لكم الثورة, و لنا مصيرها لن يختلف اثنان, أن الشعوب العربية عانت من ويلات استعمار جديد بعد خروج المستعمر الأجنبي, الذي خلف وراءه مستعمرا من جلدة المستعمَرين, يسوسهم كما ساسهم من قبل, بل منهم من تجاوز المستعمر في الحزم. كان لا بد لهذه الشعوب أن تثور لتسمع صوتها الذي ضل حبيس صدورها عقودا, فخرج اليمنيون و الليبيون و التونسيون و السوريون... كلهم رافعين لشعارات الحرية و الكرامة, ضنوا أن ثوراتهم ما إن تصل صورها إلى العالم, حتى ينعتقوا من أغلال أنظمتهم, فيصفق لهم الجميع و يحتفي بهم, لكن الحقيقة أن مصير الثورات, لم يحدده أبدا ميزان القوة في الشارع, بل حدده ميزان المصالح, حدده ميزان القوة في المجالس و اللقاءات الثنائية و الثلاثية بين أمريكا و شركاءها. تونس و مصر... الارتباك النظامان المصري و التونسي كانا من أوفى الأنظمة للغرب, كيف لا و بنعلي كان أستاذ فرنسا في السياسات العلمانية السالبة للحريات الفردية, هو الذي جعل من الذهاب إلى المسجد جهادا, لا يكون صاحبه إلى صاحب شكيمة و قوة, أما مبارك فقد استطاع أن يبرهن على وفائه بفرضه حصارا خانقا على غزة. يتساؤل السائل, إن كانا مبارك و بنعلي خادمين مطيعين, فلما تخلى عنهما الغرب؟ تخلى عنهما الغرب لأنهما مجرد بيادق, نستطيع أن نعوضهما بأي قطعة متوفرة على الرقعة, فهما ليس الأهم, بل الأهم رؤوس الأموال. بالطبع لم يكن هذا هو الحل السهل, فلنتذكر ردة فعل "مام" وزيرة خارجية فرنسا التي اقترحت مساعدة نظام بنعلي لاستعادة السيطرة على الوضع الأمني, ذات النظام صار في اليوم الموالي و فيما يشبه مسلسلا كوميديا, نظاما ديكتاتوريا مضطهدا لشعبه, و هو الذي كان مثالا يجب على العرب أن يحتذوا به. نفس الشيء ينطبق على الوضع بمصر في البدايات, حيث " قهرتنا " هيلاري كلينتون بدعواتها لضبط النفس. و وسط هذا الارتباك فضلنا, التضحية بدميتين مفضلتين, فالأهم هو مصالحنا الاقتصادية في البلدين و العودة للهدوء, ففي النهاية أي حكومة منتخبة كيفما كانت, لن تستطيع أن تواجه مصالح " أصحاب الشكارة ", و الكل شهد على سخائهم عندما دعموا إعادة بناء الديمقراطية بالبلدين, سخاء يعني الكثير. البحرين و ليبيا ... و لا تشاؤون إلا أن نشاء خرج البحرينيون مطالبين بالمساواة, و خرج الليبيون مطالبين بالكرامة و العدل, و كلتا الثورتين أخذت منحى عسكري, لكن في اتجاهين مختلفين, الأولى كان المحتجون فيها مذنبين, ذنبهم أنهم شيعة و هم بذلك عملاء ايران, شاؤوا أم أبوا, فهم أقرب إلى إيران من السعودية, و بذلك فهم يمثلون خطرا استراتيجيا على مصالح أمريكا في المنطقة, فسمح العالم لأل سعود بأن يتدخلوا في البحرين عسكريا, ليطفؤوا نار – الفتنة الطائفية – على حد قولهم, أل سعود الذين غفر لهم ذنبهم ما تقدم منه و ما تأخر, تماما كبني عمومتهم أل صهيون, يستطيعون أن يقتلوا ما شاؤوا فهم أحرار في ذلك, و لن نسمع لا عن حقوق انسان و لا انتهاكات و لا هم يحزنون, فعمهم سام يكفلهم و يرعاهم. لكن في ليبيا سمعنا هذه الأغنية, منذ الأيام الأولى, حيث كان الثوار هناك في بنغازي, و قد توعدهم القذافي بالزحف عليهم ثم وفى, فانجلت روح الإنسانية في خطاب أوباما, و تعهد بجلب الديمقراطية إلى ليبيا, و بمساعدة شعب ليبيا على التحرر من الخوف و القمع, و ما الفرق