اتجاه إلى إعداد مشروع قانون مالي مؤقت يعرض على البرلمان في دورة أكتوبر. المشروع الذي تم سحبه تضمن إحداث صندوق للتضامن الاجتماعي، وخلق 26 ألف منصب شغل في القطاع العام. عباس الفاسي يلجأ إلى إصدار مرسوم لسحب القانون بدل من خطاب مكتوب، حتى لا يلزم نفسه بتبرير قراره. جهات عليا تدخلت لحذف الضريبة على الشركات والأغنياء. علي أنوزلا ينعقد يوم الأربعاء 28 سبتمبر اجتماع لمجلس الحكومة برآسة رئيس الوزراء عباس الفاسي، ويوجد على رأس جدول أعمال هذا الاجتماع مناقشة كيفية تدبير المشكل الذي أثاره سحب الحكومة لمشروع قانون المالية بطريقة فجائية الأسبوع الماضي، حيث أكدت مصادر موثوقة لموقع "لكم"، أنه يرتقب أن يصدر عن هذا الاجتماع مرسوم لسحب مشروع الميزانية من البرلمان. وبحسب المصدر، فإن المرسوم سينص حرفيا على "حذف مشروع القانون المالي من المناقشة أمام البرلمان". ويرى مصدر من المعارضة تحدث إلى الموقع أن لجوء رئيس الحكومة إلى إصدار مرسوم بدلا من كتابة رسالة لسحب المشروع فيه "نوع من التحايل على القانون"، حسب نفس المصدر، بما أن السحب يجب أن يكون بخطاب مكتوب صادر عن رئيس الحكومة يبرر فيه أسباب السحب. وقال نفس المصدر إن سحب المشروع تم بشكل غير دستوري، بما أنه تم سحبه بمجرد مكالمة هاتفية، وبالتالي فإن مشروع القانون يعتبر موضوعا قانونيا أمام البرلمان رغم أنه ماديا أصبح غير موجود بمقره. وبرر المصدر الوجود القانوني للمشروع بالرلمان بوجود خطاب موقع من قبل رئيس الحكومة يقر فيه بتسليم المشروع إلى البرلمان قبل سحبه. وأوضح المصدر أن عباس الفاسي وضع نفسه في ورطة كبيرة، والآن يبحث عن مخرج منها يجنبه التضارب الذي صاحب عرض مشروع القانون على البرلمان. وأشار المصدر إلى وجود تخبط كبير داخل الحكومة في التعامل مع مشروع قانون المالية منذ البداية، فقد صدر مرسوم عن رئيس الحكومة يطلب عقد دورة استثنائية من البرلمان، وحدد لها جدول أعمالها حسب ما يقتضيه الدستور، ولم يكن من بين نقط جدول الأعمال مناقشة مشروع المالية، وبعد فترة قصيرة صدر مرسوم ثان عن رئيس الحكومة يضيف إلى جدول أعمال الدورة الاستثنائية مناقشة مشروع المالية، ويرتقب أن يصدر يوم الأربعاء مرسوم ثالث يحذف مناقشة هذا المشروع من جدول أعمال الدورة الحالية للبرلمان. ووصف المصدر ما يحدث بأنه عبث، وطالب باستقالة الحكومة ورئيسها. مشروع قانون مالي جديد من جهة أخرى علم من مصادر حكومية أن اللجنة التي شكلها عباس الفاسي لإيجاد مخرج للإشكال الذي وضعت الحكومة نفسها فيه عقب قراراها المفاجئ سحب مشروع قانون المالية، تتجه إلى تكليف وزير المالية صلاح الدين مزوار بإعادة صياغة مشروع قانون مالي جديد، يعرض على البرلمان في دورته العادية حسب ما يقتضيه القانون في 23 أكتوبر المقبل. وأسرت المصادر التي تحدثت إلى الموقع أن المشروع الجديد، سيكون مقلصا بعد أن يتم سحب عدة إجراءات من المشروع الذي تم سحبه، وذلك أخذا بعين الاعتبار أن المشروع الجديد سيكون مؤقتا في انتظار انتخاب برلمان جديد وانبثاق حكومة جديدة من صلبه. لكن ذات المصادر علقت بأن المدة الزمنية الفاصلة ما بين وضع مشروع القانون الجديد أمام البرلمان في 23 أكتوبر المقبل وانتخاب برلمان جديد في 25 نوفمبر المقبل، لن تكون كافية للمصادقة عليه مما يعني ترحيله أتوماتيكيا إلى البرلمان والحكومة المقبلين، وهو ما يتناقض مع تبريرات الحكومة التي تقول بأن سحب مشروع القانون الحالي من أمام البرلمان جاء بوعي من الحكومة الحالية حتى لا تكبل الحكومة المقبلة بقانون مالي ليس من وضعها ! كواليس السحب حاول موقع "لكم" تحري ماجرى داخل كواليس الحكومة حتى أقدمت على القرار الذي خلق أزمة عميقة بين البرلمان والسلطة التنفيذية، ففي يوم الثلاثاء 20 سبتمبر دعا رئيس الحكومة إلى اجتماع استثنائي لمجلس الحكومة، تمت خلاله المصادقة على