تعلمون جيدا أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام مجرد رقم في معادلة الصراع بين الشرك والإيمان، خلال مرحلة الدعوة، أو بين العدل والاستبداد، خلال فترة دولة المُلك العاض والجبري، أو بين الاستعمار والاستقلال، وإنما كان هو المعادلة الصعبة بعينها التي كلما دخلت على أي صراع إلا وكان لها فيه النصر المبين والغلبة، ذلك لأن الإسلام دين الله الذي أكمله وأتم نعمته على الناس وارتضاه لهم دينا. قادة العدالة والتنمية، بصرف النظر عن مرحلة نشأة حزبكم الأولى وملابساتها وإكراهاتها والجدل الذي رافق سياقها التاريخي والسياسي، فإن هذا الشعب الكريم، الذي كفر بفساد النظام وإفساده لقيم العمل السياسي وإجهاضه لكل نبتة ديمقراطية ومحاولة انتخابية حرة تعبر عن إرادته وتفرز نخبة وطنية تتمتع بالتفويض السيادي الشعبي، كان أيضا قد نفض يديه من جل الأحزاب، يسارها ويمينها، ورثة الحركة الوطنية وصنيعة الطاغية الراحل الحسن الثاني على حد سواء، من أحزاب إدارية ولدت قيصريا في رحم القصر العامر أو ردهات وزارة الداخلية لتفسد الحياة السياسية والنخبة المثقفة، هذا الشعب الأبي الذي طالت انتظاراته ورهاناته، كان يرى دائما في حزبكم وسيرتكم وانتمائكم للإسلام لحظة الانعتاق من الفساد والاستبداد. كان الشعب قد سئم وجوه سماسرة السياسية وعرابي الانتخابات، شجرة النظام الخبيثة، وهبت عليه رياح قيم الإسلام مع بداية الصحوة الدينية مطلع سبعينيات القرن الماضي، بعد فترة من الاضطرابات والانقلابات والخيانات والفجور الممنهج والبدع والطرقية الضالة، حليفة الاستعمار وربيبة النظام، التي بُعثت من رماد. قادة العدالة والتنمية، لقد أعطاكم هذا الشعب الكريم، في عز الضغوطات والمؤامرات والدسائس المخزنية والحزبية اليسارية واليمينية، في أول استحقاق انتخابي عام 1998، حوالي 42 مقعدا نيابيا، حسب بعض المصادر من داخل وخارج حزبكم، فاهتزت أركان النظام والعواصم الغربية التي كانت وقتئذ لازالت تستعمل الإسلاميين كفزاعة لتخويف الأنظمة اللاديمقراطية الشمولية، ثم حجم النظام تمثيلكم النيابي إلى 9 مقاعد فقيرة، أي أقل من فريق نيابي، فأتم العدد فيما بعد خلال الانتخابات الجزئية وفرض عليكم قبول بعض الأشباح البرلمانيين ليبلغ النصاب، 14 مقعدا، لتشكيل فريق نيابي، فسجل عليكم واحدة من الخطايا السياسية، الدخول في لعبته وقبول شروط عقد الإذعان. ورغم خبث النظام وعدائه التاريخي لتواجد أي قوى سياسية إسلامية في المشهد السياسي الوطني، تتمتع بالشرعية الدينية والشعبية والتاريخية، لكونها امتداد لحركة الإسلام، عاد الشعب الكرة ورد على موقف النظام منكم فأعطاكم ثقته وصوته لتكونوا ضمن ريادة الأحزاب رغم تدخلات أجهزة النظام السافرة لتزوير إرادته، وتقودوا تلك المرحلة وتخرجوا البلاد من لعبة النظام والأحزاب الفاسدة وتداول السلطة والمال بينهم، فحصل حزبكم الفتي على حوالي 42 مقعدا نيابيا في انتخابات 2002 التشريعية، وأضحى هو المعادلة الصعبة في المشهد السياسي المغربي. ورغم ارتباككم وتراجع خطابكم السياسي حول العديد من القضايا، بسبب بعض الصفقات السياسية التي أجبركم النظام عليها، قانون الإرهاب والمدونة، في أجواء المؤامرة التي دبرتها جهات ضليعة في أحداث الدار اليضاء الإرهابية عام 2003، والتي افتعلت لتحجيم قوتكم وتقزيم دوركم وإدخال الخوف في شرايين الحزب وقادته وقاعدته، استمر الشعب في المراهنة على حزبكم لعله يكون حزب الشعب