اولا – إقصاء اتفاقية "سيداو" للهويات الدينية والوطنية: 1- نبذة عن اتفاقية "سيداو" وخطورتها: اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1967 إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة. وفي العام 1972 بدأت لجنة مركز المرأة في الأممالمتحدة استطلاع رأي الدول الأعضاء حول شكل ومضمون صكٍّ دولي بشأن حقوق المرأة الإنسان. وفي العام التالي بدأ فريق عمل عيَّنه المجلسُ الاقتصادي والاجتماعي في الإعداد لمثل هذه الاتفاقية. وفي العام 1974 بدأت اللجنة المعينة في مركز المرأة بصياغة اتفاقية بشأن القضاء على التمييز ضد المرأة، وظلت تعمل لسنوات، إلى أن أنهت إعداد الاتفاقية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1979 ودخلت حيِّز التنفيذ في العام 1981. وتتألف اتفاقية سيداو من ديباجة وثلاثين مادة تتحدث عما سمي بحقوق المرأة والدفاع عنها حتى وإن كان في ذلك تجاوزا للهويات الوطنية والشرائع الدينية. 2- الدول الأطراف في الاتفاقية وموقف الدول العربية والتحفظات: بلغ عدد الدول التي انضمت إلى الاتفاقية 186 دولة كانت أحدثها قطر في 19 أبريل 2009 وتعتبر الولاياتالمتحدة الدولة المتقدمة الوحيدة التي لم تصادق على اتفاقية السيداو إضافة لثماني دول أخرى لم تنضم إليها بالأساس بينها إيران، السودان، الصومال. وقد انضمت إلى هذه الاتفاقية ستة عشر دولة عربية؛ وهذه الدول هي: الأردن، الجزائر، جزر القمر، العراق، الكويت، المغرب، تونس، لبنان، ليبيا، مصر، اليمن، جيبوتي، السعودية، موريتانيا، البحرين، سوريا. وعند مراجعة موقف الدول العربية من الاتفاقية نجد أن العديد منها أبدى تحفظات على بعض المواد، بسبب تعارض المواد المتحفَّظ عليها مع أحكام الشريعة الاسلامية ، ومخالفة هذه المواد لأحكام القوانين الوطنية. 3- لماذا اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تشكّل خطرا على هوية الشعوب؟ لماذا التخوف من هذه الاتفاقية ؟ ولماذا تمتنع كثير من الدول في العالم عن التوقيع عليها ولماذا تتحفظ دول الأخرى على بعض المواد فيها ؟ ان دراسة تفصيلية لبنود هذه الاتفاقية تبرز الهدف الأساسي من وراء وجودها ووجود أمثالها من الاتفاقيات والذي يتمثل في نظام العولمة الجديد الساعي لإبعاد الناس عن دينهم وعقيدتهم وحضارتهم وثقافتهم، وفرض الأنظمة والقوانين العالمية عليهم كبديل وخيار مفروض لايمكن الفرار منه. من هنا يبرز الخطر الأكبر لهذه الاتفاقية، التي هدف واضعوها إلى إلغاء كل التشريعات السماوية واستبدالها بقوانين وضعية تقوم على أهواء أفراد وجماعات، لهذا وتنفيذاً لأهدافهم عمدوا عند صياغة اتفاقياتهم إلى إهمال ذكر الدين ودوره في حياة الفرد، وهذا الأمر يمكن ملاحظته في اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، التي تعتبر الترجمة العملية للمؤتمرات التي عقدت للبحث في شئون المرأة، ويمكن ملاحظة هذا الإهمال للدين في النواحي التالية : 1-الإهمال التام لذكر الله عز وجل، خاصى وأن الأمر يتعلق بالمرأة كمخلوق بشري، في محاولة للإيحاء بعدم وجود من يسيطر على الكون ويدبر أمره، مما يسهل عليها مهمتها في الطلب من الدول تنفيذ التشريعات الدولية التي تسنّها والتي يمكن أن تتعارض