مشروع قانون المالية، وتوافق الجميع على إحالته على البرلمان لمناقشته في دورته الاستثنائية المنعقدة، وبالفعل صدر مرسوم بتوقيع رئيس الحكومة يدرج مناقشة مشروع القانون ضمن جدول أعمال الدورة البرلمانية الاستثنائية، وصباح يوم الأربعاء وقع عباس الفاسي خطاب التسليم إلى البرلمان وتحت إشراف الأمانة العامة للحكومة قام موظفو وزارة الداخلية بشحن نسخ المشروع ونقلها إلى البرلمان، وبعد مرور ربع ساعة فقط من عملية التسليم تم سحب المشروع بناء على اتصال هاتفي من الأمانة العامة للحكومة، ودون إخطار وزارة المالية أو الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان. ولتبرير هذا القرار المفاجئ وجدت رآسة الحكومة نفسها في ورطة كبيرة، فقامت في البداية بتبرير قرارها بكون جدول أعمال الدورة الاستثنائية مكثف ولا يسمح بمناقشة مشروع قانون المالية، حسب ما صرح بذلك خالد الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، وهو ما فصلته جريدة "العلم" الناطقة باسم حزب الاستقلال في اليوم الموالي عندما عنونت افتتاحيتها بكون أولوية الانتخابات تسبق مشروع قانون المالية. ولاحتواء أي انشقاق داخل جسم الحكومة لجأ عباس الفاسي إلى تشكيل لجنة مكونة منه هو شخصيا ومن صلاح الدين مزوار وزير المالية، وإدريس الضحاك الأمين العام للحكومة، وإدريس لشكر الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان بالإضافة إلى الوزير بدون حقيبة محند العنصر. ومنذ البداية تم الاتفاق على أن قرارات هذه اللجنة ستكون إلزامية. وحسب المعلومات التي حصل عليها الموقع، فإن اللجنة أقنعت وزير المالية بإعادة صياغة مشروع قانون جديد يحذف من المشروع المسحوب عدة إجراءات ذات طبيعة اجتماعية، وقد وافق الوزير شرط أن يتم الإعلان عن ذلك في جلسة علنية للبرلمان، ويقال بأن رئيس الحكومة عباس الفاسي هو الذي أمر بحذف تلك الإجراءات. فما هي هذه الإجراءات؟ خلفيات السحب المفاجئ سئل موقع "لكم" أكثر من مصدر من داخل الحكومة ومن داخل البرلمان من المعارضة والأغلبية، وحسب المعلومات المتطابقة التي حصل عليها، فإن مشروع القانون المسحوب، والذي أتيح للموقع الإطلاع على نسخة منه، كان يتضمن إجراءات ذات طبيعة اجتماعية من قبيل إحداث صندوق للتضامن الإجتماعي بقيمة ملياري درهم يخصص لتعميم التغطية الصحية على الفقراء ولتدريس أبناء العالم القروي. وقد تم تحديد مصادر تمويل اعتمادات هذا الصندوق في أربعة مصادر. المصدر هو الأبناك التي حدد ما ستدفعه سنويا وتضامنا فيما بينها هو 450 مليون درهم. تليها شركات التأمين التي حددت مساهمتها في 150 مليون درهم على مدى ثلاث سنوات بمعدل 50 مليون درهم سنويا. ومصدر التمويل الثالث هو شركات الاتصالات التي حددت نسبة مساهمتها في ضريبة تعادل 1 في المائة على أرباحها السنوية. وتم اشتراط على المصادر الثلاثة أن لا تكون لمساهماتهم هذه أية انعكاسات على الخدمات أو المستهلكين. أما المصدر الرابع الذي أثار الجدل فهو فرض ضريبة على الاستهلاك العالي للكهرباء على أن لا يتجاوز سقف هذه الضريبة 200 درهم بالنسبة للأسر (أي الأسر التي يتعدى استهلاكها الشهري من الكهرباء 400 كيلوات، أي ما يعادل 1000 درهم شهريا، ويمثل عدد هذه الأسر 4 في المائة من مجموع الأسر المغربية)، بالإضافة طبعا إلى فرض نفس الضريبة على استهلاك الشركات والمصانع. بالإضافة إلى فرض ضريبة على رسوم السيارات الفارهة وتلك التي تفوق قوتها 8 أحصنة. وحسب مصادر من داخل الحكومة فإن هذه الضريبة هي التي وصفت في الصحافة ب"الضريبة على الثروة"، ولم يستبعد نفس المصدر أن تكون لوبيات قوية قد تحركت بسرعة في الإعلام وداخل أجهزة الدولة للضغط على الحكومة للتراجع عن مثل هذه التدابير ذات الطبيعة الاجتماعية، وهو ما خضع له عباس الفاسي في النهاية وأمر وزيره في المالية بسحبها من مشروع قانون المالية الذي سيعرض على البرلمان في دورته العادية المقبلة. إلا أن عباس الفاسي، ومن خلال صحافة حزبه وبعض الصحف التي تدافع عن أصحاب رؤوس الأموال حاول تقديم ما حصل على أن وزيره في المالية هو الذي قام بسحب هذه الإجراءات من مشروع قانون المالية المسحوب، ولذلك تحدثت مصادر محسوبة على رآسة الحكومة عن استرداد وثائق وليس عن سحب مشروع قانون. على أساس أن الوثائق المسحوبة ليست هي النسخة الرسمية لمشروع قانون المالية الذي صادق عليه مجلس الحكومة. وتم تحميل وزير المالية مسؤولية تغيير بنود في المشروع الأصلي. لكن مصادر مقربة من صلاح الدين مزوار قالت للموقع إن مجلس الحكومة صادق على مشروع القانون يوم الثلاثاء فهل يعقل أن يتم تغييره وطبعه في ظرف 24 ساعة ليقدم إلى البرلمان يوم الأربعاء؟ وهل يعقل أن الوزير الأول انتبه في ظرف ربع ساعة، وهي المدة التي إستغرقها وضع المشروع أمام البرلمان، إلى أن المشروع المودع في البرلمان ليس هو نفسه الذي تمت المصادقة عليه داخل مجلس الحكومة ليقرر سحبه فورا؟ حسابات سياسية من خلال استقراء آراء المصادر التي تحدث إليها الموقع، يمكن استنتاج أن حسابات سياسية تتعلق بالانتخابات المقبلة هي التي تحكمت في تدبير هذا الملف على خلفية التنافس القائم بين حزبي "الاستقلال" حزب عباس الفاسي، و"التجمع الوطني للأحرار" الذي يرأسه صلاح الدين مزوار، والذي لم يشفع له الاستقلاليون إبرام تحالف انتخابي مسبق مع حزب "الأصالة والمعاصرة" المحسوب على المعارضة، والذي لا يخفي صراعه مع حزب الاستقلال. وحسب قراءة مصادر مقربة من حزب الاستقلال فإن حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي رفع المتظاهرون صور رموزه في المظاهرات التي مازال يشهدها المغرب لمطالبتهم بالرحيل، يسعى إلى الدفع بحزب مزوار من أجل رآسة الحكومة المقبلة بالنيابة عنه، وبما أن مشروع قانون المالية المسحوب تضمن عدة إجراءات ذات طبيعة اجتماعية من قبيل إحداث صندوق للتضامن الاجتماعي، وإحداث 26 ألف منصب للشغل في القطاع العام، وإحداث صندوق لدعم المقاولات التي تساهم في خلق مناصب شغل جديدة، وزيادة ملياري درهم في ميزانية التعليم، فإن الإستقلاليين رؤوا في تمرير هذا المشروع أمام البرلمان الحالي مثل "هدية" انتخابية تقدم إلى صلاح الدين مزوار على "طبق من ذهب". لذلك سارعوا إلى "تخريب الحفل" ولتسقط بعد ذلك "علي وعلى أعدائي" كما قال شمسون، حسب تعبير مصدر مستقل. لذلك يقول مقربون من مزوار إن المستهدف من وراء قرار عباس الفاسي بسحب مشروع قانون مالية ذا طبيعة اجتماعية وتعويضه بقانون مالي مؤقت، هو وزير ماليته، فهو لايريد فقط أن يغرقه في تفاصيل مناقشة مشروع القانون إبان فترة الحملة الانتخابية وإنما أيضا تحميله مسؤولية النقد أمام البرلمان، وربما الفشل في تمرير مشروع قانون بدون لمسات اجتماعية. مصادر من وزارة المالية أسرت لموقع "لكم" بأن مشروع القانون المالي المسحوب، وعكس ما جاء في بعض الصحف، حاول الحفاظ على التوازنات الكبرى لميزانية الدولة من قبيل رفع مداخيلها إلى 306 مليار درهم، وحصر مصاريفها في 328 مليار درهم، وضبط العجز في 22 مليار درهم أي ما يعادل نسبة تقدر بأقل من 4 في المائة، مع توقع نسبة نمو في حدود 4.8 في المائة نهاية عام 2012. ما خفي أعظم ما لم تكشف عنه المصادر المتعددة التي تحدثت إلى موقع "لكم" استنتجه محلل سياسي، قال للموقع إن قرار سحب مشروع القانون لايمكن أن يكون قرارا فرديا صادر عن عباس الفاسي، ولم يستبعد ذات المصدر أن يكون القرار صادر من جهات عليا استجابة لضغط أوساط المال والأعمال والأبناك والشركات، وبعضها مملوك لهولدينع الملكي (إس إن إي)، بالإضافة إلى الفئات الغنية المستهدفة بالإجراءات الضريبية التي كان يتضمنها مشروع القانون الذي تم سحبه. --- تعليق الصورة: مجلس للحكومة برآسة عباس الفاسي