سامية الرزوقي وترجمة سعيد السالمي 05 أكتوبر, 2018 - 09:57:00 اسمها حياة بلقاسم، من مواليد تطوان شمال المغرب، كانت تستعد لبداية سنتها الثانية في كلية الحقوق. وعلى غرار الملايين من المغاربة فقد فقدت الامل في اي مستقبل مشرق في بلادها، ولهذا اتخذت القرار الصعب بأن تعبر البحر الأبيض المتوسط بحثا عن حياة أفضل في أوروبا. يوم 25 سبتمبر، بينما كانت على متن قارب متجه صوب اسبانيا، ومعها ما يقارب عشرين آخرين، أطلقت عليهم البحرية الملكية المغربية النار فأصابت الكثير من هؤلاء المرشحين للهجرة وقتلت حياة بلقاسم. وحسب بلاغ رسمي فإن البحرية الملكية بررت إطلاق الرصاص بادعائها ان الربان الإسباني رفض التوقف. ان الظروف التي قتلت فيها تقع على عاتق الجيش. حادث غير مسبوق أثار غضب الناس. ومع ذلك فإن الظروف التي دفعت حياة بلقاسم إلى مغادرة بلدها ليست وليدة اليوم. أبواي ينتميان الى جيل من المغاربة عاشوا حقبة باتت يعرف اليوم ب"سنوات الرصاص"، بين سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان عنف الشرطة في أوجه، وكانت فرص الشغل ضئيلة للغاية، وارتفعت الأسعار. هذه العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولدت موجة من الهجرة تنامت مع مرور السنوات حتى ان نسبة المغاربة المقيمين بالخارج صارت اليوم تناهز 15%. والداي ينتميان إلى هذه الموجة من الهجرة. بعد أن عاشوا في مدينة لم يكن الماء الصالح للشرب متوفرا فيها الا ساعات معدودة في اليوم، غادرا المغرب اوائل الثمانينات واستقروا جنوبي واشنطن. ولان أوقات العمل في مطعم Knickerbocker Grill العريق في "كابيتول هيل" كانت تفرض عليهما أن أقضي معظم الوقت مع جدتي التي التحقت بهما سنوات قليلة بعد هجرتهما، فقد كانت المدة التي قضيتها معها فرصة بالنسبة لي لكي اتعرف على مدى قساوة الظروف التي عاشتها عائلتي والعديد من المغاربة البسطاء. قبل ثلاث سنوات عدت الاستقرار في المغرب، وكان قرارا اتخذته ضدا في رغبة والداي اللذين لم يستسيغا عودتي إلى البلد الذي هجراه بهدف ان يؤمنا لي حياة أفضل. قطنت لمدة طويلة في الضاحية العمالية التي قضى فيها والدي طفولته، وبصفتي صحفية فقد سمحت لي الفرصة لمرات عديدة للسفر الى باقي أنحاء البلاد، ومقابلة الناس من جميع الخلفيات، والاستماع لمعاناتهم، ومعاينة الظروف الصعبة التي دفعت والداي والملايين من المغاربة إلى الهروب. وبعد سنوات قليلة عدت ادراجي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لنفس الأسباب التي كانت وراء مغادرة والداي. رغم أنني، عكس حياة بلقاسم، أحمل جنسية مزدوجة، ولهذا لم يكن لدي اي داع للخوف. اليوم، تحت حكم محمد السادس، كل المؤشرات تدل على استمرار سنوات الرصاص. المحتجون يعانون من عنف الشرطة، والمحاكمات الجائرة، والعقوبات الحبسية، ويتم اعتقال الصحفيين المزعجين او يتم نفيهم. كما ان التعذيب لا يزال يمارس، دون ان ننسى ان 30% من خريجي الجامعات لا يجدون فرصا الشغل. ينضاف إلى هذه المشاكل استفحال العنف الجنسي والتحرش، الذي تجسد مؤخرا في حالة خذيجة اقرو، شابة تم اختطافها واغتصابها وتعذيبها، وقد أعدت موجة الغضب والسخط التي أثارتها هذه القضية إلى تعالي أصوات عديدة تطالب بإجراء تعديلات للقوانين التي تعاقب العنف الجنسي من خلال هاشتاغ "ما ساكتاش". المعارضة واليأس يتزايدان في المغرب ويدفعان بذلك الكثير من الناس إلى المخاطرة بالهجرة نحو أوروبا. وقد زاد قرار الحكومة فرض التجنيد الاجباري على الشباب بين 19 و 25 سنة من حدة المشكل، ذلك أنه وفقا للسلطات المغربية فقد منعت هذه السنة حوالي 54 الف محاولة للهجرة نحو أوروبا، 13% منهم مغاربة. وانتشرت فيديوهات مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر شبابا مغاربة يغادرون المغرب نحو أوروبا على متن القوارب، واحيانا يرددون شعارات الحراك الشعبي الذي انطلق في نوفمبر 2016. وفي احدى الفيديوهات تظهر الآلاف من ساكنة دور الصفيح في نواحي الدارالبيضاء الذين اعلنوا انهم سيتجهون نحو سبتة لطلب اللجوء السياسي بعد أن قامت السلطات بهدم بيوتهم. كما ان هناك فيديو يظهر مسيرة نظمها بعض ساكنة تطوان حملوا فيها العلم الاسباني ويرددون شعارات من قبيل "الشعب يريد إسقاط الجنسية"، وهي نسخة ساخرة لشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي رفع ايام الربيع العربي. ورغم تزايد الاضطرابات في بلاده فإن الملك محمد السادس يغيب عنها كثيرا إذ تعود على السفر إلى الخارج حتى صار يلقب ب"الملك الافتراضي" و"الملك الغائب". منذ احتجاجات الربيع العربي التي انطلقت 2011، أضاع الملك العديد من الفرص للاستجابة لهموم الشعب، وبينما تستمر الأوضاع في التدهور فإن المغرب لا ينتج فقط أفواج جديدة من الجالية ولكنه يراكم ما يكفي من مخزون البنزين لتحقيق الانفجار. - هنا رابط المقال الأصلي