترابية من قبل مصالح وزارة الداخلية، ومنحها لرؤساء الجماعات الترابية باعتبارهم آمرين بالصرف، وتعزيز الرقابة المالية للأجهزة الخارجية للتفتيش، إلا أنه لا زالت الحاجة ملحة إلى ضرورة إلغاء الرقابة القبلية وترك القضاء وحده يمارس رقابته على أعمال الجماعات الترابية، إذ يشكل التكريس الحقيقي لمبدأ التدبير الحر مدخلا حقيقيا لممارسة الآمرين بالصرف سلطاتهم في تلبية متطلبات الساكنة وإطلاق المشاريع التي تعود بالنفع العام على التنمية المحلية. – رغم أهمية إقرار الرقابة الخارجية على صفقات الجماعات الترابية إلا أنها تبقى دون فعالية لعدة اعتبارات أهمها، تعدد صور ومجالات وميادين هذه الرقابة، وتعدد الهيئآت والمؤسسات التي تمارسها، حيث أنه بالرغم من محاولات المشرع تنظيم تدخلات أجهزة الرقابة الإدارية من خلال إقراره إمكانية إخضاعه العمليات المالية والمحاسبية للجماعات الترابية لتدقيق سنوي الذي تنجزه المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية أو بشكل مشترك بينهما، فإنه لم ينص على كيفيات التعاون والتنسيق بين الهيأتين بشكل ممؤسس في إنجاز هذه التدقيقات. – وبالإضافة إلى مسألة تعدد الأجهزة المتدخلة في الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية، يلاحظ أن الاختصاصات المنوطة بهذه الأجهزة تتميز بالتماثل، فعلى سبيل المثال أناط المشرع مجموعة من الاختصاصات في مراقبة مالية الجماعات الترابية عموما ومراقبة صفقات الجماعات الترابية على وجه الخصوص بالمفتشية العامة للإدارة الترابية، وهي في هذه الاختصاصات تتقاطع مع هيئآت رقابية أخرى كالمفتشية العامة للمالية والمجالس الجهوية للحسابات. – زيادة على ذلك، يلاحظ أن نفس الصفقة تخضع لمراقبة سابقة وموازية على الوثائق ومرحلة الأداء للتأكد من مشروعيتها المالية ومطابقتها للأنظمة والقوانين، وقد تكون موضوعا للمراقبة بأسلوب التفتيش في عين المكان. وهو ما يجعل منظومة الرقابة على صفقات الجماعات الترابية تتسم بتغليب رقابة المشروعية أو المطابقة، وهو ما يضفي على تدخلاتها الطابع الشكلي في غياب أي اهتمام بتتبع جودة وفعالية الصفقة. – وبالتالي فإن مسالة تدخل المشرع لتكريس آليات للتعاون والتكامل بين هيئات الرقابة، تفرض عليها بإلحاح ربط علاقات وتوحيد الرؤى بينها، وتكثيف التعاون والتواصل بينها، وتبادل الخبرات نظرا لوحدة هدفها وهو حماية المال العام من كل أشكال الاختلاس والتبذير والسهر على احترام القوانين والأنظمة الجاري بها العمل. وبالموازاة مع عقلنة تدخلات أجهزة الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية وأملاكها، يتعين التقليص من تدخلات هذه الأجهزة، من خلال الاقتصار على الرقابة الأكثر واقعية وفعالية. – ضرورة تعزيز والنهوض بالرقابة اللاحقة، نظرا لمميزات هذا النوع من الرقابة التي تتسم بكونها لا تعيق العمل الإداري وتدعم جانب الاستقلالية لكون تدخلها يكون لاحقا للتصرف الذي تجريه الجماعة الترابية وكونها تحول دون تكرار المخالفات، ويقتضي الأمر تأهيل المحاكم المالية الجهوية لممارسة رقابة فعالة ومجدية، لذلك يشكل إصلاح المحيط الذي تشتغل فيه هذه المجالس من أهم المداخل لتأهيل هذه المجالس سواء على المستوى الداخلي (من خلال تعزيز الموارد البشرية وتكوينها وتقوية التواصل وتوحيد العمل الرقابي للمجالس الجهوية للحسابات) أو الخارجي ( من خلال استشارة المجالس الجهوية للحسابات عند إعداد التشريعات الخاصة بصفقات الجماعات الترابية و تطوير علاقة المجالس الجهوية للحسابات مع المحيط الرقابي). – وكما هو الحال بالنسبة للمحاكم المالية الجهوية، فإن تفعيل دور المحاكم