بتاريخ 24-07-2015 ناقش الطالب الباحث عماد أبركان أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ابتداء من الساعة: الخامسة مساءا بكلية الحقوق وجدة في موضوع : "نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات الملاءمة" وذلك تحت إشراف الدكتور أحمد بودراع أستاذ مؤهل بالكلية المتعددة التخصصات الناظور وتكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة: -1الدكتور محمد بضري : أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق وجدة رئيسا -2 الدكتور أحمد بودراع : أستاذ مؤهل بالكلية المتعددة التخصصات الناظور مشرفا -3 الدكتور مصطفى عمروس : أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق وجدة عضوا -4الدكتور يوسف يحياوي : أستاذ مؤهل بكلية الحقوق وجدة عضوا 5-الدكتور عثمان الزياني : أستاذ مؤهل بالكلية المتعددة التخصصات –الرشيدية- عضوا وبعد المداولة قررت اللجنة: قبول الأطروحة بميزة : مشرف جدا مع التوصية بالنشر خلاصة جد مركزة حول الأطروحة التي ناقشها الباحث عماد ابركان لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة إن البحث في موضوع الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب، لم يكن وليد الصدفة أو ظرفية آنية بقدر ما كان نتاج تفكير مستمر ومتواصل، واستمرارا علائقيا لموضوع بحث نيل دبلوم الماستر الذي كان عنوانه: "اللاتمركز الإداري بالمغرب ومتطلبات التحديث"، وذلك نظرا لاهتمامي وشغفي الكبير بمواضيع الإدارة المحلية والحكامة الترابية عموما. وقد تعزز لدي هذا الدافع الذاتي بدافع علمي موضوعي يتجسد فيما وقفت عليه لدى جردي لعدد كبير من الدراسات والبحوث السابقة المنجزة حول الإدارة المحلية، حيث تبين لي أنها قصرت أو أهملت البحث في مسألة الرقابة على الجماعات الترابية بشكل عميق، وأغفلت تناول بعض المكونات الرقابية كالرقابة السياسية بالخصوص، كما تجاهلت البحث في إشكالية الإطار العلائقي الرابط بين مختلف التمظهرات الرقابية، المكونة للنظام الرقابي الممارس على الجماعات الترابية بالمغرب. لذلك واستجابة لما سبق اخترنا هذا الموضوع آملين أن نقدم من خلاله تصورا ورؤية واضحة للإشكال الرقابي، وموقعه في خضم التساؤلات المطروحة حول تجويد التدبير العمومي الترابي، وفي غمرة البحث عن الحكامة الترابية والتنمية المحلية المستدامة والمنشودة في أفق الجهوية المتقدمة بالمغرب. وذلك على أمل أن أقدم إضافات أو مساهمة على قدر المستطاع تخدم الجوانب المغيبة في مجال دور الرقابة على الجماعات الترابية في بناء دولة الحق والقانون وتكريس الديمقراطية المحلية الحقيقية، والسعي نحو ارساء الحكامة الترابية كأحد البرديكمات الحديثة للتدبير العمومي. وإلى جانب ذلك، فإن اختيار هذا الموضوع، قصد البحث فيه والخوض في إشكالاته المختلقة يرجع إلى عدة أسباب وعوامل أخرى، أبرزها: – أن الإشكاليات التي يطرحها موضوع نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات الملاءمة، تمتاز بالإضافة إلى طابعها النظري والفكري، بصبغتها العملية والواقعية، الشيء الذي يجعلها جديرة بالتفكير والمساءلة المتجددة؛ – أن الأهمية والدور الجوهري المنتظر أن يلعبه نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب في أفق تطبيق الجهوية المتقدمة، يجعل من دراسة المسألة الرقابية في هذه الفترة