بعد إعلان الحزب الدستوري الحاكم في تونس عن مشروع التعددية السياسية سنة 1981 بادر أعضاء "الجماعة الإسلامية" إلى عقد مؤتمر أعلنوا فيه عن حلّ الجماعة الإسلامية وتأسيس حركة جديدة باسم حركة "الاتجاه الإسلامي"، وقد تم الإعلان عن الحركة الجديدة بصفة علنية في 6 يونيو 1981 بقيادة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو. وفي بيانها التأسيسي ركزّت حركة "الاتجاه الإسلامي" على ضرورة تحصين الشخصية التونسية من الذوبان في إفرازات التغريب ووضع حدّ لحالة التبعية المطلقة للغرب، وإعادة بعث الإسلام الحضاري ليلعب دوره الكامل في الواقع التونسي المتجذّر في عمق الحضارة الإسلامية، والمساهمة في تأسيس كيان تونسي منسجم كل الانسجام مع حضاريّة الإسلام وإعادة توزيع الثروات توزيعا عادلا. وفي18 يوليوز 1981 ألقت السلطات التونسية القبض على قيادات الحركة ليقدموا في شهر شتنبر للمحاكمة بتهم الانتماء إلى جمعية غير مرخص بها، والنيل من كرامة رئيس الجمهورية، ونشر أنباء كاذبة، وتوزيع منشورات معادية. وقد حكم على الغنوشي ومورو بالسجن لعشر سنوات ولم يفرج عن الأول إلا في غشت 1984. وشهدت منتصف الثمانينات صعودا جديدا للحركة وتناميا للصدامات مع السلطة. وصلت أوجها سنة1987 مع الحكم على الغنوشي بالأشغال الشاقة مدى الحياة، واتهام الحكومة للحركة بالتورط في التفجيرات التي إستهدفت 4 فنادق في الساحل التونسي. ولم تكن هذه وسيلة نظام الرئيس الحبيب بورقيبة مع حركة "الاتجاه الإسلامي" ومؤسسيها فحسب، بل إن لعنة النظام لاحقت الغنوشي ورفاقه حتى بعد الإطاحة الهادئة بحكم الرئيس الحبيب بورقيبة، وعلى الرغم من أنّ راشد الغنوشي بارك حكم الرئيس الجديد زين العابدين بن علي وأعتبر نظامه تجديديّا وضروريا لنهضة تونس وبناء الديموقراطية، إلاّ أنّه جرى اعتقاله مجددا في عهده، ولم يفرج عنه إلى يوم 15 ماي 1988، ورغم أنّ الغنوشي ولدى حلّه لحركة "الاتجاه الإسلامي" وتأسيسه "لحركة النهضة" فضلّ أن لا يكون الإسلام عنوانا لاسم حركته الجديدة إلاّ أنّ الدوائر التونسية ظلت تعتبره ذلك الرجعي الظلامي الخطير على الحداثة والتنوير والتغريب. ورغم أن "حركة النهضة" قامت بتكييف نفسها مع الواقع السياسي الجديد إلاّ أنّها لم تحصل على الترخيص أبدا، وأستمرّ الصدام بينها وبين السلطة. وحاولت أن تدحض عن نفسها كل الشبهات والاتهامات بإصدارها لجريدة الفجر ، إلاّ أنّ السلطة التونسية كانت تصّر على أن الحركة غير شرعية وتعمل على قلب نظام الحكم. راشد الغنوشي ونبذ العنف وإذا كانت السلطة التونسية قد اتهمّت حركة "الاتجاه الإسلامي" بالوقوف وراء أعمال العنف، فإن هذه الأخيرة كانت تدفع عن نفسها كل تلك التهم، بل واتهم الغنوشي آنذاك السلطة التونسية بأنها صانعة العنف ومهندسته الأساسية، وفي هذا السيّاق يقول وفي كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" "إن التغريب في حدّ ذاته هو أبرز و أفدح ألوان العنف الذي تمارسه الدولة، انّه عملية سلخ مجتمع عن أصوله وضميره من أجل ما يسمى بالحداثة، وهي في الحقيقة ديكتاتورية الغرب على شعوبنا من خلال وساطة جماعة التحديث والتغريب على النمط الغربي ". ويكمل الغنوشي الصورة بقوله "إذا أضفنا إلى هذا القمع الاجتماعي والسياسي الرسمي بدافع الغيرة والحسد والخوف من تنامي "الاتجاه الإسلامي" وما تمارسه من عنف ضدّ كل منافسيها السياسيين الذين استطاعت بأساليبها الإرهابية أن تصفيّهم تقريبا وتخرجهم من حلبة الصراع حتى إذا جربّت ذلك مع "الاتجاه الإسلامي" تصدّى لها دفاعا عن الحرية العامة". دولة راشد الغنوشي ويعترف راشد الغنوشي أنّ الثورة الإسلامية في إيران قد أملت عليه أن يجري مراجعات جذرية في طريقة تفعيل عمله السياسي، بل إنّ "الثورة الإسلامية الإيرانية" جعلته يراجع بشكل واسع منطلقاته الفكرية وخططه. وفي كتابه "الحركات الإسلامية في المغرب العربي" أورد الكاتب السوري فايز سارة اعترافا لراشد الغنوشي حين قال: "وقامت الحركة الإسلامية في تونس بمراجعات في الفكر والمنهج أفضت إلى جملة من التوجهات تقوم على تأصيل الحرية والديموقراطية كمدخل لإصلاح المجتمع، مدخل يرسي أساس المواطنة في الدولة، ومشروع الحركة السياسية هو مشروع مجتمع مدني يقوم على التعددية السياسية والثقافية والانتصار للفئات الضعيفة. وفي كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" يقول راشد الغنوشي "إنّ السلطة وظيفة اجتماعية لحراسة الدين والدنيا، والقيمّون على الدولة ليسوا إلاّ موظفين وخدّاما عند الأمة، والسلطة هي مدنيّة على كل وجه لا تختلف عن الديموقراطيات المعاصرة إلاّ من حيث علوية سيادة الشريعة الإسلامية ... أمّا ما تبقى فهو وسائل يؤخذ بها على قدر مساهمتها في تحسين أداء تلك الوظيفة ألا وهي في دحض الظلم وإقامة العدل على مقتضى الشرع الإلهي أي بحسب ما نصّ عليه أو تضمنّه أو بحسب ما لا يخالفه. من المنفى إلى المجلس التأسيسي سمحت الثورة الشعبية في تونس التي أنهت في 14 يناير 2011 حكم الرئيس الهارب زين العابدين بن علي بعودة "حركة النهضة" الإسلامية إلى الواجهة السياسية، بعدما تعرضت لقمع شديد مدة ثلاثة عقود، كما عاد قادتها من المنفى وأطلق آخرون من السجون. نفس الثورة أوصلت حركة الغنوشي إلى السلطة بعد أن فازت ب 90 مقعدا من بين 217 في المجلس التأسيسي، تلك الانتخابات التي لم يترشح لها الغنوشي، كما أعلن أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية. و بعد إعلان فوز حزبه قال زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، "إن الشعب التونسي اثبت من خلال انتخابات 23 أكتوبر انه مصمم «ليس فقط على إسقاط الديكتاتورية، بل أيضا على بناء الديمقراطية»، مضيفا أن الثورة التي لم يصنعها «حزب ولا مجموعة، لم تهدم الدولة التونسية، وإنما نظاما مستبدا، ونحن عازمون على الحفاظ على الدولة». وأضاف "إن حزبه يسعى لإقامة «مؤسسات سياسية تنتخب دوريا انتخابا نزيها". أضاف «يجب ألا نغفل جهاد من ناضلوا من اجل هذه الثورة، وتداولوا على السجون منذ الاستقلال (1956) من قوميين واشتراكيين ونقابيين وليبراليين وشيوعيين».