ذ . محمد عزلي وادي لوكوس، إنه التنين العملاق الذي حمى التفاحات الذهبية و جنات الهيسبيريديس و لم يقوى عليه حتى هرقل العظيم كما جاء في الأساطير الإغريقية القديمة، إنه نفسه واد ( سفدد ) كما ورد على لسان الإدريسي في " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق "، و محمد بن حوقل في " صورة الأرض "، و عبد الله بن عبد العزيز البكري في " المسالك والممالك ".وادي لوكوس سبب الحياة و عصب الرخاء الذي عرفه حوض اللوكوس و سهول الهبط الغنية عبر التاريخ، لقد شكل الجدار الواقي و السد الطبيعي المنيع الذي حصن جنوب حاضرة ليكسوس في التاريخ القديم و شمال ثغر العرائش في التاريخ الحديث، و ذلك لعمقه و عرضه و غزارة صبيبه الذي يتجاوز 50 متر مكعب في الثانية و مساره الملتوي على شكل ثعبان عظيم، الشيء الذي جعل اختراق المدينة برا من جهة الشمال مستحيلا حتى على الإمبراطوريات الإيبيرية المتعاقبة، و خصوصا تلك المحاولات البرتغالية المتكررة و التي انتهت بفشل أول عند جزيرة المليحة سنة 1489م، و نكبتهم الكبرى التي قسمت ظهر الإمبراطورية و مسحت بكرامتها و وجودها في معركة وادي المخازن الكبرى سنة 1578، كما عرف مصب وادي اللوكوس بمرسى ثغر العرائش ملاحم عظيمة خلدت في مجلدات التاريخ بانتصارات المجاهدين المغاربة على أقوى الإمبراطوريات الأوروبية بوصفه مرسى العاصمة ( فاس ) و بوصفه مرسى الجهاد البحري إلى جانب ( الرباط / سلا ) حيث كانت القطع البحرية العسكرية المغربية ترسو بهما، و تبقى أشهر هذه الملاحم، الانتصار على الأسطول الفرنسي في معركة قادها الحبيب المالكي زمن السلطان سيدي محمد بن عبد الله عام 1765، ثم الانتصار على الأسطول النمساوي في هجومهم السافر على ثغر العرائش عام 1829.لقد شكل عبور النهر إلى حدود القرن 19 عملية بالغة التعقيد ترتبط أساسا بصبيب المياه و حركات المد و الجزر، و تتغير مناطق العبور حسب الفصول و الأحوال المناخية و الأمنية، و قد عرفت تطورات مرحلية ببناء جسور خشبية أو حجرية لم يكتب لها الاستمرار نظرا لطبيعة تاريخ منطقة العرائش التي لم تعرف أبدا طعم الاستقرار، حيث ظلت أهالي المنطقة حبيسة بواديها تحرسها مدينة مخزنية متأهبة على مر الزمان لصد كل عدوان من الأوربيين عموما و الإيبيريين تحديدا.ابتكر البدو في القرن 19 جسورا متحركة تعتمد على البراميل الخشبية و الحبال، شكلت ثورة في أساليب التنقل و إن كانت بدائية و غير متينة و لا يمكن الاعتماد عليها في حركة سير المركبات ذات العجلات لكنها سهلت التنقل بشكل دائم بالنسبة للأشخاص و البهائم فقط في الظروف المناخية العادية ، كانت تمد في فترات السلم و تسحب فور ظهور أخطار محدقة، إلى أن جاء الخطر هذه المرة من المحيط بداية القرن العشرين على يد قوات الاحتلال الإسباني سنة 1911، فعمل المستعمر على تطوير القنطرة العائمة و ذلك باستخدام القوارب بدل البراميل لتكتسب أفضلية عن سابقاتها من حيث المتانة و المرونة و الحمولة، في انتظار بناء قنطرة إسمنتية قوية و حديثة.و بالفعل تكلفت المؤسسة العسكرية الإسبانية ببناء قنطرة ألفوسو الثالث عشر " ALFONSO XIII " على نهر اللوكوس بالمدخل الشمالي لمدينة العرائش و التي ستحمل اسم مولاي الحسن في مرحلة الاستقلال، و بدأت العمل رسميا كوسيلة ربط لطريق طنجة / الرباط ابتداء من تاريخ 23/01/1929، نفد المشروع الخرساني على يد المهندس باسكوال أراكونيس Pscual Aragones الذي تفنن في إبداع نمط معماري حديث بلمسات موريسكية جميلة. واضعا بذلك حدا نهائيا للعزلة التي فرضها وادي اللوكوس على مدينة العرائش عبر الزمان.