بالذات، في محور من التقاطع مع جملة الإصلاحات التي يقتضيها تدبير الشأن العمومي بالمغرب؛ إن هذا الموضوع لم يكن عنوانه على الصيغة النهائية المعتمدة إلا بعد البحث والدراسة المعمقة وإجراء مجموعة من الاستشارات والتحويرات والمقارنات، وذلك حتى يكون أكثر علمية وموضوعية ودقة وشمولية. وتوخيا مني لتقديم بحث يجمع بين الجدة والتميز ويتجاوز مسألة تجميع المعلومات اخترت مفهوم الملاءمة لإدماجه في العنوان. فهو المصطلح الذي يشكل الخيار الأصلح والأفضل والأجدر-في اعتقادنا- للتعبير عن المطلوب والمأمول والمنتظر في علاقة النظام الرقابي بالجماعات الترابية. فالملاءمة بما تحمله من معاني التعايش والتمازج والتطابق، وبما تعنيه من التلاؤم والتماثل والتناسب والتناسق والتناغم والتوافق والمجاراة المستمرة، تمثل الهدف والغاية المطلوبة والمنشودة والمفترضة من كل إصلاح أو تحديث أو تأهيل أو تجويد أو حوكمة لنظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب كيف ما كانت. وذلك على اعتبار أنه -وفي حقيقة الأمر- قد يتم تحديث للرقابة ولكنه قد لا يلاءم الجماعات الترابية، وقد يكون هناك إصلاح رقابي ولا يلاءم واقعها، وقد يقع أو يحدث تغيير إيجابي في الرقابة، ولكنه قد لا يكفي ولا يصل إلى حد التلاؤم. ومن ثم كان لابد من اعتماد مفهوم الملاءمة، نظرا لكونه مفهوما شاملا جامعا مانعا يحمل معنى التكيف والتأقلم والمواكبة والتناسب المستمر والمتواصل. وهو بذلك قادر أن يتماهى مع المسألة الرقابية ومع طبيعة العلاقة التي تجمع الرقابة بالجماعات الترابية بشكل أكثر دقة وشمولية في نفس الوقت. ومن هنا أصبح عنوان الأطروحة هو نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات الملاءمة. أما الإشكالية المطروحة فقد كانت على الشكل التالي: ما هي تمظهرات ومكونات نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب؟ وما هي متطلبات ملاءمة هذا النظام الرقابي لتلك الجماعات بمستوياتها الثلاث؟ وإذا كانت قد تفرعت عن هذه الإشكالية المركزية مجموعة من الإشكاليات الفرعية، حيث من خلال الإجابة عنها تمكنت من الوصول إلى الإحاطة بالإشكالية المحورية، فإن المنهج أو بالأحرى المناهج التي فرضت نفسها لدراسة الموضوع، هي كالتالي: المنهج الوصفي التحليلي وهو المنهج الغالب والناظم والرابط بين مختلف فقرات البحث، ثم المنهج القانوني التحليلي وهو الداعم والمساعد للمنهج الأول في معالجة الموضوع. هذا مع الاستعانة وبشكل ثانوي ببعض مبادئ وتقنيات المناهج الأخرى أبرزها المنهج النسقي نظرا لاعتبار المسألة الرقابية على الجماعات الترابية تحمل مواصفات النظام، حيث ينبغي تحديد الإطار العلائقي الرابط بين مكوناته. ومن اجل استحضار، كل ما من شأنه أن يفيد في فهم نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات الملاءمة، مع ربطه بالتحولات والتطورات المختلفة التي عرفتها اللامركزية الترابية بالمغرب. فقد تم تقسيم الموضوع على الشكل التالي: القسم الأول: تمظهرات الرقابة الممارسة على الجماعات الترابية بالمغرب الفصل الأول: الرقابة النظامية على الجماعات الترابية بالمغرب الفصل الثاني: الرقابة القضائية على الجماعات الترابية بالمغرب القسم الثاني: متطلبات ملاءمة النظام الرقابي للجماعات الترابية بالمغرب الفصل الأول: حتمية تطوير الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب الفصل الثاني: رهانات وآفاق الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب وعموما فيما يخص التصميم لابد من التأكيد على أنه كان من العصي جدا الاحتواء الكامل للموضوع، من خلال تصميم دقيق ومتوازن ومنضبط للقواعد العلمية المتعارف عليها في البحوث العلمية الأكاديمية. إن الاقتناع المنهجي الذي تكون لدينا منذ الانتهاء من الاطلاع والبحث والدراسة في مختلف المصادر والمراجع، وانطلاقا من جميع المعلومات والمعطيات التي استطعنا إليها سبيلا، جعلنا نتفق مع الطرح الذي يرى أن نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب، مسلسل لا يعرف التوقف. فرغم كونه لم يحدث بناء على تخطيط أو استراتيجية علمية تم اعدادها، فقد خضع لتطور وصيرورة تاريخية حتمية. ومن ثم، فإن فهمه بشكل دقيق لا يحتمل أي قطيعة بين القديم والحديث، أو بين الأصيل والمستجد. بحيث لم يكن بالإمكان الإحاطة بالموضوع لو لم يتم ربطه بمسار التطورات والتحولات التي عرفها المجتمع المغربي منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. إن محاولة رصد أوضاع وتمظهرات وتجليات نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب، أفضت إلى أن هذا النظام الرقابي تتقاسمه العديد من المؤسسات والهياكل والجهات والأجهزة المركزية والمحلية الرسمية وغير الرسمية. حيث هناك الرقابة الإدارية متمثلة في وصاية وزارة الداخلية ومراقبة الأجهزة التابعة لها، والرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية ومؤسساتها وأجهزتها. وهناك الرقابة السياسية بشقيها الداخلية والخارجية من خلال الرقابة على الأجهزة، وتلك الممارسة على النشاط المالي للجماعات الترابية. وفضلا عن رقابة الرأي العام الوطني والمحلي، ورقابة الأحزاب على منتخبيها، وكذا رقابة المواطنين والناخبين، ووسائل الإعلام المختلفة وغيرها. هناك الرقابة التي يمارسها القضاء المالي ممثلا بالمجالس الجهوية للحسابات كمحاكم مالية ابتدائية، والمجلس الأعلى للحسابات كمحكمة استئناف مالية بالنسبة للجماعات الترابية. ثم إلى جانبها توجد رقابة القضاء الإداري ممثلا بالخصوص في المحاكم الإدارية التي تمارس نوعين من الرقابة: رقابة مبدئية على الجماعات الترابية باعتبارها سلطات إدارية. ورقابة إشرافية تمارسها على بعض قرارات المجالس الجهوية إلى جانب سلطات الوصاية، وستمارسها مستقبلا بمقتضى القوانين التنظيمية الجديدة. هذا وتعتبر الرقابة على الجماعات المحلية كأشخاص معنوية عامة تم إحداثها بمقتضى اللامركزية الترابية، مسألة ضرورية وحتمية لابد منها في النموذج المغربي، فالدولة موحدة محسوم في أمرها تاريخيا ودستوريا، واللامركزية إدارية ترابية ستقوم على الجهوية المتقدمة بعد تبني مشاريع القوانين التنظيمية الجديدة، ولن تصل درجة اللامركزية السياسية في جميع الظروف والأحوال. والرقابة هنا، خاصة الإدارية، إذا كانت تشكل المقابل الموضوعي لمفهوم الاستقلالية، وهما (أي الرقابة والاستقلالية) ركنان أساسيان في اللامركزية الإدارية الترابية، بحيث قد يصلان أحيانا إلى حد "التناقض" والتنافر إذا تم تغليب أحدهما عن الآخر، فإنه بسبب ذلك، وقصد ضمان التطور المنشود لسياسة اللامركزية الترابية، لا ينبغي التوقف عن التفكير المستمر المتواصل فيهما، قصد الموازنة والملاءمة والتوفيق