مع الدين في حال كان التشريع الديني هو التشريع المعتمد في الدولة، وهذا الإهمال لا يقتصر على لفظ الجلالة فقط بل يمتد إلى كل ما يتعلق بالدين من كلمات وتعابير، حيث يحدث تجاهل تام لذكر كلمات في هذه الاتفاقية : مثل الدين والديني والأخلاقيات والمثل الخ... وحتى عندما تذكر فهي تذكر على أنها ممارسات سلبية تضرّ بحقوق المرأة ويجب العمل على إلغائها، مثال ذلك محاولتها الإيحاء أن قانون الأحوال الشخصية هو الذي يرسّخ ويقنّن تبعية المرأة للرجل في مسائل الزواج والطلاق والسفر والإرث وغير ذلك من الأمور التي تقف حائلاً في طريق تحقيق المساواة المزعومة . 2- الحرب على جميع التشريعات الدينية والقيم الأخلاقية والأعراف الشعبية المتبعة لدى الشعوب منذ نشأته، فدعت الاتفاقية الحكومات إلى عدم وضع الاعتبارات الدينية والتقليدية موضع التنفيذ، وذلك كخطوة أولى قبل فرض العمل على استبدالها بالقوانين الدولية، وهذا ما ورد في المادة ( 2- و ) التي نصت على ما يلي : على الدول "اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة " . ما ورد كان أبرز مخاطر هذه الاتفاقية على الدين، إلا أن في الاتفاقية بنوداً تفصيلية عدة تبين السبل المتبعة في هدم هذا الدين الذي يعتبر التشريع الوحيد لعدد كبير من الشعوب ومنها الشعوب العربية والاسلامية. ثانيا – المغرب يتجه نحو إلغاء هويته الدينية برفع التحفظات عن اتفاقية "سيداو": 1- المغرب بين المصادقة على اتفاقية "سيداو" والتحفظ: انضم المغرب إلى لائحة المصادقين على الاتفاقية عام 1993 مع النص على التحفظات التالية: المادة 2 - تعرب حكومة المملكة المغربية عن استعدادها لتطبيق أحكام هذه المادة بشرط: - ألا تمس متطلبات الدستور التي تنظم قواعد وراثة عرش مملكة المغرب. - ألا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وينبغي الإشارة إلى أن بعض الأحكام التي تتضمنها المدونة المغربية للأحوال الشخصية والتي تعطي المرأة حقوقا تختلف عن الحقوق الممنوحة للرجل لا يجوز انتهاكها أو إلغاؤها لأنها مستمدة في المقام الأول من الشريعة الإسلامية التي تسعى، من بين أغراضها الأخرى، إلى تحقيق توازن بين الزوجين بغية الحفاظ على تماسك الحياة العائلية. الفقرة 4 من المادة 15 - تعلن حكومة المملكة المغربية أنها لا تستطيع الالتزام بأحكام هذه الفقرة، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق المرأة في اختيار مكان الإقامة ومحل السكن، إلا بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع المادتين 34 و 36 من المدونة المغربية للأحوال الشخصية. الفقرة 2 من المادة 9 - تبدي حكومة المملكة المغربية تحفظا بشأن هذه المادة بالنظر إلى أن قانون الجنسية المغربي لا يسمح للطفل بحمل جنسية أمه إلا إذا ولد لوالد مجهول، بصرف النظر عن مكان الولادة، أو لوالد عديم الجنسية، حين يولد في المغرب، والهدف من ذلك ضمان حق الطفل في حمل جنسية، وفضلا عن ذلك، يمكن للولد المولود في المغرب لأم مغربية وأب أجنبي أن يكتسب جنسية أمه بأن يعلن، خلال سنتين من بلوغه سن الرشد، رغبته في اكتساب تلك الجنسية، شرط أن تكون إقامته المنتظمة والمعتادة، لدى إصداره هذا الإعلان، في المغرب. المادة 16 - تبدي