وصوته في مؤسسات الدولة في وجه هذا الغول المخزني الكاسر وهذه الأحزاب، حليفة النظام، فوهبكم 46 مقعدا في انتخابات 2007، لتمثيله في مجلس النواب بأغلبية الأصوات لولا تدخل النظام، بالتواطؤ مع ما يسمى زورا وبهتانا بأحزاب الكتلة الديمقراطية، خاصة حزب الاستقلال، ليؤسس لواحدة من المفارقات العبثية في تاريخ الانتخابات في العالم، أن يحصل حزب على أعلى الأصوات ويشكل حزب آخر الحكومة لأنه حصل على أعلى نسبة المقاعد في مجلس النواب. لم يغادركم هذا الخوف وقد مر حوال عقد من الزمان، فأصبحتم تقيسون حجم مواقفكم وسقف قراراتكم من سياسات ومبادرات النظام، بالقبول أو الرفض، على أساس الحالة النفسية التي سكنت وجدانكم وأعاقت تطوركم السياسي. قادة العدالة والتنمية، لقد بعث الشعب المغربي، خلال استحقاقات 2007، برسالتين واضحتين، الأولى للنظام وللملك شخصيا الذي دعا الشباب للمشاركة القوية في الحياة السياسية والحزبية عشية الانتخابات ولأحزابه الفاسدة، من كل التيارات، فكان رد الأغلبية الصامتة قويا وقاسيا، وهي الأغلبية الغاضبة اليوم المتمثلة في شباب حركة 20 فبراير المباركة، فتراوحت نسبة المشاركة، حسب المدن، بين 15% و35%، والرسالة الثانية كانت موجهة لحزبكم، أي رغم ضعف المشاركة وتدخلات وزارة الداخلية لفائدة مرشحي النظام، فقد راهن الشعب، وللمرة الثالثة، على تحرككم وتغيير بوصلتكم صوبه بدل مراهناتكم الخاطئة على النظام. أعطاكم الشعب الإنذار الأخير، ولكن للأسف ذهبتم تفاوضون وتتحالفون وتقايضون مرة اليسار وأخرى حزب الملك، "البام"، وتارة أخرى أحزاب المخزن الإدارية للظفر برئاسة مجالس مدن أو جماعات محلية في إطار لعبة مملة وجحر دُبٍ أدخلكم فيه النظام. لقد فقدتم الاتجاه وابتعدتم عن مشروعكم الإسلامي الوطني، حيث حاولت حملاتكم الدعائية أن ترضي الجميع، اليسار والعلمانيين والمخزن والغرب، إلا الشعب صاحب الصوت والشرعية. لقد خسرتم الشعب التواق للتغيير وحركته المباركة وأصبحتم، للأسف، جزءا من منظومة النظام وتبددت هويتكم الإسلامية وضاعت ثقافة مرحلة الدعوة والحركة في حسابات الآلة الحزبية السياسية الجهنمية غير المضبوطة بضوابط الشرع والسياسة الشرعية والمقاصد والمصالح العليا للإسلام. أصبحتم جزءا من الماضي وليس من المستقبل. إنها المرة الثانية، خلال ستة عقود، يصاب الشعب المغربي الكريم بخيبة أمل وتخونه نخبته السياسية، الأولى حين التف حول الحركة الوطنية وحماها من بطش الاستعمار البغيض، وبدل أن تقود الحركة أول حكومة الاستقلال، خطف النظام ثمار الجهاد والمقاومة وأضاع تضحيات الشهداء وأهدر دماء المقاومين، أتى بالباشا مبارك البكاي لهبيل، سليل دار المخزن وأحد خلاصه، وبدراري فرنسا الذي تربوا على موائدها وفي فصول مدارسها، ليرأس حكومتي 56 و57، وانقلب العديد من قادة الحركة الوطنية على أعقابهم فأصبحوا خاسرين بتحالفهم مع النظام على حساب الشرفاء الوطنيين والعلماء المجاهدين وتنكروا لتضحيات وانتظارات الشعب المغربي الكريم. أما خيبة أمل الشعب الثانية، فهي مرهانته على حزبكم وعلى توجهه الإسلامي ونظافة يده، التي عُرف العديد من قياداته بها منذ مرحلة الحركة وخلال سنوات العمل الحزبي الأولى، وبدل أن تبادلوه الوفاء بالوفاء، وقعتم في نفس الفخ الذي نصبه النظام للعديد من قيادات الحركة الوطنية، فعميت عليكم وتركتم من رفعكم عاليا وآزركم وأدخلكم بقوة وشرعية مجلس النواب والمجالس المحلية والجهوية ومؤسسات أخرى، فتسمرتم أمام باب القصر العامر ترجون رحمة صاحبه وتخافون عذابه، وثبتم بذلك حقيقة وتهمة سياسية لطالما نفاها النظام، وهي أن الماسك بمفاتيح صناديق الاقتراع وأقفال الحكومة وأختام المناصب العليا هو النظام وليس الشعب. قادة العدالة والتنمية، لقد جاءت الثورات العربية لتؤكد في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها بأن إرادة الشعب من إرادة الله وبأن صاحب القول الفصل بشأن مصائر ومصارع الطغاة هو الشعب وبأن من يختار القيادة الشرعية، رجال المستقبل والتحرير، لتسيير شؤون الدولة هو الشعب. أكدت الثورات العربية وحركة التغيير الجارية اليوم من المحيط إلى الخليج بأن الرهان على الإصلاح السياسي من داخل المؤسسات لعبة يتقنها النظام ومتاهة رَسم حدودها بدقة، هدفها قتل روح النضال والغيرة على الوطن لدى النخبة وتدويرها من منصب لآخر ومن تكتيك لآخر، جيلا بعد جيل إلى ما لا نهاية. لا تغيير عبر صناديق اقتراع يشرف عليها نظام لم يحترم إرادة الشعب منذ أزيد من نصف قرن على الأقل. إن من يملك اليوم سلطة اختيار الحكومة التي نحتاجها لعبور هذه المرحلة بسلام هو الشعب، ومن يملك سلطة انتخاب أعضاء مجلس النواب هو الشعب وليس النظام، بل إن من يملك سلطة قلب كل معادلات النظام وأحزابه الفاسدة هو الشعب. عليكم في حزب العدالة والتنمية، قيادة وقاعدة، ألا تخطؤوا هذه المرة في التسديد والرهان وأن تعلموا بأن شرط التغيير وشرط عودتكم إلى الشعب ليحملكم فوق أكتافه ويضعكم في سويداء عينيه مع الشرفاء من القوى السياسية الإسلامية والوطنية وحركته المباركة التي التف حولها الشعب الغاضب، هو مقاطعة هذه الانتخابات المخزنية الباطلة والقائمة على دستور وقوانين باطلة وغير شرعية، دستور وقوانين انتخابية وضعتها وأشرفت عليها النخبة المخزبية الفاسدة وأجهزة النظام الأمنية والداخلية ضدا على إرادة الأمة. قادة العدالة والتنمية، قاطعوا هذه الأكذوبة والتحقوا بموكب الشعب وسيسجل التاريخ لكم هذا الموقف السياسي بمداد من فخر واعتزاز لأنه هو وضعكم الطبيعي والشرعي، ولأن المشروع الإسلامي لم يكن في يوم ما عبارة عن فزاعة لتخويف الأحزاب العلمانية واليسارية واليمينية أو الغرب أو رقما من بين أرقام حزبية أخرى أو مجرد زينة في المشهد السياسي، وإنما كان دائما وسيبقى، إلى أن تقوم الساعة، البديل والنقيض لواقع الاستبداد والفساد. لقد حارب النظام المصري، على مدى ستة عقود، جماعة الإخوان المسلمين وجميع التيارات الإسلامية والوطنية، ونكل بهم ووزع قادتها وأتباعها بين السجون والمشانق والمنافي، فإذا بقدر الله ينهي حياته ويجعل كلمة الشرفاء هي العليا، فعبد الناصر مات في ظروف غامضة والسادات مقتولا ومبارك انتهى مخلوعا يُحاكم، كما حارب النظام التونسي الإسلام وقادته، وتدخلت المشيئة الإلهية فأنهت بورقيبة مخلوعا ومذلولا آخر حياته المعذبة وانتهى زين العابدين الانقلابي هاربا بجلده من العدالة، أما الذي جعل نفسه نِدا لله في ليبيا وأضاق الإسلام وأهله وكل الوطنيين المناضلين العذاب والمأساة، فقد جعل الله نهايته من جنس عمله وعلى يد ضحاياه. لازال قدر الله يهيئ ويحصد في طغاة العرب واحدا بعد الآخر. قادة العدالة والتنمية، لقد رأيتم اليوم كيف نصر الله سبحانه المخلصين من عباده وشرفاء الوطن من المناضلين في وطننا العربي الثائر على الطغاة المستبدين، بعد سنوات السجون والتعذيب والاغتيالات والمنافى والاختطاف، فلماذا تراهنون على نظام يستعصي ويأبى التغيير والإصلاح، نظام جاثم على صدر هذا الوطن الغالي ومستهزئ بديننا الحنيف، يجرنا إلى الماضي السحيق والعالم يسير نحو المستقبل؟ فها هو حزب النهضة، الاتجاه الإسلامي سابقا، يفوز في تونس وغدا في مصر وليبيا وسوريا واليمن والجزائر، فماذا تنتظرون؟ إنها آخر فرصة سياسية يمنحكم إياها الشعب المغربي الكريم وآخر محطة لقطار المستقبل ثم سيمر إلى السرعة القصوى بعد مهزلة الانتخابات المقبلة، اسمعوا لبعض أصوات الرشد والبصيرة داخل صفكم من أهل صدق السريرة ورجاحة العقل، لا تقولوا إنكم ستأوون إلى النظام ليعصمكم من الثورة، لأنه لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وأمر الله هم رجاله وسهمه الذين رمى به الطغاة المستبدين اليوم، وسهم الله لا يخطئ، فكونوا سهما من سهام الله ورجالا من رجاله. قادة وقواعد العدالة والتنمية، أتدرون سر فوز حركة النهضة في الانتخابات الحالية وإقبال الشعب عليها، متدينهم وعلمانيهم، لأن قادتها حافظوا على المسافة المطلوبة سياسيا وشرعا من النظام التونسي، خلال قرابة ثلاثة عقود، في عهد المقبور بورقيبة والطاغية الهارب بن علي، وحافَظوا على سيرتهم السياسية النظيفة ودفعوا ثمنا غاليا مقابل ذلك من سجون وتعذيب ومنافي واغتيال، رغم خروج بعض الانتهازيين عن خط الحركة الرسالي خلال سنوات المحن، كما هو شأن بعض الانتهازيين في صفكم الذين يستعجلون المناصب، لمغازلة النظام بدعوى الضرورات تبيح المحظورات والفقه الرجعي القائم على الفهم السطحي لقاعدة درء المفاسد وسياسة التدافع ونظرية التغلب التي ابتدعها علماء بني أمية، كما بقيت "النهضة" قريبة من نبض الشارع والتزمت مطالبه وحقه في الانعتاق والديمقراطية ومقارعة الاستبداد وقضايا المرأة وتحرير الإنسان التونسي من قبضة الطاغية بن علي. لم تسمح حركة "النهضة" للنظام التونسي أن يحولها إلى فزاعة، كما فعل بكم النظام المستبد عندنا، ولم تقبل أن تكون مجرد زينة في المشهد السياسي أو رقما في تحالفات بعيدة عن مقاصد المشروع الإسلامي والوطني التحرري، ولم تتهافت أو تهرول تملقا وتزلفا للنظام ليرضى عنها. لقد فعل بكم النظام المغربي أفاعيل سياسية على مدى شهور النضال والحراك السياسي الجاري بقيادة حركة شباب 20 فبراير المباركة والقوى الإسلامية والوطنية الداعمة لها، ودفع بكم في أتون معارك اجتماعية وسياسية وفقهية ودستورية خسرتم فيها وفاز النظام، خسرتم السند الشعبي واحترامه وأظهركم النظام بأنكم مجرد حزب ذروة سنامه أن يرضى عنه الملك ويتقبل منه تنازلاته اللامتناهية وخدماته الجليلة، ولن يرضى عنكم النظام حتى تتبعوا ملته في الفجور والاستبداد والعمالة للأجنبي والارتماء في أحضان الصهيونية والغرب المقيت. قادة وقواعد العدالة والتنمية، إن المسلك الطبيعي والموقف التاريخي والقرار الصائب لتكونوا شيئا في قدر الله اليوم وغدا هو جعل حزبكم في قلب المعادلة الصعبة التي يتقدمها الإسلاميون والوطنيون الديمقراطيون وأحرار المغرب بقيادة حركة شبابنا العشريني المبارك، وقلب المعادلة في هذه المرحلة السياسية والتاريخية الدقيقة عشية التغيير السياسي الحتمي ببلادنا هو مقاطعة النظام وانتخاباته الباطلة التي ستجرى في 25 نونبر المقبل، والتحرر من لعبته ومناوراته السياسية والالتحاق بإرادة الشعب ومشروع التغيير، التحاق بالأغلبية الرافضة للاستبداد والفساد، أي بالمستقبل. هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.