بينهما باستمرار. ولعل الملاءمة الدائمة، والمواءمة المستمرة المتواصلة إذا كانت مهمة وضرورية من أجل استمرارية الممارسة اللامركزية الترابية، فإنها قد تزداد أهمية، وتصبح لزاما على المسؤولين أحيانا وفي بعض الحالات عندما يقع تضارب بين المبدأين. وبصفة خاصة، إذا تعلق الأمر بدولة نامية متطلعة نحو الأفضل، كالمملكة المغربية، حيث التحديات منذ الاستقلال كثيرة والمشاكل متعددة، والمؤثرات الداخلية والخارجية متنوعة بين سلبية وايجابية، وأخرى تتوقف طبيعتها على كيفية التعامل معها. ففي الوقت الذي تسعى فيه القوى الحية في المجتمع نحو التكريس الحقيقي للديمقراطية والتنمية الترابية، وإرساء دولة الحق والقانون، والتي من أبرز مظاهرها تقوية سياسة اللامركزية الترابية، وقوامها الرقابة الملائمة وربط المسؤولية بالمحاسبة، تعترض المغرب عوارض مختلفة، أبرزها إشكال الهاجس الأمني والصرامة الرقابية، ومن ثم محدودية تنزيل مبادئ الحكامة التي جاء بها دستور 2011 وضعف الجودة في التدخلات العمومية. وعلى صعيد آخر، فقد كان ولا يزال هنا مشكل الأقاليم الجنوبية، يعتبر من بين المعضلات الأساسية التي تقف حجر عثرة في طريق الديمقراطية والتنمية الترابية، والجودة الرقابية على الوحدات المحلية المنتخبة. حيث طرح إشكالا مزدوجا منذ سبعينيات القرن الماضي، وبالضبط منذ استرجاع الأقاليم الصحراوية. وقد تمثل ذلك بالخصوص -وعلاقة بالرقابة- في كون الدولة تفاقم واستحكم لديها هاجس الحفاظ على الوحدة الترابية، ليزداد ثقلا وحمولة، إلى جانب هاجس الضبط والتحكم في المجال الترابي الذي كان لديها منذ الاستقلال. وهو الأمر الذي تم اتخاذه مصوغا لاحتكار جميع السلطات والاختصاصات على مستوى الإدارة المركزية. مما تداعى وانعكس سلبا على الممارسات الرقابية المحتمة عن الجماعات الترابية بالمغرب، وزاد من شدتها وصرامتها. ولتبقى بذلك مسألة منح استقلالية حقيقية للوحدات اللامركزية المنتخبة، كما هو متعارف عليها دوليا، فكرة غير مقبولة ولا مستساغة في المغرب من الناحية العملية، وإن كان في المنظومة القانونية بعض من تجلياتها. ولا شك أنه من ذلك المنطلق، فقد ظل المغرب على الدوام وكأنه يمشي بهدفين وبهاجسين عبر مساره التاريخي، وفي إطار اللامركزية الإدارية الترابية. فإذا كان السعي نحو التطور والتقدم والتحول الإيجابي والرغبة في تحقيق التنمية المستدامة من خلال تعزيز المقاربة الترابية، يعتبر مطلبا ملحا من قبل المواطنين، ولا يمكن بلوغه إلا بتكريس الاستقلال الإداري والمالي الحقيقي للوحدات المحلية المنتخبة، فإن هاجس الحفاظ على وحدة الدولة وقوتها وسلطاتها ومركزيتها، بل وامتيازاتها وتحكمها، ظل دائما حاضرا وبقوة لدى مختلف المسؤولين خاصة المركزيين، وفي مختلف المراحل التي مرت منها اللامركزية الترابية بالمغرب. وهكذا كان لذلك المعطيين (استقلالية الجماعات الترابية ورغبة احتكار السلطة) انعكاسات وتداعيات بارزة على مقاربة الدولة للمسألة التنموية المحلية، ومن ثم على منهجها في الرقابة على الجماعات الترابية عموما. حيث تأرجحت السياسة العامة للدولة في مجال اللامركزية الإدارية الترابية بين خدمة الهدفين المتناقضين تحت غطاء مبدأي الاستقلالية والرقابة مع تغليب الثاني عن الأول للأهداف المذكورة. ولعله لا أدل على ذلك، من تلك الفجوة العميقة والمفارقة الصارخة، التي ظلت