النصب والاحتيال على العمال وعلى الدولة ومؤسساتها: "سيكوم" و"سيكوميك" نموذجا محمد إنفي كما واعدت بذلك في المقال السابق حول الفساد الاقتصادي والاجتماعي والإداري، أعود لموضوع النصب على الدولة والتحايل على العمال باسم الإفلاس، من خلال ما تعيشه، حاليا،إحدى المؤسسات الإنتاجية بمكناس، من أوضاع تؤكد النية المبيتة لأصحابها الذين خططوا، بمكر وخداع، من أجل تصفيتها والتخلص من العمال القدامى؛ أي ما يقارب 700 عامل وعاملة. المؤسسة المقصودة، هنا، هي شركة (أو معمل) "سيكوميك" التي اشترت الأصل التجاري، دون العلامة التجارية، من شركة "سيكوم"، المشهورة بمدينة مكناس والتي لها صيت عالمي، كعلامة تجارية في مجال النسيج، وأساسا قطاع الملابس الجاهزة. ومن دون شك أن احتفاظ الشركة الأصلية بالعلامة التجارية، مسألة ليست بريئة وتخفي أشياء كثيرة، سيتضح البعض منها، على الأقل، في هذا المقال. لا شك أن القارئ قد لاحظ الفرق البسيط في الاسم بين الشركتين. وسوف يتضح السبب الحقيقي من وراء هذا التقارب، بعد أن نقدم لكم بعض التفاصيل حول هاتين الشركتين والعلاقة بينهما. وحتى يفهم القارئ (وكل من يهمهم الأمر) الوضع جيدا ويدرك مدى الخبث والمكر الذي حيكت به مؤامرة التخلص من اليد العاملة التابعة ل"سيكوم"، نسرد الوقائع التالية: 1. في سنة 2013، قامت شركة "سيكوم"، في سرية تامة عن العمال، ببيع العقار الذي كان في ملكها (أي الأرض التي مساحتها حوالي 5 هكتارات) إلى أحد الشركاء، والذي ليس سوى شقيق الرئيس المدير العام للشركة (يُجهل ثمن البيع). 2. بعد هذه الخطوة، قامت الشركة بكراء العقار من مالكه الجديد، بسومة كرائية قدرها 100.000 درهم شهريا. وظل الأمر (أي البيع والكراء) في طي الكتمان إلى سنة 2016. 3. في هذه السنة، وبالضبط بتاريخ 23 مايو2016، تأسست شركة جديدة تحمل اسم "سيكوميك" ومقرها الاجتماعي هو مقر"سيكوم"؛ أي أن الشركة الأصلية قد تم تفويتها إلى الشركة الجديدة، طبقا للمقتضيات القانونية. ومن المفارقات العجيبة التي يكشفها السجل التجاري لكل من الشركتين، الفرق الصارخ في رأسمالهما. فالشركة الأصلية، التي تأسست في يونيو 1975، رأسمالها 5480.000 درهم؛ في حين أن رأسمال الشركة الجديدة رأسمالها 100.000 درهم فقط (يجب الانتباه إلى هذا الأمر؛ فقد يفيد كثيرا في فهم التحايل الذي يخفيه هذا التفويت). 4. لقد تم تأسيس الشركة الجديدة، حسب ما صرح به بعض العمال من قبل شخصين؛ أحدهما مغربي وتربطه علاقات مصلحية بأصحاب الشركة الأصل (يدير إحدى شركتهم العاملة في مجال النسيج)؛ والآخر، مستثمر أجنبي. غير أن اسم هذا الأجنبي غير مذكور في السجل التجاري. الاسم الوحيد المذكور فيه هو أناس الأنصاري باعتباره مسيرا وشريكا. وحسب تصريح أحد ممثلي العمال، فإن حصة السيد الأنصاري هي 49 في المائة، بينما الأجنبي له 51 في المائة من رأس مال الشركة. 5. وحسب نفس المصدر، فإن الوضع الآن قد تغير وأصبح لأناس الأنصاري 1 في المائة فقط والباقي يعود لشريكه الأجنبي الذي لا يعرف له مكان ولا عنوان. وبفعل هذا الوضع الجديد، فقد قدم الأنصاري استقالته ورفع دعوى من أجل الإفلاس. أليس في الأمر ما يدعو إلى الشك والريبة؟ هل الأجنبي ضحية أم مساهم في المؤامرة؟ 6. لقد اشترى الشريكان الأصل التجاري من "سيكوم" ب 2500000 درهم واكتريا من صاحب العقار مقر الشركة بنفس السومة الكرائية التي كانت تؤديها إدارة "سيكوم" السابقة لهذا الأخير. وحسب ما هو متداول بين العمال، فإن مدة العقد خمس سنوات غير قابلة للتجديد (يجب الانتباه إلى هذه النقطة لأنها بالغة الأهمية فيما سنرتب عنها من استنتاجات). 7. قبل بيع الأصل التجاري، قامت إدارة "سيكوم"، في سنة 2014، ببيع وسائل النقل إلى شركة أخرى، هي في ملك الرئيس المدير العام ل"سيكوم". وهذه الشركة ("أليانص") تدير مؤسستين تابعتين لها وتشتغلان في نفس مجال اشتغال "سيكوميك"(الملابس الجاهزة). 