بين الليبي و البحريني في عيني أوباما إلا في الربح, فليبيا سوق جديد و يا له من سوق, ذاك ما فكر فيه ساركوزي الذي كان من الأوائل الذين دافعوا عن المجلس الانتقالي, بل من أوائل من أرسلوا الطائرات إلى ليبيا لحماية المدنيين. سوريا ... القذافي طار و الرابع اسمه بشار إيران تذكرنا كل يوم بالانتهاكات التي حدثت و تحدث في البحرين, هي و حزب الله, و في نفس الوقت السعودية و البحرين يستدعيان سفيريهما في سوريا احتجاجا على ما يحدث هناك من خروق لحقوق الإنسان, روسيا ترفض أي تدخل عسكري و كذلك الشأن بالنسبة للصين, لكن في نفس الوقت النظام السوري لا يتورع عن قتل مواطنيه, و الكل متشبت بمصالحه أما الأوباش فليذهبوا إلى الجحيم و بطبيعة الحال أمريكا لن تجد أحسن من هذه الفرصة لتكسر امتداد إيران في المنطقة, و تعزل حزب الله نهائيا. روسيا ترى في ذلك سوقا تجاريا ستضيع عليها, أما الصين فترى أموالها التي تضيع في غزوات أمريكا التي لا تنتهي. و التي يقف لها مناهضو العولمة و الامبريالية و الصهيونية بالمرصاد, فهم لا يريدون سيناريو ليبيا من جديد, حتى لا يصير عندهم شهداء سوريا, خونة و أغبياء, كما صار عندهم ثوار ليبيا من قبل عملاء لإسرائيل, و قد تمنيت لو أنهم استطاعوا توفير المساعدة لشعوب تريد التحرر, عوض ملاحقة عقدة اسمها اسرائيل و حلف الناتو أينما حلت و ارتحلت, حتى لو كان ذلك لانقاذ مسلمي البوسنة و كوسوفو, فنحن أيضا لا نحبذ التدخل الأجنبي, لكن عندما يكون الأخ في سابع نومة, لا حل اخر. اليمن ... سوريا مع وقف التنفيذ يمكن لأي متتبع للشأن اليمني منذ بداية الاعتصامات التي عرفتها ساحات التغيير بأرض سبأ, أن يقر بأن ما قام به بشار, بادر به عبد الله صالح قبله, فقد استعمل نظام الرئيس صالح غازات سامة مجهولة ضد المتظاهرين, لكننا و يا للعجب لم نسمع دعوات لتنحي صالح لأنه فاقد للشرعية حتى بعد مرور أكثر من ستة أشهر, و لم نسمع عن اجتماعات لتدارس عقوبات ضد نظامه, كما حدث بسرعة مع سوريا, بكل بساطة لأنها بلاد " ما فيها ميتلبق ", و لأن نظامها من أكبر " السخارين " فيما يخص محاربة الإرهاب. الجزائر, الأردن و المغرب ثلاثتهم أعلنوا عن تعديلات دستورية شكلية, لأن الحراك فيهم لم يصل إلى خلق قوة ضاغطة حقيقية, و رغم أن الأمر ليس خطيرا في هذه الدول و أنه لا يهدد رؤوس النظام بالفعل, إلا أن الآلة الغربية تحركت بالفعل, في الحالة المغربية مثلا, ضغطت سفارة فرنسا بالمغرب على شباب حركة 20 فبراير ليقتنعوا بإصلاحات الملك محمد السادس, دون إغفال دخول اللوبي على الخط للحفاظ على الهدوء و الاستقرار بالمنطقة خدمة لمصالحه الاقتصادية بها. الاستثناء الوحيد الذي كان هو التصفيات التي عرفتها الجزائر و مرت في صمت رهيب, و ذلك لما يميز نظامها من انغلاق إعلامي رهيب, و لاستفادته من المساندة الفرنسية اللامشروطة. هو سقوط الأقنعة إذن بفضل ثوراتنا العربية إذن سقطت أخر الأقنعة حتى لا يجد أحد حجة يدافع بها عن هذا البلد أو ذاك السياسي أو تلك الجماعة أو الحزب, ليست أمريكا وحدها الانتهازية, الكل انتهازي و يخدم مشروعه الخاص, فان كانت حياتك تخدم مصالحي ستعيش, و إلا ستموت, على كل حال, لك الحق في صناعة الثورة و دخول التاريخ, لكن يبقى لنا الحق في تقرير مصيرك و كتابة التاريخ.