دائما حاضرة قائمة بين الخطاب والقانون والممارسة بخصوص سياسة اللامركزية الترابية. ففي الوقت الذي كان ومازال الأسلوب اللامركزي يحتل فيه مكانة خاصة ومتميزة على مستوى الخطاب السياسي الرسمي، وكانت النصوص القانونية قد حملت بعضا من تلك التوجهات السياسية دون أن تصل إلى المستوى المطلوب، نجد أن الممارسة والواقع العملي شيء أخر، حيث تكرست الرقابة الصارمة والمشددة والمبالغ فيها عمليا وتطبيقيا. ولعل تدني المستوى السياسي والتعليمي لمعظم النخب المحلية، إذا كان من بين الأسباب الذاتية الأساسية للشدة والصرامة الرقابية في شقها الإداري، فإنه يعتبر السبب الرئيسي لضعف الرقابة السياسية الداخلية على الجماعات الترابية. فالمنتخب المحلي في المغرب، ولأسباب واعتبارات ذاتية وموضوعية كثيرة ومتنوعة، ظل دائما ضعيف المستوى السياسي والتعليمي وحتى الأخلاقي. ولا شك أن ذلك راجع بالأساس وبالدرجة الأولى، إلى مسألة التنخيب في المغرب، فالسبل التي تؤدي إلى ولوج عالم النخبة السياسية في المملكة معروفة. إن ضعف الفعالية وغياب النجاعة في الرقابة السياسية على الجماعات الترابية بالمغرب -بشقيها الداخلية والخارجية- إذا كان مقبولا ومستساغا على مضض وإلى حد ما، نظرا لارتباطها بعوامل ومعطيات كثيرة ومتعددة يصعب جردها والتحكم فيها بسهولة، فإنه بخصوص رقابة المحاكم المالية وباعتبارها رقابة قضائية لا يمكن قبول ذلك إطلاقا، وبأي حال من الأحوال. فرقابة القضاء المالي على الجماعات الترابية بالمغرب رغم أهميتها من الناحية المبدئية، وإيجابياتها من حيث واقع الممارسة، فإنها تبقى ضعيفة، وضعيفة جدا من حيث الآثار والنتائج المترتبة عنها. ومما لا جدال فيه أيضا، أن المتتبع لواقع عمل المحاكم المالية وما يصدر عنها من تقارير حول قيامها بالكشف عن العديد من الاختلالات وحالات الفساد في الجماعات الترابية، سيجد أنها ما تزال وعلى الرغم من تمتعها بنوع من "الاستقلالية" النسبية عن باقي السلطات، تخضع للاعتبارات والكوابح السياسية والغامضة في عملها. وإذا كان القضاء المالي بالمغرب يمارس -وبدون شك- رقابة ضعيفة على الجماعات الترابية، نظرا لإكراهاته واختلالاته المتعددة، ولعدم تمتعه بالاستقلالية والسلطات المفترضة في الأجهزة والمؤسسات القضائية عموما، فإن القضاء الإداري -ورغم تمتع قضاته بامتيازات وضمانات السلطة القضائية- فهو لا يمارس بدوره رقابة فعالة وناجعة على الجماعات الترابية بالمغرب. وبصرف النظر عن المهام الرقابية المسندة للمحاكم الإدارية إشراكا لها في الرقابة الوصائية على بعض قرارات المجالس الجهوية بالنسبة للجهات، والتي سيتم تعميمها مستقبلا على جميع الجماعات الترابية عندما ستدخل مشاريع القوانين التنظيمية حيز التنفيذ، فإن الرقابة العامة التي يمارسها القاضي الإداري على الجماعات الترابية، مرتبطة بشكل أساسي بالوعي الحقوقي والقانوني لدى المواطن، وبمدى تمكنه وقدرته على المنازعة والمقاضاة للإدارات الجماعاتية. دفاعا عن حقوقه، أو جبرا للأضرار التي قد تصيبه نتيجة الأعمال المادية أو القانونية للوحدات المحلية المنتخبة. إنه وفضلا عن ذلك الإشكال المرتبط أساسا بمسألة تعقد مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية، وكذا مسألة امتناع تلك الجماعات عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، فإن رقابة القضاء الإداري