يلومني الكثير من أصدقائي و معارفي كل مرة بعد أن ينهو قراءة واحدة من كتاباتي، دافعهم في ذلك واحد، أن كتاباتي زيادة على طابعها " العدمي " سوداوية و تيئيسية، لا تنقل الواقع كما هو و إن نقلته فهي لا تنقل منه إلا الجانب المظلم، و كثيرا ما حاججتهم في ذلك، مؤكدا أنه طالما كان هناك جانب مظلم سأكتب عنه، و ليبحثوا عن شخص آخر ليكتب عن الجانب المشرق، و كنت أنصحهم إن كانوا بالفعل ساعين لخوض حرب أن يعلنوها على ما يأثت الظلام الذي سكن أركان وطننا، عوض أن يضيعوا وقتهم في إنتقاد سطوري. اليوم، عندي سؤال أوجهه لهم،سؤال مباشر، لن ألف و أدور كثيرا حوله و سأنطلق في النقاش مباشرة و دون مقدمات، من المسؤول عن أولئك الشباب الذين يحرقون أنفسهم هنا و هناك ؟ من جعلهم ييأسون من العيش حد ارتكاب هذا الفعل الذي تأباه النفس السوية ؟ هل كتاباتي هي من جعلتهم يرون العالم حولهم بالأسود ؟ أشك في كون الرد سيكون بالإيجاب، فإحراق النفس ليس وليد العصر. هو ظاهرة قديمة قدم الزمان، ليس كل من أحرق نفسه شخصا جاهلا، و يستحق النار لفعله و انتهت الحكاية، هذه النظرة السطحية للشيء تصلح للضعفاء، الذين يخشون مواجهة الحقيقة، و طرح الأسئلة الحقيقية، لمعرفة لما أحرق فلان أو علان نفسه. إن إحراق الذات، لمن يشاهدون أخباره على شاشات حواسيبهم من أولئك الذين " عطاو الراحة لراسهم " يعد من أتفه الأمور، و يحسبون من أقدم عليه مستحقا للموت، لأنه لم يحسن استغلال نعمة الحياة التي يمتلكها. وددنا لو جعلناهم يعيشون يوما في جلدة فلان أو فلانة ممن أحرقوا أنفسهم من قبل، ليمتعونا بدروسهم عن السيكولوجيا و علم النفس التي صار الكل يحفظ عنها كلمتين أو ثلاث بفضل الحاج كوكل. جان بلاش طالب تشيكوسلوفاكي أحرق نفسه، ليس لأن البلدية أخذت عربته، ليس لأن شرطية صفعته، لكنه أحرق نفسه لأن بلده احتل، لأنه فقد حريته، لأنه فقد عزة نفسه، و هو يرمق دبابات الجيش الأحمر السوفيتي تخترق شوارع براك العاصمة. جان بلاش Jan Palach حالة واحدة من حالات يزخر بها تاريخ البشرية و يزخر بها حاضرها، لست هنا أمجد حرق النفس، بل أنا أبحث عن السبب الحقيقي الذي يجعل المرء يفقد إنسانيته، ليختصر نفسه في جسد ثقيل وجب حرقه، إنها الحكرة التي أحس بها جان و هو يرى علم السوفيات في حيه، تلك الحكرة التي يعيشها المغاربة، في ظل سياسة المخزن التي قسمت الشعب إلى أصحاب حقوق و أصحاب واجبات، تلك الحكرة التي وصلت أحيانا أن تسلب من الشخص إنسانيته، فتساويه بالحيوانات. فغمست الإنسان المغربي في جهل ما بعده جهل، حتى صار يجهل ما معنى كونه إنسان، ليس المطلوب منه إحراق نفسه في أول عقبة و لكن المطلوب منه العيش و الجد و العمل و العطاء، و الأمل في غد أفضل، و هنا الطامة، ففي المغرب حتى الآمال و الأحلام صودرت، فلدى المغاربة قناعة جماعية أتحدى أي شخص كيفما كان، أن يقول لي أنه لا يمتلكها، و هي كونه سيبقى دائما و مهما طال الزمن مواطنا من الدرجة الثانية في مقابل أصحاب المعالي و المناصب، و لن يأتي يوم، تشرق شمسه، لتجد " الكتاف تكادو " و صار بن*** كأي مواطن من أبناء هذا المغرب الحبيب. هذا هو الخطر المحدق بالمغرب، هو هذا الجهل الجماعي، الذي اختزل الأمل عند البعض في التأمل في الضفة الأخرى لجبل طارق، جاعلا من المغاربة جنسا محتقرا، حتى من المغربي نفسه، " تفو على مغاربة "، و بطبيعة الحال عندما يحتقر المرأ نفسه، فإن الانتحار يبدو أسهل حل لإنهاء المعاناة. حتى الآن، ما زال لأصدقائي علي قول، فكل ما سبق لا يمكن أن نقول عنه أنه مبهج أو يدخل السرور إلى قلب القارئ، لكني اليوم سأغير النبرة، و أوجه رسالة، لكل من ظن أن إنسانيته فقدت، أنه حكم عليه أن يظل مواطنا من الدرجة الثانية إلى الأبد، إلى كل من ملوا من سماع عبارة " تا مالك نتا هو ... " أو " وش معرفتينيش أنا شكون ؟" التي صارت تحكم موازين العدل في محاكمنا، إلى كل أولئك أقول اليوم، لقد انتهى عهد المخزن و ولى، شاء أم أبى، لكننا نحتاجكم جميعا بجانبنا. أنت إنسان، بحياتك تستطيع أن تعطي أكثر مما تظن، خدعوك فقالوا أنك نكرة و أن ابن فلان هو الذي بيده كل شيء و هو على كل شيء قدير. لا تستسلم، قل لا و تمسك بها، و سنقول كلنا لا، فلا تحرق نفسك، وفر بنزينك، فإننا سنحرق المخزن جميعا، سنحرقه بالنور و ليس بالنار.