8. يتوفر ممثلي عمال "سيكوميك" (عمال "سيكوم"، سابقا) على وثيقة يعود تاريخها إلى شهر أكتوبر 2017، تثبت أن أصحاب شركة "أليانص" يستعملون اسم "سيكوم" في تعاملاتهم التجارية. وهنا، يظهر الهدف الحقيقي من الاحتفاظ بالعلامة التجارية وتفويت الأصل التجاري فقط. 9. ولضمان التسيير الجيد لشركة"أليانص" وتمهيدا لإفلاس شركة "سيكوميك"، قام مالكو شركة "سيكوم" بنقل الموظفين الإداريين إلى شركتهم الجديدة؛ ناهيك عن تهريب العمل إلى شركتهم على حساب شركة "سيكوميك" وحرمان هذه الأخيرة من التعامل مع زبناء "سيكوم"، طبقا للعقد المبرم بينهما. 10. تراكمت على شركة "سيكوميك" الديون، بحيث بلغت أكثر من مليار سنتيم. فإلى جاني مليونين (2) من الدراهم المقترضة من البنك المغربي للتجارة الخارجية وأكثر من 600.000 درهم كمستحقات الكراء، هناك متأخرات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي بلغت 8 مليون درهم. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن رب العمل الجديد لم يؤد مستحقات الصندوق إلا لشهرين فقط منذ تأسيس الشركة. وقد تم الحجز عن الأصل التجاري للشركة من قبل الصندوق ومن قبل البنك (ويبدو أن إغراق الشركة بالديون مقصود للتخلص من العمال). 11. في بداية شهر نونبر 2017، أُغلقت أبواب الشركة واختفى المسؤولون عنها وبقي العمال والعاملات يرتادون المكان يوميا طلبا للعمل ولأجورهم المستحقة. من كل ما سبق، يتضح أن الوضع الحالي ب"سيكوميك" مخطط له بدقة وبمكر كبيرين. فالهدف الواضح، هو التخلص من حوالي 700 عامل وعاملة من القدامى؛ أي تعريض ما يقارب 700 عائلة للضياع، خاصة في هذه الظروف التي تتميز باستفحال البطالة. ويكفي أن نربط بين بيع العقار واكترائه، في نفس الآن، وبيع وسائل النقل والأصل التجاري دون بيع العلامة التجارية (وما يعنيه ذلك من الحفاظ على زبناء الشركة الأصلية على حساب الشركة الجديدة)؛ ثم التنصيص في عقد الكراء مع الشركة الجديدة على مدة 5 سنوات غير قابلة للتجديد، واستمرار التعامل باسم "سيكوم"؛ ناهيك عن التمهيد لإقامة دعوى من أجل الإفراغ بسبب عدم أداء واجبات الكراء... كل هذا وغيره يؤكد أننا أمام مؤامرة محبوكة، أبطالها ملاك شركة "سيكوم"، وهدفهم الأساسي التخلص من اليد العاملة الرسمية والعودة إلى العمل المؤقت الذي لا يضمن للعامل أية حقوق؛ وذلك بعد أن يتم إعلان إفلاس شركة "سيكوميك". وهذا واضح من تسلسل الأحداث ومن الأوضاع التي عليها "سيكوميك"، الآن. ففي وضعها الحالي لا قيمة لها في السوق؛ إذ ليس لها إلا الأصل التجاري وبعض الآلات. فبيعها في المزاد العلني، مثلا، لن يغطي مردوده إلا جزءا يسيرا من المتأخرات؛ وقد لا يكفي لأداء أجور العمال المستحقة. كما أن وضعها القانوني والتجاري والإداري، لن يشجع أي مستثمر على المغامرة في دخول المزايدة خلال البيع؛ وبالتالي، سوف تعود "سيكوم" إلى بيتها؛ لكن، بعد أن تكون قد تخلصت من العمال القدامى وضمنت لنفسها التحكم المطلق، بواسطة عُقد العمل المؤقتة، في رقاب الأجراء المستضعفين. وهكذا، يتضح أننا أمام جريمة مكتملة الأركان والشروط، بما في ذلك التدليس مع سبق الإصرار. وتسمى هذه الجريمة، في مدونة التجارة وفي القانون الجنائي، بالتفالس. فهل ستتحرك الجهات المسؤولة لإعمال القانون وزجر المتحايلين عليه، إحقاقا للحق وحماية للسلم الاجتماعي وضمانا لحقوق العمال ومستحقات الدولة...؟ أم أن النفوذ المالي والاقتصادي والسياسي فوق القانون...؟؟؟ ومن خلال ما هو رائج في الشارع المكناسي، فإن هؤلاء القوم يدمنون تأسيس الشركات وتفليسها بعد عامين لتأسيس أخرى بأسماء جديدة، من أجل، من جهة، حرمان الدولة من مداخيل مهمة تزيد في نفخ أرصدتهم؛ ومن جهة أخرى، حرمان العمال من الترسيم وما يستتبعه من حقوق. يقومون بكل هذا دون أن يتعرضوا للمساءلة والمحاسبة. فهل يمكن أن نطمع في أن يكون "للزلزال السياسي" الذي عرفته البلاد في المدة الأخيرة، بعض الارتداد، فيحرك الجهات المسؤولة لحماية مصالح الدولة والمجتمع من المتلاعبين والغشاشين...؟ ذلك أن أمثال هؤلاء المستثمرين يعملون، بتحايلهم، على تعزيز الهشاشة في المجتمع، بدل المساهمة في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة، المنتج الحقيقي للثروة.