تعاني من عوائق وصعوبات وإكراهات أخرى قد لا تقل تأثيرا سلبيا عن المذكورة سالفا. وهو ما يتجلى أساسا وبصفة خاصة، في التردد والتقاعس وغياب الجرأة المسجلة على صعيد قسط مهم من الاجتهاد القضائي في المنازعات والقضايا المتعلقة بالجماعات الترابية خاصة تلك الصادرة عن محاكم الاستئناف وعن محكمة النقض بالخصوص. لقد مكنتنا هذه الدراسة من رؤية وتحليل مختلف أنواع الرقابة، التي تخضع لها الجماعات المحلية بالمغرب. ومن بين النتائج المؤكدة والمتوصل إليها هي أن مسألة الكثرة في الأجهزة والممارسات الرقابية، تعتبر إشكالية كبرى وتساهم بلا شك في عدم بلوغ الهدف من الرقابة أحيانا، والذي هو الحفاظ على المصلحة العامة والمصالح الخاصة في الوقت نفسه. ذلك لأن التعدد في الأجهزة وكثرتها، يؤدي إلى إهدار الزمن الرقابي، وإلى غياب الحكامة والنجاعة الرقابية. بل إنه يخلق نوعا من التعارض والتضارب بين أعمال وتدخلات مختلف الأجهزة الرقابية من الناحية الواقعية والقانونية. وتأسيساً على ما تقدم، يمكن القول أن إرساء نظام للمراقبة أو منظومة رقابية حقيقية وفعالة قادرة أن تمتد بتأثيراتها الإيجابية لزيادة الكفاءة والفاعلية والفعالية الإدارية على النطاق المحلي، يتطلب بالضرورة وبالدرجة الأولى أن يستوعب المسؤولون بالإدارة المركزية -خاصة بوزارة الداخلية- هذه الضرورة. كما يتطلب ويستلزم من جميع الموارد البشرية الفاعلة والمتدخلة بالجماعات الترابية منتخبين كانوا أو موظفين أو رجالا للسلطة أو غيرهم، أن يكونوا في المستوى المطلوب كخاضعين للمراقبة أو كممارسين لها، وسياسية كانت تلك الرقابة أو إدارية أو قضائية أو غيرها. إن تجويد التدبير العمومي بالجماعات الترابية، يقتضي إيجاد رقابة ملائمة هدفها المحافظة على الوحدة الوطنية، وعلى سيادة النظام والقانون من جهة، ثم حماية الحقوق والحريات وضمان حسن تدخلات الجماعات الترابية من جهة أخرى. حيث لا نتصور أن تؤدي الجماعات الترابية اختصاصاتها دون وجود رقابة ملائمة، تتسم بالاعتدال في التعامل مع انحرافاتها وأخطاءها. فالملاءمة موقف بين التشدد والانحلال، أو منهج وسط بين الإفراط والتفريط في الرقابة. إذ لا يمكن تصور تشديد الرقابة حتى تصبح قوة مكبلة لنشاط الجماعات الترابية ومبادراتها التنموية، ولا يمكن تخفيفها إلى أن تصبح رقابة صورية جوفاء فارغة من محتواها، أو منظومة رقابية خاوية على عروشها. وملاءمة الرقابة للجماعات الترابية تعني في هذا البحث أيضا، إضفاء نوع من الدينامية والحركية الدائمة في مختلف الأنماط والممارسات الرقابية .بحيث تكون قادرة على المواكبة التكيف والتأقلم حسب الظروف والأحوال ومتطلبات الواقع، فيتم تخفيفها عند الحاجة، وينبغي تشديدها عندما تستدعي ذلك الضرورة. وبالفعل تكتسي مسألة تكوين المنتخب المحلي أهمية كبرى، فقد أثبتت التجربة المتراكمة منذ إحداث الجماعات الترابية بالمغرب، أن ضعف التدبير والتسيير الذي ميز التجارب السابقة للمجالس الجماعاتية راجع في جزء أساسي منه إلى كون المنتخب والموظف المحلي كان غير مؤهل للقيام بمهامه بسبب عدم إلمامه بحقوقه، وعدم وعيه بواجباته ومسؤولياته، إلى جانب اعتبارات أخرى. وإلى نفس تلك الأسباب طبعا -وبدون شك- يرجع الاختلال البنيوي الذي يعتري منظومة الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب. وعليه فالتكوين يعتبر من بين السبل الكفيلة بتجويد الرقابة، ولتحسين أداء العمل الجماعاتي ليرقى إلى الطموحات والتطلعات. فالمطلوب من الدولة أساسا ليس هو تغيير النصوص أو تجديدها، وإنما نطالبها بنشر ثقافة جديدة عبر التكوين والتأهيل، يمكن أن نسميها، ثقافة التفاني والمصداقية وروح المواطنة. وهي ثقافة، أساسها وقوامها الشفافية والجدية والمسؤولية الطوعية. وهي توجه حاسم في استراتيجية التنمية الشاملة في كل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية. إن ما نطمح إليه من خلال هذا البحث عن الرقابة الملائمة، هو أن تصبح الجماعات الترابية في المستقبل، مؤسسات فاعلة وازنة ومدارس وطنية للتأهيل والتربية والتكوين المحلي. تكوين المواطن الفاعل والمنتج، الذي يعد الدعامة الأساسية للتنمية الترابية المستدامة والمنشودة، وكذا تخريج الأطر والنخب ومراكمة الخبرات والتجارب والإنجازات. بحيث يجب أن تكون مؤطرة بتوجهات فكرية وعلمية وعملية محددة، تضمن لهذه المؤسسات استمراريتها ونجاعتها الاجتماعية والتاريخية، وذلك حتى تستطيع أن تساهم بفعالية في مسيرة تنموية منتجة ومستدامة على المستوى المحلي والوطني. إننا نرى، أو بالأحرى نعتقد جازمين أن ملاءمة النظام الرقابي للجماعات الترابية بالمغرب، تقتضي وضع استراتيجية متكاملة بجوانبها التشريعية والتنظيمية، ومتطلباتها المادية والبشرية والوسائل والأدوات اللوجستية وغيرها. مع التركيز وبشكل أساسي على النهوض بالعنصر البشري تربية وتكوينا وتخليقا، إن على مستوى المنتخبين والموظفين بالجماعات الترابية الخاضعة للرقابة، أو على مستوى الموارد البشرية الممارسة لتلك الرقابة. بحيث يستهدف ذلك تطوير فلسفة الرقابة والمحاسبة المحلية، والسير بها في اتجاه تعزيز مبدأ "الرقابة الملاءمة للعقلية المغربية"، من خلال أنسنة مبادئها وتقنياتها وأهدافها. وحاصل الكلام أن هذه الإصلاحات المجمع على معظمها في نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب، هي إصلاحات ذات طبيعة استعجالية. وحالة الاستعجال فيها قصوى لا تستدعي التأجيل والتأخير أو حتى التمهل، لأنها من السهل الممتنع، وقد تستغرق وقتا وجهدا ونفسا طويلا. وأخيرا يمكن القول، أن البحث في موضوع نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات الملاءمة، كان ممتعا، وقد استغرق وقتا وجهدا وكثيرا من الصبر والتأني، لكن في المقابل، لا يمكن الادعاء أن البحث يرقى لمستوى الكمال، بل ما هو إلا انطلاقة ومحاولة لمواكبة دينامية ومتغيرات جدلية الملاءمة بين الرقابة والجماعات الترابية في منظومة الشأن العام المحلي بصفة خاصة، والحكامة الترابية في المغرب بصفة عامة. وذلك على أمل أن يكون هذا البحث بداية لتحليل لا يمكن له أن يتوقف، ولا يحسن له أن يتوقف قبل الوصول إلى المقاربات المختلفة. حيث الهدف والمقصد في النهاية هو تحفيز الأفكار على مزيد من الاجتهاد والحماس، واستنهاض المبادئ والأخلاق والهمم في اتجاه تكريس وإرساء وترسيخ رقابة ملائمة للجماعات الترابية بالمغرب خطابا وقانونا وممارسة. وذلك عسى أن يتم في الأخير إعطاء تصور ينهل من الدقة ومن العلمية أوفر حظ، وأكبر نصيب، لما يجب أن يكون عليه الأمر أو يسير باتجاهه في المستقبل، الذي به نحن متفائلون ولتحسينه وتجويده أملون وإلى أفضله وأحسنه متطلعون وبضرورة المشاركة الإيجابية في تغييره مقتنعون ومستعدون.