حكومة المملكة المغربية تحفظا بشأن أحكام هذه المادة، وخاصة تلك المتعلقة بتساوي الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بعقد الزواج وفسخه. فالمساواة من هذا النوع تتنافى مع الشريعة الإسلامية التي تكفل لكل من الزوجين حقوقا ومسؤوليات ضمن إطار التوازن والتكامل بغية الحفاظ على رباط الزوجية المقدس. إن أحكام الشريعة الإسلامية تلزم الزوج بتقديم مهر عند الزواج وبإعالة أسرته في حين لا يطلب من الزوجة قانونا إعالة أسرتها. وعلاوة على ذلك، يلزم الزوج بدفع النفقة عند فسخ الزواج. وعلى العكس من ذلك، تتمتع الزوجة بالحرية التامة في التصرف بمالها أثناء الزواج وعند فسخه بدون إشراف الزوج، بحيث لا تكون للزوج ولاية على مال زوجته. لهذه الأسباب لا تمنح الشريعة الإسلامية حق الطلاق للمرأة إلا بقرار من القاضي الشرعي. 2- الخطوة السرية الإقصائية وغيرالديموقراطية للمغرب لرفع تحفظاته: لقد أقدمت الحكومة المغربية على توجيه رسالة سرية إلى الأمين العام للأمم المتحدة،في 18 أبريل 2011 تعلمه فيها أنها قد رفعت تحفظات المغرب التي قيد بها مصادقته على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حيث نشرت الكتابة العامة لهيئة الأممالمتحدة في الصفحة 43 من قائمتها الشهرية (أبريل 2011م) من النص الفرنسي خبر الرفع الجزئي للتحفظات المغربية على الاتفاقية المذكورة، مع التأكيد على أن المغرب أبقى على تحفظاته بخصوص المادة 2، والفقرة الرابعة من المادة 15، وكذا الفقرة الأولى من المادة 29، دون ذكر بقاء تحفظاته على الفقرة الثانية من المادة 9، وعلى كامل المادة 16. ثم نشرت الجريدة الرسمية بالمغرب في عددها: 5974 الصادر بتاريخ: 1/9/2011؛ خبر رفع تحفظ الحكومة على المادة 16. والغريب أن الحكومة لم تستشر البرلمان في موافقته التشريعية على رفع التحفظات أم لا قبل التوجه الى الاممالمتحدة ، بحيث أن الحكومة راسلت الاممالمتحدة في عهد الدستور القديم وفي سرية تامة (18 ابريل 2011) ، في حين أن الدستور الجديد أعطى للبرلمان صلاحية المصادقة ( أو عدم المصادقة) على جميع الاتفاقيات الدولية ( بينما الدستور السابق كان لا يمنح للبرلمان هذه الصلاحية إلا بالنسبة للاتفاقيات التي لها تداعيات مالية)،أي أنها استعملت مقتضيات الدستور القديم في سرية تامة قبل أن يدخل الدستور الجديد حيز التنفيذ وتركت النشر في الجريدة الرسمية لما بعد التصويت على الدستور الجديد بمعنى أن المبادرة إقصائية وغير ديموقراطية، وكل ذلك من أجل رفع التحفظات على اتفاقية دولية للنساء تعارض الكثير من أحكام الشرع فيما يتعلق بعدم تساوي الرجل والمرأة في الإرث ، وتحريم زواج المسلمة بغير المسلم، ومنع التبني،..وهو معناه الاتجاه نحو القفز على الهوية الدينية لحساب أهواء منتقديها ،وهذا فيه خطورة على حاضر ومستقبل الأجيال الصاعدة بهذا البلد. خاتمة : إن الحكومة المغربية ليست مخولة الآن بأن ترفع تحفظات على شيء يتعلق بالجانب الشرعي، وأنه طبقا لقواعد الدستور المغربي الجديد، فإن هذه المسألة المرتبطة بالدين تظل من اختصاص المجلس العلمي الأعلى، وكل إجراء مخالف لصلاحياته فهو غير دستوري. باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية