تتحدث بعض الأخبار السرية ، عن حالة استنفار قصوى تعيشها جميع الغابات ، بعد النداء المستعجل الذي أصدره ملك الحيوانات السيد الأسد ، من أجل عقد اجتماع طارئ ، بغية الإحتجاج على ما يفعله المدعو بشار الأسد ، من تلويث وتمريغ في الوحل لصفة الإستئساد. فالأسد الحيوان ، شجاع جدا. وبشار الأسد ، جبان بما يكفي . يكشف الأسد الحيوان ، عن أسمى درجات الوفاء بهدف حماية محيطه ، دونما أن تكون شراسته مكروخبث ثعلب . أما بشار الأسد ، فقد استقوى بموقعه ، كي يبطش بمن هم تحت سلطته . الأسد الحيوان ، صاحب إباء وكرامة وعفة ، لا يقبل قطعا على نفسه ، أن يُفرض هكذا على جماعة ترفضه، متوخيا تبوأ مقعد الزعامة عن جدارة واستحقاق ، بما يطويه من خصال مقارنة مع باقي الجماعة ، بمعنى الطبيعة انتقته بعدالة حسب قوانينها الانتخابية . في حين بشار الأسد ، لم يميزه شيء خارق قياسا لباقي السوريين، اللهم كونه ابن حافظ الأسد ، لذلك جاز أن يهدى له كرسي الحكم بطريقة رخيصة ، جائرة، ضربت عرض الحائط جميع القوانين والأعراف ومواثيق الشرف ، حينما أتى به الحرس القديم من لندن على وجه السرعة ، وتحويله إلى تمثال ينضاف إلى باقي تماثيل أبيه التي كانت تنمو في سوريا ، أكثر من سنابل القمح. فصار ، فجأة زعيما شاملا مانعا ، تتدفق الحكمة والرؤية الرصينة ، شلالات ، من ينابيع عبقريته الأريبة وتبصره الاستثنائي . الأسد الحيوان ، يترفع عن صغائر الأمور ، ويريدها فقط كبيرة ، فتراه يتقزز من الجثت الميتة . لكن، بشار الأسد، تراه يتمتع بالجيف منذ أن استصغر شعبه المسالم ، المجرد كليا من السلاح ، ويتباهى بالنط فوق أجساد ذبحت غدرا، برصاص ادخر السوريون ثمنه من قوتهم اليومي، لعقود طويلة في انتظار تحرير الأراضي العربية ، والقضاء على الرجعية، إلخ . بالتالي، كان أولى بذخيرته أن تفرغ في صدر المعتدي الإسرائيلي، أو مفسدي الداخل الذين قد يتحالفون مع وحيد القرن ، من أجل دك السوريين دكا، والإبقاء على مصالح يغلفونها مرة بالإيديولوجية ( البعث ، القومية ، الأمة ... ) و تارة أخرى العقيدة ( آل البيت .. ) ، أو الثورة( جبهة الصمود و التحدي ... ) . الأسد الحيوان ، كائن محترم ، نيته بيضاء ، يواجه بشراسة الأعداء، بغير أن يمس بسوء عرينه . أما بشار الأسد ، فقد ورث بدهاء، خطابا شعاراتيا ، مضمونه بلا مقابل على أرض الواقع، عنوانه الثورة الدائمة لاسترجاع الأراضي المحتلة، وبقيت الأجيال تترقب دون جدوى . اشتهر، الجنرال ضياء الحق بقولته، أن الشعب الباكستاني مستعد لأكل العشب في سبيل إتمام المشروع النووي، وبالفعل استطاع الفيزيائيون الباكستانيون، بعد كل التضحيات إدخال بلدهم إلى المعادلة الدولية . خلال نفس الفترة دأب حافظ الأسد ، على شحن آذان السوريين والقوميين العرب بمقولة البرغماتية السياسية ، فكان تقتيل الفلسطينيين غير الموالين ، والقضاء على شوكة العراق بالتحالف مع أمريكا والخليج النفطي، مقابل حفنة دولارات. عقيدة، تحولت معها سوريا إلى مقصلة ضخمة تبتر عليها كل آن الرؤوس الساخنة، التي تحاول بوجه من الوجوه مد أرنبة أنفها نحو مطبخ السياسة. غير أنه، من بين أخطر الوثائق التي تطايرت حاليا في الهواء، بفعل قوة أنفاس الجماهير المنتفضة، أن آل الأسد، لا مصلحة لهم في إنهاء مسرحية الأرض، مادام التحرير مدخل ونتيجة للديمقراطية، وديمومة تلك العائلة وأمثالها يتناقض عضويا وبنيويا مع قيام الدولة المؤسساتية. إجمالا بعد السجال والنقاش وبيانات الإحتجاج، قررت الحيوانات أخيرا، سحب صفة الأسد عن بشار، والإكتفاء له تجاوزا بالضبع. فقد أبان عقله السياسي عن تواضع فظيع، جعله قاصرا عن استيعاب وفهم طموحات السوريين، من تم فردود فعله وزبانيته البلهاء، لن تغرقه بالتأكيد إلا في مزيد من جحيم اللعنة. أما إذا ارتأينا، أن نشفق على حال الضبع من تهمة بشار، فربما تتجه أبصارنا نحو المسكينة الزرافة، لتشابه في السمت، ولشهرتها بالجبن عند المواجهة. هكذا يقبع بشار بين جدران قصره، يتلصص مثلا على لفيف من جنوده، وقد استفردوا بمواطن أعزل وهم يضربونه ضربا مبرحا، ويقذفونه بوابل من الصفع والشتم وتجريب مختلف حركات الكاراتيه ، لا لشيء إلا رفضه الهتاف باسم زعيم من ورق ، واستبداله بقدسية الوطن وخلوده، موقف يعكس قمة الإجرام. فماذا سيؤاخذون المرة المقبلة في خطبهم البيزنطية على العسكر الإسرائيلي، حينما سيتفنن بدوره في تهشيم عظام الفلسطينين؟. حسب تخميني المتواضع، وبالرغم من كل الأوصاف التي تتوخى أسطرة بشار على بساط الريح (القائد، الموحد، الرجل الخارق) وخاصة أسد، فلا أظنه بقادر على تحمل نصف لطمة دون أن تخونه قواه ويخر مستجديا. في إطار السياق الحيواني دائما، تردد جمجمتي حتى اللحظة صدى، صورة خرجت عفوية من فم أحد الأشخاص، يزمجر غضبا جراء التخادل العربي لمواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982 قال صاحبنا : "المفارقة أننا نتوفر على الفهود ( فهد بن العزيز ) والأسود ( حافظ الأسد ) والنمور ( جعفر النميري ) ، مع ذلك انظروا إلى حياتنا، إنها جملة إهانات". مما يطرح مجددا سؤال العلاقة الماهوية بين النسخة والأيقونة،الدال والمدلول، وقد لعبت ميتافيزيقا الإسم دورا مفصليا بخصوص بعض الأدبيات المرتبطة بالأنظمة العربية، فكان الناس يقيسون ممارسات الرئيس على ضوء إيحاءات اسمه . ما إن نلقي نظرة خاطفة على الإشارات السيرية لبشار، حتى يبرز بجلاء الدحض الكلي ، للمعادلة المضللة التي رددها أنصار التوريث، والذين ظلوا ينمقون فرية مفادها، ضرورة التمييز بين القادة الآباء الصقور، الذين لم يتنسموا قط نسائم الحرية في الغرب، ولم يطرقوا أبواب جامعاته، ولم يتمثلوا قبل قصورهم وعشيقاتهم، غير أفق أقبية التكنات والذبابات، فاتصفوا عموما بالغلظة والصلافة و الصلابة والخشونة. ثم، أولياء العهد الشباب، وهم على العكس من السابقين، درسوا وتعلموا وارتقت آدميتهم داخل محراب العلم، وبين صفحات الكتب، لذلك سيقبلون على السلطة بقلب سليم. حتما إذن، لن يقبل بشار على نفسه، كوميديا أسد وهمي، وسيكون مرهف الحس وفاء لروح الطبيب التي يفترض، بأنها تسكنه. وجمال مبارك الاقتصادي، يتأبط مشاريع دولة عصرية، يحكمها وازع العقل واقتلاع لجذور عصابات المافيات. ثم سيف الإسلام، الذي أخبرتنا تقاريره منذ اشتعال شرارة نجمه ، بأنه "مبرز" في الثقافة الأنجلوساكسونية و لن يكون سوى برناردشو الليبيين، الذي سيحمل على أكتافه بنيان الحاضرة الحكيمة. لكن ما إن سقطت آخر أوراق التوت، حتى تلمس الجميع بأن الأبناء والآباء من نفس جينة الجنون والعته . وإذا كان بشار، على وشك إتمام نموذج الإنحطاط بتفوق، فلا شك أن وغدا حقيرا كسيف الإسلام، لو قدر النجاح لسيناريو القذافي، فأعتقد وقتها أن الحمير، هي التي ستنتفض دفاعا عن ما تبقى من كرامة للكرة الأرضية. أما جمال، فقد سبق لأحد أساتذته، أن صرح في حقه بما يلي : " أخونا ذا، لا يملك حتى موهبة إدارة شؤون بنك صغيرة، فما بالك ببلد كمصر" . وللإنصاف، استمعت للإعتراف على قناة الجزيرة، وحسني مبارك مازال ماسكا بزمام السلطة، تأريخ يمنح الشهادة قيمتها التاريخية والأخلاقية . هكذا يتبجح بشار ويتشدق، بأنه الأمين القطري لحزب البعث العربي، المتشبع منذ نعومة أظافره بمرجعيات فكر البعث ( طبعا البعث، كما اشتغل عند هؤلاء القتلة، يلغي كليا البناء النظري والفكري الذي تركه مؤسسو الحزب ومنظريه كميشيل عفلق، قسطنطين زريق، ساطع الحصيري... ، كي يأخذ مسارا عسكرتاريا دمويا، فترك الإجتهاد المعرفي مكانه للمشانق ). تخرج سنة 1988 طبيبا من جامعة دمشق، ثم توجه إلى بريطانيا قصد التخصص في طب العيون. بعد عودته، انتخب رئيسا لمجلس إدارة الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، بهدف نشر الوعي المعلوماتي، وتفعيل شبكة الأنترنيت على امتداد البلد، وتعليم الحاسوب، فأتاح بذلك الفرصة أمام عدد من السوريين كي يستلهموا روح العصر. كما اهتم الأسد الصغير، إلى جانب حقلي الطب والتقنيات المعاصرة بالعلوم والفلسفة وعلم النفس والاجتماع. رجل حضاري، يعتمد المنهجية العلمية. شعاره : " أنا جاهز لما يطلبه الناس مني ". بالإجماع نطلب منك شيئا واحدا، أن تحزم حقائبك بدون قيد أو شرط، وتلتحق بالراحلين كي تستقبل بصحبتهم من سيلحق بك، لحظتها ستكون سوريا أكثر انسجاما مع حضارتها وثقافتها وجمالها .لا أظن بأن رجلا، يمتلك وجدانا يتفاعل مع تلك المعارف، يمكنه أن يسمح لنفسه بالإشراف على القذارات التي ترسم يوميا ت سوريا، على الأقل منذ انطلاق الثورة. وأتساءل في هذا الإطار، إن كان بشار قادرا على إبهارنا بكفاءته الطبية، إن وجدت لديه حقا، لأننا لم نكتشف معه غير سادية فقأ عيون الصغار، عوض أن يكون جديرا بمسؤولية رعايتهم ويستبصر لهم مستقبلا مطمئنا وسط عالم لا يرحم أبدا . لو كان طبيبا بالتعريف والمدلول، لتملكته روح ابن رشد و ابن سينا و غيفارا وشفايتزر... . إذا عشق، فعلا الفلسفة والأدب، كما توهمنا سيرته، لاقتفى مثال مثقف سياسي نبيل كرسه الإفريقي سنغور، عندما ترك لهم الكرسي بما حمل. آنذاك ستحبه الجماهير بصدق، وترسم له تمثالا حيا في قلوبها. لا أعرف حاليا، وفق الشخصية الإجرامية التي أبان عنها بشار، طبيعة تشخيصه لأعراض مرضاه ، إذا استطاع يوما ما ، العودة ثانية إلى عيادته ؟ ولأن الشيء بالشيء يذكر ، فحالته ، تحيلني على أشباهه من الأطباء المتواجدين عندنا في المغرب، الذين بدورهم لا علاقة لهم بنقاء الطب إلا الوجاهة الفارغة، بحيث ينصب همهم الوجودي على اقتناء السيارات الرياضية والكلاسيكية ، والتطاول في البنيان، وقضاء آخر الأسبوع في ميامي أو ماربيا ، بينما تتعفن جحافل الفقراء داخل المستشفيات. حدث أن غادرت عجوز عيادة طبيب ، سعيدة ، تدعو له بالحفظ والصون ، لأنه أحس بمعاناتها . لكن ما إن ولجت أقرب صيدلية ، كي تستفسرعن ثمن الدواء حتى أصابها الغثيان من وقع الصدمة . عوض أن يوثق طبيبها الأدوية وكيفية الاستعمال ، سيحلق بخياله وقتها إلى مشروع مركبه السكني الجديد ، فجاءت الوصفة عبارة عن وصل بطلباته الملحة من كميات الحديد والرمل والإسمنت، إلخ . في إطار الدونكشوتية ذاتها ، كل من شاهد مؤخرا بشار وهو يحاورنفسه بغير معنى، عفوا يتحدث إلى صحافيين ينتميان للإعلام الرسمي أو الفضائية السورية ، سيدرك تماما كنه احتقار ولامبالاة الطبيب المشار إليه أعلاه .