الإدارية في بسط رقابتها على صفقات الجماعات الترابية، يقتضي من الدولة العمل على إحداث المزيد من المحاكم الإدارية، والعمل على إنشاء محاكم إدارية ابتدائية على مستوى كل الأقاليم و محاكم إستئنافية إدارية على مستوى كل جهة، وذلك تخفيفا للضغط على المحاكم الإدارية الموجودة، حتى يتسنى للقضاء الإداري بسط رقابته على هذه الجماعات الترابية . – نظرا لخصوصية منازعات صفقات الجماعات الترابية التي تقتضي التعجيل بالنظر فيها في أقرب وقت ممكن، كان لزاما على المشرع التدخل لإعفائها من الحواجز المسطرية المعقدة كالمسطرة الكتابية ومسطرة المقرر، وإخضاعها بدلا لذلك للمسطرة الشفهية تسهيلا على المتقاضين من جهة، ولتتمكن المحكمة الإدارية من جهة أخرى، من تصريف هذا النوع من القضايا بالسرعة اللازمة. – علاوة على ما سبق ذكره، تقتضي فعالية الرقابة الممارسة من أجهزة الرقابة على صفقات الجماعات الترابية والنجاح في مزاولة مهامها المرتبطة أساسا بحماية المال العام، بالإضافة إلى مراجعة مضمون ومفهوم الرقابة التقليدية، تأهيل الجماعات الترابية موضوع الرقابة لاسيما على المستوى المالي والمحاسبي بدرجة أولى، ثم الارتقاء بالرقابة السياسية الداخلية للجماعات لمساعدة هيئآت الرقابة على أداء وظائفها، إلى جانب اعتماد المناهج والآليات الرقابية الحديثة لاسيما تلك المعمول بها في القطاع الخاص، وذلك عبر وضع منظومة شاملة للمراقبة مؤسسة على الرقابة الداخلية وكذا نشاط الإفتحاص الداخلي وتدبير المخاطر. – وفيما يتعلق بالتسوية الإدارية لمنازعات صفقات الجماعات الترابية، فيلاحظ أن المشرع المغربي لم يستطع تجاوز الطابع الاستشاري الذي بصم مسار لجنة الصفقات كما كان عليه الأمر مع مرسوم 30 دجنبر 1975، في غياب واضح لأي دور تقريري وخصوصا بالنسبة للمنازعات التي تنشأ بمناسبة المس بمبدأ المنافسة، مما يطرح إشكالية مدى فعالية نظام الطعون في ظل عدم وجود الرأي الملزم للجنة الطلبيات العمومية يمكنها من اتخاذ قرارات تجد طريقها للتنفيذ. – أما بخصوص التظلم الإداري، فرغم أنه ساهم إلى حد ما في الارتقاء بنظام صفقات الجماعات الترابية، وعمل على تسوية الكثير من المنازعات دون التوجه الى القضاء المختص، إلا أن المسطرة المتعلقة به تشوبها بعض الإكراهات التي تحد من فعاليتها نظرا لتعدد القرارات المستثناة من إمكانية التظلم الإداري باعتبارها غير قابلة لأن تكون موضوعا لذلك. – أما بخصوص آليتي التحكيم والوساطة الاتفاقية، فرغم التطور التشريعي الذي واكب عملية اللجوء إليهما في العقود الإدارية، والذي دفع بالمشرع المغربي الى تعديل مقتضيات قانون المسطرة المدنية، واستجابة للسياقات الإقليمية والدولية والوطنية وتنامي المنازعات الإدارية، إلا أنه ما يعاب على القانون المنظم للوساطة الاتفاقية بخلاف التحكيم، عدم تحديده شروطا خاصة بالوسيط، ولم يعط لأطراف النزاع إمكانية تصريح الوسيط أو الوسطاء، مما قد يؤثر على الضمانات الواجب تخويلها لإنجاح عملية الوساطة لفض النزاع بكل سرعة دون اللجوء الى القضاء المختص. – إن التوجه إلى القضاء الإداري المختص باعتباره صاحب الاختصاص في البث في منازعات صفقات الجماعات الترابية من الأهمية بمكان، لكن ما يمكن إثارته بالنظر إلى طبيعة هذه المنازعات، والى ما تتمتع به الجماعات الترابية من سلطات وامتيازات واسعة في مجال الصفقات العمومية، قد يشكل مساسا بالأمن التعاقدي في حال الاستغلال السيء لها، إلا أنه يبقى للقضاء الإداري سلطة مراقبة هذه الامتيازات، ومحاولة التوفيق بين المصلحتين العامة والخاصة. – وبمناسبة تدخل القاضي الإداري في إطار دعوى الإلغاء ضد القرارات المتعلقة بإبرام صفقات الجماعات الترابية، فإنها ومنذ مدة طويلة وهي بدون فعالية، على اعتبار أن القاضي غالبا يبث فيها بعد مرحلة الإبرام، وأحيانا أخرى بعد الانتهاء من عملية التنفيذ، مما يمكن معه التصريح بأن قاضي الإلغاء هنا لا يمكنه صيانة المبدأ الدستوري القاضي بضمان حق المتنافسين في الولوج إلى الصفقات العمومية المبرمة من قبل الجماعات الترابية، وبالتالي لا يبقى للأطراف سوى التوجه لقاضي التعويض للمطالبة بجبر الضرر المادي، وترتيبا عليه، فالحاجة ملحة إلى ضرورة تعديل القانون المحدث للمحاكم الإدارية، ليتمتع القاضي الاستعجالي بسلطات تمكنه من القيام بالإجراءات الوقتية والتحفظية الكفيلة بحماية مبادئ المنافسة والشفافية، كما هو عليه الأمر في التشريع الفرنسي. – وفي سياق تأهيل قضاة المحاكم الإدارية ارتباطا بالآليات الحبية لتسوية منازعات صفقات الجماعات الترابية، أضحى من الواجب، إثارة الانتباه إلى ضرورة إدخال تكوينات في محاور تخص هذه المساطر، في معاهد تكوين القضاة وجل الفاعلين في منظومة العدالة. بما يكفل تحقيق متطلبات الأمن القضائي والقانوني ببلادنا.. – ورغم أهمية التنصيص على المبادئ التدبيرية ضمن الترسانة القانونية المنظمة لصفقات الجماعات الترابية إلا أنه لازال تنزيل مقتضياتها يعرف الكثير من الإكراهات تعوق فعالية هذه المبادئ على نظام الحكامة الجيدة في مجال الصفقات العمومية، ذلك أن مسألة التنزيل الفعلي لها يستوجب بالضرورة العمل على تكريس آليات وقواعد واضحة ضمن متن مرسوم 20 مارس 2013، وكذا في الأنظمة القانونية المنظمة للجماعات الترابية بصفة عامة، وبالخصوص ذات الصلة المباشرة بتدبيرها المالي. – إن تبني المغرب لنظام تعدد الأجهزة الرقابية رغم الأهمية التي يكتسيها في الرقابة على المال العام بصفة عامة، إلا أنه يثير العديد من الإشكالات المؤسساتية والتنظيمية التي تؤثر على نظام الحكامة الجيدة المراد تحقيقه على صفقات الجماعات الترابية. – فرغم وجود ترابط واضح بين مختلف الأجهزة المتدخلة، إلا أنه يلاحظ اختلاف في طريقة اشتغالها، إذ يبقى المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية أهم المؤسسات الفاعلة في منظومة الرقابة على صفقات الجماعات الترابية، بحكم تغطيته لكافة المراحل التي تمر منها الصفقة، بالإضافة الى امتداد هذه الرقابة إلى الأشخاص المعنوية الخاصة، عندما يتعلق الأمر بعلاقة مالية قائمة بينها، وبين جماعة ترابية من أجل الحيلولة دون حدوث مخالفة للقوانين والضوابط المالية المعمول بها ومعاقبة مرتكبيها. – غير أن هذا التعدد في الأجهزة يطرح إشكالية الالتقائية وتباين الأدوار وتشتت المجهودات في ظل حجم المجهودات المبذولة من قبل هاته المؤسسات، وبالنظر الى الكم الهائل للوحدات الترابية على الصعيد الوطني وما تطلقه من صفقات، مما يطرح بدوره العديد من الإكراهات على هاته الأجهزة ويزيد من محدوديتها قلة الموارد البشرية والمالية، المرصودة لتتبع ومراقبة صرف المال العام والذي تشكل الصفقات العمومية إحدى تجلياته. – إن خضوع صفقات الجماعات الترابية لرقابة أجهزة غير قضائية كمجلس المنافسة ومؤسسة الوسيط، ورغم الأدوار الهامة لهذه الهيئآت في الحد من الممارسات المنافية للمنافسة وتخليق تدبير صفقات الجماعات الترابية، إلا أنه على المستوى العملي تبقى تدخلاتها محدودة، وبالتالي تطرح إشكالية الوعي بأهمية هذه المؤسسات لدى مختلف الفاعلين. – إزاء هذا الوضع، ومع اعتبار حكامة تدبير صفقات الجماعات الترابية شأنا مجتمعيا، فقد عمد المشرع المغربي على فسح مجال الرقابة والتقييم لفعالياتها يرتبط اشتغالها بشكل مباشر وعضوي بالمجتمع من حيث رغباته ومطالبه، فكان لحضورها دور فاعل ومركزي في تجويد تدبير الشأن العام، إذ يعد تعزيز وسائل الإعلام المحلية من أهم المداخل الأساسية التي أغنت عملية تخليق المال العام الترابي، إلا أنه يلاحظ غياب الإطار التشريعي الخاص بالإعلام الترابي، بالإضافة إلى عدم وجود إعلام متخصص في القضايا المالية. – ومما يزيد هذه الإكراهات عدم تيسير ولوج وسائل الإعلام المحلية للمعلومات الموجودة بحوزة الجماعات الترابية المتعلقة بصفقاتها، رغم التنصيص الدستوري الواضح في الفصل 27 منه، وكذا مقتضيات القانون 31.13 المتعلقة بالحق في الحصول على المعلومات، وذلك راجع إما لجهل بالمقتضيات القانونية المتعلقة بهذا الحق، وإما بغياب إلزام قانوني بإعطاء هذه المعلومات رغم عدم تنافيها مع الاستثناءات الواردة عليه. – رغم الإصلاحات المتتالية التي همت صفقات الجماعات الترابية، إلا أنه يلاحظ أنها ظلت حبيسة الشق المعياري المحض كتغيير المراسيم وإصدار الدوريات والمناشير وإحداث الأجهزة واللجان، مع إغفال جانب مهم في هذا المسلسل وهو الشق الثقافي لدى الموارد البشرية المتدخلة في تدبير صفقات الجماعات الترابية، إذ يلاحظ أن الجماعات الترابية، لا زالت تحكمها شبكة من الأفكار والتقاليد والممارسات الإدارية المقاومة للتغيير، والتي يمكن القول معها إنها تعد بحق عنصرا معرقلا للحكامة الجيدة كرهان لتدبير صفقات الجماعات الترابية. لكل هذه الملاحظات والنتائج، ومساهمتا من الباحث في دعم جهود حكامة تدبير صفقات الجماعات الترابية وضع مجموعة من المقترحات وهي على الشكل التالي: التسريع بإخراج قانون للصفقات العمومية خاص بالجماعات الترابية. التسريع بتنزيل ورش رقمنة جميع مساطر الصفقات العمومية. تبني التقنيات الحديثة في عملية الرقابة على صفقات الجماعات الترابية. إن الرهان على الحكامة الجيدة في تدبير صفقات الجماعات الترابية يقتضي من المشرع المغربي تبني مقاربة جديدة تجعل من تخفيف المساطر والإجراءات والتواريخ هدفا لها، ضمانا للنجاعة والفعالية المطلوبتين. نشر طلبات العروض في جريدتين إلكترونيتين بدل الجرائد الورقية ترشيدا للمال العام الترابي، و تيسيرا لولوج المقاولات وخصوصا الصغرى والمتوسطة منها. ضرورة اشتراط مستوى دراسي للترشح لرئاسة جماعة ترابية مع العلم أن التدبير المالي والإداري للوحدات الترابية يتطلب كفاءة معقولة و دراية واسعة بالشؤون المالية باعتبار رؤساء الجماعات الترابية آمرين بالصرف، والساهرين بالدرجة الأولى على تدبير صفقات الجماعات الترابية. تفعيل السلطة التنظيمية الممنوحة لرؤساء الجماعات الترابية لأجل توفير الموارد البشرية الكفيلة بحسن تدبير المصالح المكلفة بالصفقات العمومية. دعم المقاولات الوطنية وخصوصا الصغرى والمتوسطة من خلال فتح قنوات دائمة للتواصل والاستشارة والتكوين وتبسيط المساطر في مواجهاتها، ضمانا لمساهمة الجماعات الترابية في تكوين مقاولات مواطنة تعمل بالموازاة مع الجماعات الترابية في النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. العمل على تمكين الوحدات الترابية من الموارد المالية الكافية لبلورة استراتيجية كفيلة بجعل صفقاتها أداة فعالة لخدمة متطلبات الساكنة المحلية. تمكين الجماعات الترابية من الآليات القانونية والرقابية اللازمتين، لمراقبة مدى التزام المقاولات بشروط الصحة والسلامة وصيانة التشريعات الاجتماعية الجاري العمل بها. وضع قواعد واضحة لتفعيل المبادئ التدبيرية لإبرام الصفقات العمومية بشكل يضمن الحكامة الجيدة و يجانب الوحدات الترابية الوقوع في المخالفات والسلوكات المنافية للمنافسة والمساواة… رغم أهمية الأدوار والاختصاصات المنوطة بالمجالس الجهوية للحسابات إلا أنه ينبغي تخويلها الضمانات والإمكانات اللازمة لتفعيل رقابتها على صفقات الجماعات الترابية. ضرورة تعزيز المجالس الجهوية للحسابات بالموارد البشرية و التقنيات اللوجيستيكية لبسط رقابتهم على الجماعات الترابية. نشر ثقافة الحكامة الجيدة كهدف ينبغي استهدافه من قبل كافة الأجهزة الرقابية، رغم اختلاف طرق رقابتهم على صفقات الجماعات الترابية. ضرورة إيجاد قناة لتنسيق عمل أجهزة الرقابة القضائية والمالية والإدارية على صفقات الوحدات الترابية، ضمانا لالتقائية تدخلاتهم. تبني مقاربة واضحة المعالم ومتكاملة الأركان غايتها تأهيل الموارد البشرية العاملة بالجماعات الترابية والفاعلة بالدرجة الأولى في مسلسل تدبير صفقات الجماعات الترابية مع التركيز على الجانب التحفيزي والنفسي. إحداث نظام أساسي خاص بموظفي الجماعات الترابية واضح المعالم. الانفتاح على الفعاليات والهيآت الدولية والوطنية المهتمة بقضايا الحكامة الجيدة والنزاهة والتخليق لكسب رهان الحكامة الجيدة. تأهيل منظومة تمويل الجماعات الترابية حتى تتمكن من برمجة المشاريع من خلال صفقاتها بشكل يحقق الأثر الإيجابي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. تقوية الرقابة البعدية في مقابل تخفيف نظيرتها القبلية. دعم مسار رقمنة صفقات الجماعات الترابية. تأهيل الإعلام المحلي وجعله محفزا لولوج المواطنات والمواطنين للمعلومة المالية الخاصة بصفقات الجماعات الترابية بشكل يساهم في بسط الساكنة رقابتها على الطلبيات العمومية. تمكين هيآت الحكامة الجيدة بالآليات اللازمة لتخليق صفقات الجماعات الترابية. ضرورة العمل على إعادة الثقة للمواطنين والمواطنات في المقاربة المعتمدة في تدبير الشأن العام المحلي المبنية على ربط المسؤولية بالمحاسبة. تمكين القضاء الإداري من سلطات واسعة تضمن تنفيذ القرارات الصادرة عنه في مواجهة الجماعات الترابية ضمانا للأمن القانوني والقضائي. ضرورة خلق قناة للتعاون والتنسيق المؤسساتي بين جميع هيآت الحكامة المعنية بالصفقات العمومية. نقترح منح اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية صفة المؤسسة الدستورية حتى تتمكن من تنزيل مبادئ الحكامة الجيدة مع تقوية اختصاصاتها وتمكينها من الوسائل والآليات اللازمتين لتلعب دورها الإيجابي في مجال الصفقات العمومية. دعم مسلسل التكوين والتكوين المستمر للموظفين العاملين بالمصالح المكلفة بالشراءات والخدمات. تأهيل الموارد البشرية العاملة بالمقاولات والشركات والتعاونيات لمسايرة المستجدات القانونية والتدبيرية الخاصة بالطلبيات العمومية المبرمة من قبل الجماعات الترابية. الإسراع باخراج ميثاق المرافق العمومية المنصوص عليه في الفصل 157من دستور 2011، نظرا للمزايا المنتظرة منه على مستوى تنزيل مبادئ الحكامة المرتبطة بتدبير المرافق العمومية. دعم البحث العلمي الأكاديمي في موضوع الطلبيات العمومية، وإحداث شعب وأسلاك تعنى بقضايا الصفقات العمومية. ترسيخ ثقافة تدبيرية قائمة على حسن التدبير وتخليق الشأن العام المحلي. وتجدر الاشارة الى أن لجنة المناقشة كانت مكونة من السادة الاساتذة الاتية أسماؤهم : دة. فضمة توفيق أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس رئيسة د. عبد الرزاق الهيري أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس مقررا. د. أحميدوش مدني أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس مقررا. د. عبد اللطيف الشدادي أستاذ مؤهل بكلية الحقوق بطنجة مقررا. د. مصطفى الحارثي الخازن الجهوي بفاس.